22 فبراير 2008 23:47
في الليلة قبل الماضية، كانت هناك ثلاث سفن حربية في المحيط الهادئ تنتظر الأوامر بإسقاط قمر تجسس اصطناعي أميركي قديم ومعطوب باستخدام أسلحة مخصصة للدفاع الصاروخي· حسب البيان الصادر من إدارة بوش، كان الهدف من تلك العملية هو تجنب خطر سقوط 1000 جالون من الوقود السام فوق مناطق مأهولة بالسكان في الكرة الأرضية· وعندما وصلت الأوامر في تمام الساعة السابعة والنصف مساء بإسقاط القمر، وتم إسقاطه بالفعل، فإن ذلك كان يعني في نظر الكثير من المراقبين أن الإدارة الأميركية قد عرضت عدة مصالح أمنية أميركية للخطر، وهو ثمن باهظ دفعته واشنطن من أجل تجنب خطر بعيد الاحتمال لحد كبير·
وقد أصرت الإدارة على أنها لم تكن تختبر القدرات المضــادة للأقمــار الاصطناعية، لمنظومة الدفاع الصاروخي البحري المعروفة باسم'' إيجيس'' Aegis، ولكن الحقيقة أن ذلك تماماً هو ما تحقق، أو ما كان المقصود·
على العكس من الصين التي كانت قد أجرت تجربة مماثلة منذ شهور، كانت الإدارة الأميركية حريصة على الإعلان مقدماً عن إجراء تلك التجربة، على الرغم من أن حجم الحطام الخطر المتوقع تناثره في الفضاء القريب، لم يكن مماثلاً لذلك الذي نتج عن إسقاط القمر الاصطناعي الصيني· لكن هذه الفروق بين التجربتين الأميركية والصينية وهي فروق محدودة لم تكن كافية لإقناع حلفاء أميركا وأصدقائها بالسبب الذي أعلنت أنها قد قامت بالتجربة من أجله· فالحقيقة -كما يرى الكثير من المراقبين- أن الولايات المتحدة كانت -شأنها في ذلك شأن الصين- تستعرض قدراتها المضادة للأقمار الاصطناعية على الرغم مما ينطوي عليه ذلك من تداعيات سلبية منها تقليص قدرتها وقدرة الدول الكبرى الأخرى على توجيه النقد للصين، وإطلاق سباق تسلح جديد يتخذ الفضاء ساحة له·
في مثل هذه الأمور -إسقاط الأقمار الاصطناعية- تكون القدرات عادة على نفس الدرجة من الأهمية التي تكون عليها النوايا· لدى أميركا القدرة الفعلية على نشر صواريخها المضادة للأقمار الاصطناعية على ظهر 18 سفينة من سفنها الحربية الموزعة على مختلف بحار ومحيطات العالم، إلا أن هذه القواعد ليست هي الوحيدة التي يمكن نشر هذه الإمكانيات عليها حيث توجد قواعد أخرى ولكنها ليست مملوكة لها أيضاً· لتفصيل ذلك نشير إلى أن الولايات المتحدة كانت قد تمكنت بعد جهود شاقة من إقناع اليابان بالحصول على مدمرات من نوع ''إيجيس'' للدفاع عن نفسها ضد صواريخ كوريا الشمالية· وكان من المتوقع بعد أن تحصل اليابان على تلك المدمرات أن تتوصل إلى خلاصة مؤداها، أنه بمجرد إجراء تعديلات بسيطة على البرامج الكمبيوترية لتلك المدمرات فإنها يمكن أن تتحول إلى قواعد لنشر الصواريخ المضادة للأقمار الاصطناعية وساعتها كانت اليابان ستدرك أنها لم تشتر تلك المدمرات لحمايتها من الصواريخ الكورية الشمالية كما أقنعتها واشنطن، ولكن واشنطن كانت تنوي أن تستخدمها أيضاً لنشر صواريخ مضادة للأقمار الاصطناعية· في مثل تلك الحالة كان هذا الأمر سيثير -كما هو متوقع- معارضة شديدة لليابان، وخصوصا إذا ما وضعنا في الاعتبار موقفها القوي -تاريخياً- ضد الأسلحة الفضائية· وهناك أيضا خطر كان متوقعاً تبلوره إذا ما تم نشر الصواريخ الأميركية على ظهر المدمرات التابعة لليابان هو التأثير بالسلب على العلاقات اليابانية-الصينية الهشة أصلاً·
لذلك يجب على واشنطن ألا تندهش، عندما ترى أن الصين قد سارعت إلى استثمار تجربتها الفضائية، لتبرير الاستمرار في برنامجها الوليد المضاد للأقمار الاصطناعية· إلى ذلك يتوقع أن تعطي العملية الأميركية الصين وروسيا ودولاً أخرى مبرراً لتطوير واختبار قدرات مماثلة، وذلك من خلال ادعاء أنها أيضاً تحتاج إلى حماية سكانها من الأخطار التي يمكن أن تترتب على تساقط حطام الأقمار الاصطناعية القديمة على مدنها· ليس هذا فحسب، بل يمكن أن تؤدي هذه التجربة إلى جعل الصين تستشعر أنها في حل من الالتزام الذي تعهدت به العام الماضي بعدم إجراء تجارب على أسلحتها المضادة للأقمار الاصطناعية·
وهنا قد يتبادر إلى أذهان البعض سؤال هو: ما هو شعور الأميركيين إذا ما كان الموقف معكوساً، أي إذا ما كان الصينيون هم الذين فجروا قمراً اصطناعياً معطوباً عن العمل حتى لو كان خطر وقوع خسائر نتيجة لعملية دخول القمر مرة أخرى للمجال الجوي للأرض محدوداً؟ إن هذا السؤال يحمل إجابته في طياته وهي: أن الولايات المتحـــدة سوف تنظر إلى ما وراء السبب المنطقي المقدم من قبل الصين، لتبرير مثل هذا الإطلاق، وتركز على القدرات التي يدل عليها وترتب استجابتها على هذا الأساس·
وهذه الأكلاف الأمنية كان يمكن أن تتضاعف، إذا ما كانت التجربة الأميركية قد أخفقت· من تلك الأكلاف أن ذلك الإخفـــاق كان سيؤدي إلى تقليص مصداقية وإمكانية الاعتماد على نظام ''ايجيس''، وإلى إحساس اليابان بأنها قد دفعت عدة مليارات من الدولارات لشراء نظام خطر·
كل ذلك كان سيمكن تبريره، لو كان هناك بالفعل خطر كبير على حياة السكان الأميركيين نتيجة لإعادة دخول القمر للمجال الجوي للأرض مرة أخرى· ولكن الخطر كان محدوداً بالفعل، حيث لم يحدث من قبل أن قتل شخص، أو حتى أصيب جراء إعادة دخول قمر للمجال الجوي للأرض· علاوة على ذلك فإن البيت الأبيض نفسه كان قد أعلن أن الخطر المتوقع من سقوط هذا القمر على السكان ''محدود''·
وإذا ما وضعنا في اعتبارنا الخطر المحتمل على المصالح الأمنية الأميركية، والتكلفة المادية لإسقاط القمر والتي تراوحت ما بين 40 و60 مليون دولار، فإن البعض يعتقد أن الولايات المتحدة لم تكن لتقوم بذلك، وتتكبد تلك الخسائر، ما لم تكن هناك أجندة مسكوت عنها تبرر ذلك· نحن بالطبع لا ندري شيئاً عن هذه الأجندة، ولكن ما نود قوله هو أن تلك الأموال كان يمكن أن تنقذ عدداً أكبر من الناس، لو كانت قد أنفقت في أماكن أخرى ودون أن تتكبد الولايات المتحدة أي خسائر أمنية أو تداعيات سياسية·
بروس دبليو دونالد
مساعد مدير سابق للأمن القومي في مكتب المستشار العلمي للبيت الأبيض
تشارلز دي فيرجسون
خبير العلوم والتقنية بـ مجلس العلاقات الخارجية الأميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست