الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المثقف·· والانتماء إلى طائفة الفكر الحر

المثقف·· والانتماء إلى طائفة الفكر الحر
22 فبراير 2008 23:38
سيكون من قبيل العبث والتشدق القول إن المثقف العربي مثقف متجرد، أو موضوعي· وأنّى له ذلك؟ فالتاريخ والحاضر لا يشهد له بذلك، هذا من ناحية· ومن ناحية أخرى، ما من إمكانية محضة لأن يكون المثقف موضوعياً، بلا طائفة، إذا ما فهمنا من ''الطائفة'' هنا جملة الأحكام المسبقة التي تتأصل في ''الذات''، و''النفس''، و''الوجدان''، وغير ذلك مما يكمن باطنياً، ويُجرى العمل به على أصعدة مختلفة· كان المثقف، وما يزال، يعمل على هدي ''أفكار'' لها وجود مسبق، يدعمها ولا يرى غيرها· قد يُخرج بعضهم ''المثقف'' المنحاز من إطار الثقافة، ويلقي به في مهاوي حقل آخر، لكن الثقافة ليست كياناً معلقاً بالهواء، إنها ابنة أرضنا وما تنبته، ومن ثم فإن المثقف هو أيضاً زرع هذه الأرض ونتاجها· ليس للمثقفين العرب طائفة خاصة بهم، إنها مطمح أن يوجهوا جهدهم وولاءهم لطائفة المثقفين، أي لطائفة الفكر الحر، والتعالي على الانتماء الطائفي التقليدي، أو الحزبي، أو العرقي، أو المذهبي· غير أن الأمر غير ذلك، فالمثقفون متناحرون الآن وقبل الآن، وأرجو أن يُفهَم معنى كلمة ''المثقفون'' هنا بأوسع إطار حتى يضم تنوعات الحقول الثقافية والمشتغلين فيها· لذلك ما زلنا نرى مثقفين حتى الآن يصرون على أن يكونوا صماً بكماً عمياً عما فعلوا بأعمالهم الثقافية، بل ثمة من يلجأ إلى التبرير والتسويغ· إن استثناءات قليلة تشذ عن الوصف· فالفحص يثبت وجود ولاء كبير لغير قيم الثقافة الحرة تحت أنشطة أكثر المثقفين وعياً بضرورة وضع أسس للفكر الحر· ولقد وعى مستشرف الآفاق المفكر العراقي الراحل علي الوردي هذه الحقيقة، ونبّه على الحذر منها، ولا مصيخ· ما من مثقف سيبرأ من عدوى الانتماء إلى غير طائفته الخاصة (طائفة الفكر الحر)· سوى ذلك، وعربياً، تبدو قليلة الجهود الفكرية الحقيقية إذا ما قورنت بحجم مشكلاتنا الحالية· النقد هو الآخر لم يضع بين مشاغله تأسيس ''الحرية النقدية''، أما الشعر فهو طامتنا الكبرى· فجعجعته طبقت الآفاق، إذ ما يزال يوظّف انتصاراً للطوائف المذهبية والحزبية والحربية، والشعراء الذين تعففوا عن هذه الطوائف انتصروا إلى ''طائفية لغوية'' خاضوا فيها حروباً كبرى ضد التقليد والتأثر ومع الابتكار والتجديد في الفن الشعري الخالص· إنها مشكلة عسيرة الحل· لأننا أبناء الراهن نراه ونلمسه، ومن الصعب تجاوز استحقاقاته المودعة لدى كبار المثقفين· يمكن الآن أن نلتمس العذر لتحزب شاعر عبقري مثل بدر شاكر السياب، فنتجاهل ماركسيته حيناً وقوميته حيناً آخر، لأنه في الأخير غلب وجدانه الأصيل، واحتكم إليه، ومات تحت ظل خيمة الشعر العظيم· أما الحالات التي نراها الآن، فلا تُغتفر، الآن في الأقل· لأن الخيمة التي يستظل تحتها الشاعر الكبير، يستظل تحتها في الأخير أيضاً، ليست بالتأكيد هي خيمة وجدانه، ولا هي خيمة تصلح للمثقف· إن انتماء المثقف مسألة تستفز المثقف ذاته بإخطاره عن فشله في تأسيس طائفته· فالعثور على طائفة المثقف مازالت قضية بحث، إنها قيد الدرس، لأنها غير موجودة بعد· إنها بحاجة إلى تأسيس· والتأسيس عسير كما هو حال أي تأسيس· مرة أخرى، المثقف أصلاً بلا طائفة، وإذا كان عليه أن يؤسس طائفته بدءاً من الآن، فمتطلبات التأسيس لم تنضج بعد· لأن المثقف ما زال، بوعي أو بدونه، منتمياً إلى طائفة، حتى أولئك الذين يبدون منها براء، هم في الحقيقة منتمون إليها بطريقة أو بأخرى· حين يؤسس المثقفون طائفتهم، ستحدث المفارقة، إذ ستكون طائفة المثقفين أول طائفة يعترف المنتمون إليها بطائفيتهم، سيقولون: نعم نحن طائفيون· لأن اعترافهم هذا، على الضد من إنكار الطائفيين التقليديين لطائفيتهم، هو اعتراف بالقيم الحرة، والأفكار البناءة، وحق الحياة واختيار المعتقد والدين والمذهب· طائفية المثقفين المفترضة هذه مطمح كبير، لأنها تعني أن تكف البنادق عن الانخراط في قتل الحياة، وأن يكف الجهل عن رسم مسارها، وأن يُخلى السبيل إلى القلم والعقل·
المصدر: واشنطن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©