الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين... وليبيا ما بعد القذافي

17 سبتمبر 2011 01:37
عُرف ساسة بكين بدهائهم وذكائهم وعدم تهورهم في اتخاذ المواقف السياسية خشية أن يعود ذلك بالضرر على مصالح بلادهم. لكن يبدو أن ذكاءهم قد خانهم في ما يتعلق بالأوضاع في ليبيا، حينما ترددوا في الوقوف إلى جانب شعبها ومجلسها الانتقالي، بل وانتقدوا الحملة العسكرية للناتو لحماية المدنيين الليبيين، الأمر الذي لا شك أنه أضر وسيضر أكثر في القادم من الأيام بالمصالح الصينية في هذا البلد النفطي الكبير، لصالح القوى الغربية التي دعمت الثوار سياسياً وعسكرياً مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا. بكين استثمرت كثيراً في ليبيا، وخصوصاً في الحقبة التي كان فيها نظام القذافي مقاطعاً من المجتمع الدولي بسبب قضية "لوكربي" وغيرها من مغامرات العقيد الطائشة، وذلك ضمن السياسات الصينية المعروفة والهادفة إلى التمدد في القارة الأفريقية، استحواذاً على مكامن النفط ومناجم المعادن، والعقود الإنشائية المربحة، والصفقات التجارية المجزية. ومن هنا لم يكن غريباً أن تتواجد على التراب الليبي - قبل الأحداث الأخيرة – 75 شركة صينية (بينها 13 شركة مملوكة للدولة)، وأن تكون هذه الشركات منخرطة في أكثر من 50 مشروعاً بقيمة إجمالية لا تقل عن 18.8 مليار دولار، وأن تتراوح تلك المشاريع ما بين إنشاء الوحدات السكنية الفاخرة، ومد خطوط السكك الحديدية، وإقامة المنشآت النفطية، وتقديم خدمات الاتصالات، وتشييد المباني الحكومية والملاعب الرياضية، وأن تضطر الحكومة الصينية إلى إجلاء نحو 35 ألفاً من عمالها وموظفيها ومهندسيها على عجل في فبراير المنصرم. الآن وبعد أن حسم الليبيون، بمساعدة عسكرية من "الناتو" ومؤازرة سياسية من المجتمع الدولي، أوضاعهم تبدو الصين (ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم) كمن خسر موطئ قدم مهم لها في شمال أفريقيا. ولعل ما يؤكد ذلك ويجسد الحزن والألم اللذين يعتريان قادة بكين هو مسارعتهم إلى تحذير النظام الجديد في طرابلس الغرب من مغبة المساس بالمصالح الصينية في ليبيا وضرورة حمايتها، بمجرد أن صرح ناطق رسمي باسم المجلس الانتقالي الليبي بأن الشركات الصينية والروسية لن يكون لها مكان في ليبيا ما بعد القذافي بسبب مواقف حكوماتها. حدث ذلك على الرغم من أن بكين لم تعترف رسمياً حتى الآن بالمجلس الانتقالي كسلطة شرعية، ولا تزال تطالب الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية بالعمل على إعادة النظام في ليبيا كشرط لاعترافها، على نحو ما قاله وزير الخارجية الصيني "يانج جييتشي". لكن هناك من يقول إن بكين تحاول اليوم بشتى الوسائل إصلاح ما انكسر وتشظى في العلاقات الصينية - الليبية، وذلك من خلال التودد إلى رموز النظام الجديد، والتعهد بالمساهمة الجادة في إعادة تعمير ما هدمته حرب الإطاحة بنظام العقيد، لكن بعدما تنضج الأمور وتتوقف الفوضى الأمنية تماما في ليبيا. ولعل ما يؤكد هذا السعي قبول بكين الفوري للدعوة التي وجهت لها من قبل الرئيس الفرنسي لحضور مؤتمر إعادة إعمار ليبيا في العاصمة الفرنسية في الأول من سبتمبر الجاري، ناهيك عما صرح به "زي ياجينج" المسؤول التجاري في دائرة شؤون أفريقيا وغرب آسيا في وزارة التجارة الصينية من أن بلاده تملك من الإمكانيات الهائلة المالية والبشرية والتقنية ما يجعلها أفضل من أي بلد آخر لجهة المساهمة في إعادة إعمار ليبيا. إلى ذلك يحاول الصينيون إيهام الليبيين بأن مواقفهم لم تكن منحازة إلى جانب نظام القذافي، وإنهم كانوا متابعين منذ البداية لكل ما كان يجري في ليبيا، وسعوا جدياً لدى القذافي لإقناعه بعدم استخدام السلاح ضد شعبه، مشيرين في هذا السياق إلى الدعوة التي وجهوها إلى وزير خارجية النظام البائد للقدوم إلى بكين لإقناعه بمخاطر الانزلاق نحو حرب أهلية، وإلى المحادثات التي أجراها سفيرهم في الدوحة في يونيو الماضي مع رئيس المجلس الانتقالي، وإلى الرحلة التي قام بها أحد كبار دبلوماسييهم في القاهرة إلى بنغازي للإطلاع على الظروف الإنسانية وتدشين صندوق صيني للإغاثة، وإلى المساعدات الإنسانية التي أرسلوها إلى الثوار عبر الصليب الأحمر الصيني، وإلى المحادثات التي أجراها في بنغازي مع رموز المجلس الانتقالي "تشين زياودونج" رئيس الدائرة الأفريقية في وزارة الخارجية الصينية. ويعتقد زعماء الصين، التي حصلت العام الماضي من ليبيا على ما يعادل 3 بالمائة فقط من إجمالي وارداتها النفطية، أن نظرائهم الليبيين الجدد أعقل من أن يفترضوا إمكانية حل مشكلة بناء ليبيا الجديدة بالجهود الغربية وحدها دون جهود الصين التي لديها ميزة نسبية لجهة العمالة الرخيصة والخبرات المتراكمة من الانخراط في مشاريع البنى التحتية في الدول النامية. كما يجزمون بأنه طالما كان اعتماد ليبيا في بناء ما تهدم على العائدات النفطية (تصدر ليبيا يوميا نحو 1.6 مليون برميل يومياً من النفط، وهو ما يعني أنها تحصل على عوائد سنوية تصل إلى 50 بليون دولار) فإنه من الأجدى أن تكون تلك العائدات قادمة من دول مختلفة وليست محصورة في الغرب الذي يواجه اليوم معضلات اقتصادية. وطالما أتينا على ذكر المعضلات التي يواجهها الاقتصاد الغربي، فإن هناك من يقول بفرضية أن يساوم الغرب المنتصر في ليبيا الصينيين، بمعنى أن يمد هؤلاء يد العون للاقتصاد الغربي بما لديهم من إمكانيات كثاني اقتصاد في العالم، مقابل أن تــُحفظ لهم مصالحهم الإستراتيجية في ليبيا الجديدة، أو أن يحصلوا على نصيب وافر من كعكة إعادة إعمار الأخيرة. د. عبدالله المدني - باحث ومحاضر أكاديمي في الشؤون الآسيوية من البحرين elmadani@batelco.com.bh
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©