الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فلسطين في الأمم المتحدة: حدود التأثير الأميركي

فلسطين في الأمم المتحدة: حدود التأثير الأميركي
17 سبتمبر 2011 01:36
حذر المسؤولون الأميركيون رئيس الوزراء الإسرائيلي المتشدد، نتنياهو، والقادة الفلسطينيين أيضاً، من أن المواجهة الدبلوماسية بشأن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، والتي يتوقع أن تصوت عليها الأمم المتحدة في الأسبوع المقبل، قد يكون من شأنها تعميق حالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي تعاني أصلا من اضطرابات سياسية وأمنية مزمنة وتزداد تعقيداً في ظل التطورات الحالية التي تشهدها بعض الدول العربية المحيطة بإسرائيل. لكن التحذيرات الأميركية لم تجد صدى لها، ليس فقط لدى القيادة الفلسطينية متمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية، والتي تشعر بالخذلان من قبل إدارة أوباما، بل أيضاً لدى الحكومة الإسرائيلية (اليمينية) التي تتلقى مليارات الدولارات الأميركية سنوياً على شكل مساعدات يستفيد منها جيش الدولة العبرية. هذا، وتسعى الإدارة الأميركية خلال هذه المرحلة إلى منع لحظة مفصلية في الحركة الفلسطينية الوطنية عندما يتقدم الدبلوماسيون الفلسطينيون بمشروع قرار إلى الأمم المتحدة، في الأسبوع المقبل، يتضمن طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة مستقلة ذات سيادة وكاملة العضوية في منظمة الأمم المتحدة. وقد حاول أوباما طيلة الشهور الماضية الأخيرة إقناع الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، باستئناف المفاوضات باعتبارها البديل الأفضل للمبادرة الفلسطينية الرامية إلى نيل الاعتراف الدولي. أما بالنسبة لإسرائيل فقد حذرت مما قالت إنه "تداعيات خطيرة" ستتبع المحاولة الفلسطينية المنتظرة، فيما انبرى المسؤولون الأوروبيون والأميركيون على مدار الفترة الأخيرة، وإلى غاية يوم الخميس الماضي، في محاولات للتوصل إلى اتفاق تفاهمي بين الطرفين يحول دون تصويت الأمم المتحدة. وفي هذا السياق لم يتردد أوباما في إبداء الموقف الأميركي المعارض كلياً للمبادرة الفلسطينية، متوعداً باستخدام حق النقض (الفيتو) إذا ما طُرح مشروع الدولة الفلسطينية على مجلس الأمن الدولي، وهي الخطوة التي ستضع الولايات المتحدة في موقف مربك إزاء روح الثورات الوطنية التي تزعزع الشرق الأوسط منذ مطلع السنة الجارية. وترجع أسباب الرفض الإسرائيلي للمقترحات الأميركية الرامية إلى إنعاش أفق السلام في الشرق الأوسط، بديلا عن الذهاب إلى الأمم المتحدة، إلى الاعتبارات الداخلية التي يحرص عليها نتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان على حد سواء، لكنها تعكس أيضاً اضمحلال النفوذ الأميركي في المنطقة، فمن ناحية يبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي أكثر توجساً على مستقبله السياسي ويخشى إغضاب الجناح "اليميني" في الحكومة، الذي لا يتمتع أصلا بشعبية كبيرة في إسرائيل، وقد بدأ يفقد بعضاً من أصوات الناخبين اليهود في الولايات المتحدة ممن كانوا أحد أعمدة الحزب الديمقراطي لفترة غير قصيرة، كما أن القائدين (أوباما ونتنياهو) اللذين يتبنيان أسلوباً مختلفاً في ممارسة السياسة، لم يفلحا أبداً في نسج علاقة ودية طيلة الفترة المنقضية من ولاية أوباما. بل أكثر من ذلك فإن إسرائيل بدأت تدرك أن أميركا باتت أقل فائدة لها كحليف في الشرق الأوسط الجديد، وهو ما يشير إليه "روبرت مالي"، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بمجموعة الأزمات الدولية، متسائلاً: "لماذا فقدت أميركا نفوذها على إسرائيل؟ لأنها خسرت قدرتها على التأثير في العرب". ويتحسر المسؤولون الأميركيون في اجتماعاتهم الخاصة على تناقص التأثير الأميركي على حكومة نتنياهو الذي دخل في صراع علني مع البيت الأبيض بعدما طالب أوباما في بداية رئاسته إسرائيلَ بوقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية التي تحتلها الدولة العبرية منذ حرب يونيو عام 1967. ورغم موافقة إسرائيل على تجميد مؤقت للاستيطان لكنها عادت مجدداً إلى استئناف البناء الاستيطاني والتوسع في ضم الأراضي الفلسطينية بعد انتهاء مهلة التجميد القصيرة أصلا، وهو الأمر الذي أدى إلى انهيار المفاوضات مع الفلسطينيين. وبالإضافة إلى موضوع وقف الاستيطان الذي رفضه نتنياهو، فإن هذا الأخير قام أيضاً بتعطيل حملة الضغط القوية التي شنتها إدارة أوباما على الحكومة الإسرائيلية، في محاولة لإقناعها بتقديم اعتذار لتركيا وتبديد الأزمة الناشئة بين الجانبين على خلفية قتل القوات الإسرائيلية تسعة مواطنين أتراك في العام الماضي عند الهجوم على قافلة سفن الحرية كانت متوجهة بمواد إغاثية إلى قطاع غزة المحاصر من قبل إسرائيل. ومع أن تركيا كانت من أقرب الحلفاء في العالم الإسلامي لإسرائيل وتربطهما علاقات مميزة، لاسيما أن أول دولة إسلامية تعترف بالدولة العبرية بعد قيامها مباشرة، إلا أن تداعيات أزمة قافلة السفن المتوجهة إلى غزة، والتعامل الإسرائيلي مع الأزمة، وتر العلاقات بين الجانبين، كل ذلك أجهز أو يكاد يجهز على علاقات التحالف بين أنقرة وتل أبيب. وعلى هذه الخلفية، فقد سعى المسؤولون الأميركيون في الأسابيع الأخيرة إلى التدخل لتذليل العقبات المستجدة في علاقات الدولتين، وذلك من خلال طرح صيغة تقدم فيها إسرائيل اعتذارها للسلطات التركية عن سقوط الضحايا، دون التشكيك في شرعية الحصار الإسرائيلي على غزة. لكن الحكومة الإسرائيلية رفضت المقترح، مصرةً على أن جنودها كانوا يدافعون عن أنفسهم، فيما رفض وزير الخارجية الإسرائيلية، أفيجدور ليبرمان، والذي ينتمي إلى الجناح القومي المتطرف، تقديم أي اعتذار لتركيا، مما أجبر نتنياهو على تصعيد موقفه. وفي هذا الإطار يقول "ديفيد ماكوفسكي"، الخبير في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "لم تكن الإدارة الأميركية غافلة عن الاعتبارات الداخلية التي تحرك موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، لكنها رأت بأن الاعتبارات الاستراتيجية أهم من السياسة الداخلية". أما رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوجان، فقد دأب في السنوات الأخيرة على توجيه انتقادات لاذعة لإسرائيل، وقد جاءت حادثة سفينة "مافي مرمرة" المشاركة في قافلة أسطول الحرية، لتفاقم الوضع وتؤزم العلاقات الإسرائيلية التركية، وهو ما يلاحظه "ماكوفسكي" قائلا في هذا الخصوص إن نتنياهو "مدرك تماماً لحقيقة أن مرحلة التسعينيات المميزة في العلاقات التركية الإسرائيلية قد ولت بدون رجعة"، أما أردوجان فهو مصمم، ولاعتبارات سياسية داخلية، على "مراجعة التعاون مع إسرائيل"، ومن ثم فإن "تقديم نتنياهو لاعتذار لن يغير التوجه العام للحكومة التركية". وقد أكد مسؤول تركي رفض الإفصاح عن هويته أن حكومة رجب طيب أردوجان تواصل إصرارها على اعتذار إسرائيلي قائلا: "لا يوجد لدينا مشاكل مع اليهود أو الشعب الإسرائيلي إذا ما اعتذروا وقدموا تعويضات لأسر الضحايا، كما يفعل الأصدقاء الحريصون على تحسين العلاقات، لكنها لن تصل أبداً إلى المستوى الذي كانت عليه في السابق". والحقيقة أن أوباما نفسه يواجه ضغوطاً داخلية تجعل من الصعب عليه انتقاد إسرائيل لما لذلك من تداعيات خطيرة على فرص إعادة انتخابه في الاستحقاقات الرئاسية المقبلة. ومع أنه وصف المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بأنها "غير شرعية"، ودعا الحكومة الإسرائيلية إلى استئناف المفاوضات على أساس حدود عام 1967 مع تبادل الأراضي، إلا أنه أيضاً وقف إلى جانب الدولة العبرية معارضاً المساعي الفلسطينية بالتوجه إلى الأمم المتحدة لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، وذلك على حساب سمعة أميركا وصورتها في منطقة يبدو أنها بدأت تتخلق من جديد، وأحد عوامل ذلك التخلق هو الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية أساساً! جوبي واريك وسكوت ويلسون محللان سياسيان أميركيان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©