الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فن الكاريكاتير.. بلاغة التصويب

فن الكاريكاتير.. بلاغة التصويب
9 سبتمبر 2015 23:41
فن الكاريكاتير من الفنون التشكيلية المحببة لقلوب الناس وعقولهم، ليس فقط لأنه «يضحكهم» ويرفّه عنهم بعض ما يجدون في واقعهم الصعب، وإنما لجرأته في التعبير عنهم وعن همومهم، والبوح بما يختزنونه في صدروهم، وربما، حين يصوّب على الأخطاء ليصلحها، يدغدغ أحلامهم في حياة أفضل. ببضعة خطوط بسيطة، يمتلك فن الكاريكاتير هذه القدرة الساحرة على السخرية، وعلى ممارسة النقد ببلاغة عالية، بل يمكن القول إنه البلاغة إلى أقصاها... مع ذلك يظل السؤال عن مدى تأثيره وقدرته على حل مشكلات بعينها مشروعاً؟ وهذا ما يطرحه التحقيق التالي. معنى الكاريكاتير كلمة «كاريكاتير» مشتقة من الكلمة الإيطالية «كاريكير» والتي تعني «يبالغ»، حيث يعتمد فنان الكاريكاتير في رسوماته على تحريف الملامح الطبيعية للشخص، أو الاستعاضة عن الملامح بأشكال حيوانات أو طيور. والكاريكاتير فن ساخر من فنون الرسم، وهو صورة مبالغة هدفها إظهار تحريف مقصود في ملامح طبيعية أو خصائص ومميزات شخص أو جسم ما، بغية السخرية أو النقد الاجتماعي والسياسي. إلى ذلك ففن الكاريكاتير له القدرة على النقد بما يفوق المقالات والتقارير الصحفية أحياناً. وتختلف الآراء بخصوص منبع هذا الفن الذي لطالما استهوته ملامح الوجه، لكن كلمة «كاريكاتير» مماثلة تماماً لكلمة «بورتريه» التي تعطي نفس المعنى مع وجود فارق في طبيعة الكلمتين أساسه مفارقة في خطوط الرسم. ففي «الكاريكاتير» كثيراً ما يعمد الفنان في رسم خطوطه إلى درجة كبيرة من المبالغة في الشكل والحجم عن سابق قصد، الأمر الذي يجعل السخرية تبلغ أعلى درجاتها. من جهة ثانية، يعطي النقد المقصود الانطباع المشهدي المؤثر والمحرض معاً، والذي يريد الرسام إطلاقه أو البوح به. وأما رسم «البورتريه» فيعتمد على قواعد مثالية ثابتة لا يمكن تجاوزها، فالرسم يجب أن يكون مطابقاً تماماً لواقع ملامح الشخصية دون أي تغير أو مبالغة أو تضخيم. مدارس استقى فنانو الكاريكاتير أصول هذا الفن من خلال عدة مدارس كلاسيكية رسخت المبادئ الأساسية لهذا الفن، ولكل منها اتجاهها على هذا الصعيد. فالمدرسة الأوروبية الشرقية اعتمدت على الرسم فقط، حيث تقدم الرسوم الفكرة من خلال اهتمام بالغ بتفصيلات الرسم ذاته من دون الاعتماد على تعليق مصاحب له، بينما كانت المدرسة الأوربية الغربية تعتمد على الرسم التخطيطي البسيط مع تعليق مصاحب له على شكل نكتة أو حوار ضاحك، وتتضح المفارقة من خلال العلاقة بين الحوار والرسم وبذلك تظهر الفكرة المراد توصيلها، أما المدرسة الأميركية فقد امتازت بالجمع بين المدرستين الأوروبيتين، حيث انصب اهتمامها على إعطاء الرسم الكاريكاتيري مضامين ودلالات تتضح أكثر بالحوار. وتعد الصورة الكاريكاتيرية رسالة من الفنان إلى المتلقي من خلال سياق مشترك قائم على بنية الواقع الذي يعيشونه معاً، ومن هذا المنطلق فإن الفكرة الكاريكاتيرية تنقسم إلى أنواع منها: الكاريكاتير الاجتماعي الذي يبرز من خلاله الفنان قضايا وتناقضات الواقع الاجتماعي، والكاريكاتير الرياضي والذي يعتبر فرعاً من الكاريكاتير الاجتماعي، والكاريكاتير السياسي والغرض منه نقد الواقع السياسي سواء على المستوى المحلي أو العالمي. الرسالة الكاريكاتيرية إن الصورة الكاريكاتيرية هي رسالة من الفنان إلى المشاهد في سياق مشترك قائم على بنية الواقع الذي يعيشانه معاً، ومن هذا المنطلق فإن الفكرة الكاريكاتيرية تنقسم إلى عدة أنواع، فمنها السياسية والاجتماعية. ورغم أن الكاريكاتير يستخدم الخطوط البسيطة في نقل المعنى والمضمون، فإن له الدور الأبرز في الدفاع عن قضايا مهمة منها حقوق الإنسان، وإظهار عيوب المجتمع في صورة ساخرة ممتعة تدعونا إلى إحداث التغيير في ثوابت راسخة متجذرة في الواقع غالباً ما تتطلب التجديد. الكاريكاتير والسياسة لقد سخر الإنسان من نفسه ومن غيره بالكلمة والصورة، ولقد تعود الكثير منا منذ صغره أن يقرأ الكاريكاتير قبل سواه خاصة حين تقع بين أيدينا إحدى الجرائد. كبرنا واحتفظ أغلبنا بهوايته هذه. والكاريكاتير في أيامنا هذه يمثل صورة عن المجتمع الحديث والواقع المعيش وهو إحدى ملامح «الديمقراطية»، وطبعاً واحد من أهم الأغصان الجديدة في شجرة السلطة الرابعة. والكاريكاتير من حيث التقنية مزيج مدهش بين الخيال والواقع من خلال منظور واحد، إنه ومن حيث الأسلوب يعتمد المبالغة في تضخيم أو تصغير القسمات والملامح واللعب العابث بها. ولأن هذا الفن في أغلب الأحيان له علاقة بالسياسة والقضايا الكبرى في العالم عامة والوطن العربي خاصة، فإن الأمر يضيف أبعاداً جديدة على أهمية هذا الفن. وربما نستطيع القول إن فن الكاريكاتير هو الأقرب إلى الإنسان العربي لكونه فناً طريفاً وممتعاً من جهة، وهو ضربة قاضية تصوّبها ريشة راسمها عبر إدراج رأي معين في حركة فنية خفيفة من جهة ثانية. الكاريكاتير وصاحبة الجلالة ارتبط فن الكاريكاتير بالصحافة منذ ظهوره مع بدء ظهور أول مجلة فكاهية ساخرة أسسها يعقوب صنوع، وهو مصري من مواليد باب الشعرية أصدر أول صحيفة هزلية كاريكاتيرية ساخرة باسم أبو نظارة عام 1878، وقد أصدر مجلته بعد تقابله مع الإمام محمد عبده والشيخ جمال الدين الأفغاني، وبعد الاجتماع الأول لإصدار المجلة لم يستقروا على اسم للمجلة، وأثناء سيرهم ليلاً نادى أحد المكارية – المكاري هو الرجل الذي يؤجر الحمير – ينادي على يعقوب صنوع الذي كان يرتدي نظارة سميكة باسم يا أبو نظارة، فكان هو اسم أول مجلة ساخرة في العصر الحديث يستخدم فيها فن الكاريكاتير المصري الخالص بشكل بسيط، وإن كان الحوار الساخر هو البطل، وقام صنوع برسم الشخصيات بنفسه إلا أن الأسلوب النقدي الساخر جداً لم يتقبله القصر في ذلك الوقت، فكان من نصيب المجلة التوقف، ونفي يعقوب صنوع إلى خارج البلاد، وقد تحايل يعقوب باستخدام أسماء مختلفة للمجلة مرة باسم أبو زمارة أو أبو صفارة وصلت إلى 12 اسماً حتى يصدر المجلة وتصل إلى القارئ. الجدير بالذكر أنه صدر في مصر العديد من المجلات التي تحوي رسوماً كاريكاتيرية كمجلة «اللطائف المصرية»، و«مجلة الكشكول»، ومجلة «خيال الظل»، ومجلة «الفكاهة» ومجلة «الراديو»، ومجلة «البعكوكة». ولقد اشتهر العديد من رسامي الكاريكاتير المصريين برسوماتهم وأعمالهم الكاريكاتيرية الرائعة المميزة مثل الفنان محمد عبد المنعم رخا، أحمد طوغان، صلاح جاهين، مصطفى حسين، وعمرو سليم وغيرهم. كما حرص فنانو الكاريكاتير على إظهار شخوص نمطية في الرسوم الكاريكاتورية مثل: «السبع أفندي»، و«رفيعة هانم»، و«المصري أفندي»، و«ابن البلد»، و«فلاح كفر الهنادوة» وغيرهم من الشخصيات التي علقت بأذهان محبي رسوم الكاريكاتير. وتعد جريدة (جحا الرومي) التي صدرت ببغداد في خريف عام 1923 أول صحيفة عراقية تنشر على صفحاتها رسماً كاريكاتيرياً ولم يسبقها إلى هذا المضمار أية صحيفة أخرى. ومما سبق يتأكد لنا أن فن الكاريكاتير كان على مر العصور فن له عشاقه من الفنانين، الذين استطاعوا أن يترجموا الخطوط إلى صور لها دلالات ذات معنى ومغزى. تطوّر الكاريكاتير يقول فرج حسن رئيس قسم الكاريكاتير بجريدة الأهرام عن الفنان صلاح جاهين الذي أسس مدرسة الأهرام الكاريكاتيرية حيث ينتمي فرج حسن لهذه المدرسة: صلاح جاهين أول من نشر له الأهرام رسوماً كاريكاتيرية‏. فحتى نهاية العقد السادس من القرن الماضي لم تكن الأهرام تفرد مساحة للكاريكاتير ولم تعرف رسوم الكاريكاتير أيضاً طريقها للأهرام‏،‏ ولكن مع مطلع العقد السابع من نفس القرن وتحديداً في مارس ‏1962‏ نشر الأهرام خبراً بصفحته الأولى تحت عنوان: «صلاح جاهين ينضم إلى أسرة الأهرام»‏.‏ وجاء في تفاصيل الخبر أن الأهرام سيبدأ في تقديم خدمة جديدة للقارئ بالرسم الكاريكاتوري الذي سيأخذ مكانه على صفحات الأهرام إلى جانب الخبر والصورة والمقال مع انضمام رسام الكاريكاتير الشهير صلاح جاهين إلى أسرة الأهرام‏.‏ وأضاف حسن: «تعتبر مؤسسة روز اليوسف هي البادئة في نشر وإبداع هذا الفن الساخر على أيدي فنانين عظام وكانت البداية لفنانين أجانب مثل: صاروخان، ثم تولى الفنانون المصريون المسؤولية ومنهم: الفنان عبد السميع وكثير من الرسامين أمثال صلاح جاهين والليثي وزهدي وحجازي وآخرون. فصلاح جاهين الذي أدخل الكاريكاتير إلى الأهرام من أبناء روز اليوسف، ثم أكمل المشوار الفنان ماهر داوود. وزادت مساحات الكاريكاتير بالأهرام بانضمام الفنان ناجي كامل. وكان لي الشرف أن أنضم إليهم ثم انضم إلينا الفنان جمعة فرحات والفنان نبيل تاج وزاد عدد الرسامين بعد ذلك إلى أن أصبح الأهرام يخصص 4 مساحات للكاريكاتير في العدد اليومي، وهذا دليل على مدى الحرية التي نتمتع بها مع سقف نلتزم به جميعاً، وهو تقاليد الأهرام بحكم أننا نرسم في جريدة تعتبر هي الجريدة الرسمية لدولتنا.? وعلى مدى سنوات طويلة كان صلاح جاهين خلال عمله بالأهرام المعبر اليومي عن مشاكل ومشاعر ملايين القراء الذين ربطهم بالجريدة وأصبح أحد معالمها الرئيسية‏.‏ وكان دائماً معبراً عن الرؤية الواعية والنظرة الثاقبة لما وراء الأحداث‏.‏ وصلاح جاهين لم يكن مجرد رسام خفيف الظل، وإنما كان المبدع الواعي بهموم مجتمعه وعصره‏، ‏ويسجل تاريخ الكاريكاتير المصري لصلاح جاهين أنه خاض أكبر معركتين لهذا الفن بعد الثورة وهما: معركته ضد مناهضي عمل المرأة في بداية الستينيات، ومعركته ضد وزير العدل والمدعي الاشتراكي والتي انتهت بانتصاره وفصل المنصبين الخطيرين عن بعضهما‏.‏ ‏ كان صلاح جاهين وسيظل هو أول من طور فكر المدرسة الكاريكاتورية بأن جعل للرسم دوره المؤثر إلى جانب التعليق إن لم يكن أهم منه أحياناً بعد أن كان فهم النكتة يعتمد على التعليق»‏.‏ وتابع حسن‏:‏ «كانت لصلاح جاهين روح ساخرة لم يتمتع بها أحد إلى جانب إبداعه في هذا الفن وتوجيهاته التي دفعتنا جميعاً للتفكير في الكاريكاتير الاجتماعي والسياسي فأصبح لكل منا طريقته في التفكير إلى جانب أنه كان من أوائل الرواد في هذا الفن الذين رسموا تعبير الوجه بالريشة‏، ‏ وحتى لو كان على مساحة صغيرة فبدت صورة الوجه بطبيعتها ليدرك القارئ هذا». لا ميثاق معلن أما فنانة الكاريكاتير المصرية الشابة دعاء العدل (جريدة المصري اليوم)، فترى أن هناك ندرة في رسامات الكاريكاتير على مستوى العالم، وأن وجود تيار نسائي صاحب مدرسة مميزة في فن الكاريكاتير، هو مسألة وقت. وتابعت العدل: «ساعدني دخول عالم الكاريكاتير الفنان عمرو سليم ونشر لي أعمالي في جريدة الدستور، ووقتها كان بعض الزملاء يعتقدون أن ممارستي للرسم هي على سبيل التجريب وأنني سأتوقف بعد فترة. لكن ما حدث أنني لم أتوقف مما جعلهم يتراجعون عن هذه الفكرة وأصبح بيننا علاقة إنسانية جيدة، والآن هناك عدد من الفنانات المميزات، لكن نحتاج المزيد من الدعم والجهد والعمل، لكي يكون لدينا تيار نسائي صاحب مدرسة مميزة في فن الكاريكاتير، وهذا سيحدث عندما يكون لدينا العديد من الرسامات اللاتي يملكن جمهوراً كبيراً يتابع أعمالهن، وأعتقد أنها مسألة وقت». وعن أبرز الاختلافات بين رؤية فنان وفنانة، وانعكاس ذلك على عملهما في مجال الكاريكاتير، قالت العدل: «أبناء جيلي أراهم يمتلكون رؤية تنويرية أكثر، اهتمامهم بقضايا المرأة أعمق، وهذا شكّل فارقاً عن الأجيال السابقة، التي كانت ترسم المرأة كمجرد جسد، وقدموها بشكل دوني، كشخصية سونيا التي تحب رجلاً عجوزاً من أجل ماله وكانت تنشر في أخبار اليوم. أي أنه كان هناك تكريس أن المرأة مجرد جسد ليس لها رأي في السياسة، أو يصورها على أنها امرأة دميمة أو حماة شريرة فلا أحد يقترب من مشاكلها الحقيقية. وأشارت العدل إلى أنه ليس هناك ميثاق معلن للكاريكاتير، ففنان الكاريكاتير لا بد أن يكون من النزاهة، بحيث إنه لا يستخدم الكاريكاتير لمصالحه الشخصية، بل يتعين عليه أن يرسم ما يتوافق مع ضميره والشأن العام، فيرسم عن المهشمين، ارتفاع الأسعار، الكهرباء وغيرها من الأمور التي تهم المواطن بشكل عام. فضمير الرسام هو الميثاق الشخصي له، وبالنسبة للمنع لا أذكر أن منع لي رسم، ولا أعتقد أن المؤسسات الصحافية تقوم بمنع أي عمل وذلك لأن وسائل التواصل الاجتماعي سهلت من حرية النشر». وأضافت العدل: «الكاريكاتير حالياً يمر بفترة من أصعب فتراته وهذا يرجع لأن المصريين حالياً ليسوا جبهة واحدة، فأنت حين تنتقد الإخوان تكون في جانب السلطة، وحين تنتقد السلطة تصنف أنك مع الإخوان. هذه التصنيفات تجعل الرسام في حيرة من أمره، وتدفعه باتجاه أن يقوم بممارسة رقابة ذاتية على أعماله، وهذا خطر يدمر الفنان أكثر من رقابة السلطة، لذا لكي يحافظ على مصداقيته عليه أن يرسم فقط ما يؤمن به». لسان حال الشعوب الفنان محمد عبد اللطيف، صحفي ورسام الكاريكاتير بجريدة باليوم السابع، يقول: «الكاريكاتير هو فن انفعال الإنسان بكل ما يدور حوله باعتباره جزءاً من مجتمعه بكل مشكلاته وتعقيداته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وهو فن جموح الخيال والسخرية نحو واقع مؤلم.. وهو بالأساس فن تحريضي لتغيير المجتمعات للأفضل وكبسولة مركزة لأفكار دسمة غلافها السخرية التي هي بالأساس فلسفة لدى شعوب كثيرة على رأسها وفى المقدمة الشعب المصري?». وفنان الكاريكاتير هو بالأساس صاحب موقف اجتماعي يبني عليه أعماله ومنحاز دائماً اجتماعياً لذلك نراه مثقفاً وقارئاً جيداً لكل العلوم الإنسانية من تاريخ وأدب وفن. من علامات قوة الجريدة ويقول الفنان هاني شمس رسام الكاريكاتير (جريدة أخبار اليوم): دور الكاريكاتير في المجتمع هو التنبيه والإشارة إلى وجود ظواهر سلبية، وذلك عن طريق إلقاء الضوء عليها وفضحها بشكل ساخر، ربما لا يضع حلولاً لذلك، فهو ليس دور الفن عموماً لكنه يرصد الظواهر السلبية ويحللها ويوجه أصابع الاتهام وينتقد المخطئين من وجهة نظر الرسام طبعاً. هناك دور آخر للكاريكاتير في تحديد توجهات المواطن العادي الذي ربما لجأ لرسام كاريكاتير يتابعه على مدى سنوات ونشأت بينه وبين القارئ أواصر ثقة ليحدد من خلاله توجهاته عندما يلتبس عليه الأمر في كثير من الأحيان والمواقف. وأكد شمس على أن الدور الذي يلعبه الكاريكاتير السياسي في الثقافة الشعبية ورؤية الأحداث الجارية في العالم العربي أكثر أهمية من الدور الذي يلعبه في الغرب». وأضاف: «الكاريكاتير ولد من رحم الصحافة ويعتبر رسام الكاريكاتير جريدته بمثابة معرضه الدائم الذي يطل من خلاله على القارئ يومياً أو أسبوعياً. ورغم أن الكثيرين حاولوا التأريخ للكاريكاتير بوجوده مواكباً لفكره الطباعة فإن وجود الكاريكاتير ضمن جرائد أو مجلات مطبوعة كان الأكثر فاعلية وتأثيراً ونمواً، وتعتبر مساحة الكاريكاتير داخل الصحيفة ضمن مساحات الرأي وثبات هذه المادة في مساحات بعينها يعتبر من علامات قوة الجريدة. المجلة لم يستقروا على اسم للمجلة، وأثناء سيرهم ليلاً نادى أحد المكارية – المكاري هو الرجل الذي يؤجر الحمير – ينادي على يعقوب صنوع الذي كان يرتدي نظارة سميكة باسم يا أبو نظارة، فكان هو اسم أول مجلة ساخرة في العصر الحديث يستخدم فيها فن الكاريكاتير المصري الخالص بشكل بسيط، وإن كان الحوار الساخر هو البطل، وقام صنوع برسم الشخصيات بنفسه إلا أن الأسلوب النقدي الساخر جداً لم يتقبله القصر في ذلك الوقت، فكان من نصيب المجلة التوقف، ونفي يعقوب صنوع إلى خارج البلاد، وقد تحايل يعقوب باستخدام أسماء مختلفة للمجلة مرة باسم أبو زمارة أو أبو صفارة وصلت إلى 12 اسماً حتى يصدر المجلة وتصل إلى القارئ. الجدير بالذكر أنه صدر في مصر العديد من المجلات التي تحوي رسوماً كاريكاتيرية كمجلة «اللطائف المصرية»، و«مجلة الكشكول»، ومجلة «خيال الظل»، ومجلة «الفكاهة» ومجلة «الراديو»، ومجلة «البعكوكة». ولقد اشتهر العديد من رسامي الكاريكاتير المصريين برسوماتهم وأعمالهم الكاريكاتيرية الرائعة المميزة مثل الفنان محمد عبد المنعم رخا، أحمد طوغان، صلاح جاهين، مصطفى حسين، وعمرو سليم وغيرهم. كما حرص فنانو الكاريكاتير على إظهار شخوص نمطية في الرسوم الكاريكاتورية مثل: «السبع أفندي»، و«رفيعة هانم»، و«المصري أفندي»، و«ابن البلد»، و«فلاح كفر الهنادوة» وغيرهم من الشخصيات التي علقت بأذهان محبي رسوم الكاريكاتير. وتعد جريدة (جحا الرومي) التي صدرت ببغداد في خريف عام 1923 أول صحيفة عراقية تنشر على صفحاتها رسماً كاريكاتيرياً ولم يسبقها إلى هذا المضمار أية صحيفة أخرى. ومما سبق يتأكد لنا أن فن الكاريكاتير كان على مر العصور فن له عشاقه من الفنانين، الذين استطاعوا أن يترجموا الخطوط إلى صور لها دلالات ذات معنى ومغزى. تطوّر الكاريكاتير يقول فرج حسن رئيس قسم الكاريكاتير بجريدة الأهرام عن الفنان صلاح جاهين الذي أسس مدرسة الأهرام الكاريكاتيرية حيث ينتمي فرج حسن لهذه المدرسة: صلاح جاهين أول من نشر له الأهرام رسوماً كاريكاتيرية‏. فحتى نهاية العقد السادس من القرن الماضي لم تكن الأهرام تفرد مساحة للكاريكاتير ولم تعرف رسوم الكاريكاتير أيضاً طريقها للأهرام‏،‏ ولكن مع مطلع العقد السابع من نفس القرن وتحديداً في مارس ‏1962‏ نشر الأهرام خبراً بصفحته الأولى تحت عنوان: «صلاح جاهين ينضم إلى أسرة الأهرام»‏.‏ وجاء في تفاصيل الخبر أن الأهرام سيبدأ في تقديم خدمة جديدة للقارئ بالرسم الكاريكاتوري الذي سيأخذ مكانه على صفحات الأهرام إلى جانب الخبر والصورة والمقال مع انضمام رسام الكاريكاتير الشهير صلاح جاهين إلى أسرة الأهرام‏.‏ وأضاف حسن: «تعتبر مؤسسة روز اليوسف هي البادئة في نشر وإبداع هذا الفن الساخر على أيدي فنانين عظام وكانت البداية لفنانين أجانب مثل: صاروخان، ثم تولى الفنانون المصريون المسؤولية ومنهم: الفنان عبد السميع وكثير من الرسامين أمثال صلاح جاهين والليثي وزهدي وحجازي وآخرون. فصلاح جاهين الذي أدخل الكاريكاتير إلى الأهرام من أبناء روز اليوسف، ثم أكمل المشوار الفنان ماهر داوود. وزادت مساحات الكاريكاتير بالأهرام بانضمام الفنان ناجي كامل. وكان لي الشرف أن أنضم إليهم ثم انضم إلينا الفنان جمعة فرحات والفنان نبيل تاج وزاد عدد الرسامين بعد ذلك إلى أن أصبح الأهرام يخصص 4 مساحات للكاريكاتير في العدد اليومي، وهذا دليل على مدى الحرية التي نتمتع بها مع سقف نلتزم به جميعاً، وهو تقاليد الأهرام بحكم أننا نرسم في جريدة تعتبر هي الجريدة الرسمية لدولتنا.? وعلى مدى سنوات طويلة كان صلاح جاهين خلال عمله بالأهرام المعبر اليومي عن مشاكل ومشاعر ملايين القراء الذين ربطهم بالجريدة وأصبح أحد معالمها الرئيسية‏.‏ وكان دائماً معبراً عن الرؤية الواعية والنظرة الثاقبة لما وراء الأحداث‏.‏ وصلاح جاهين لم يكن مجرد رسام خفيف الظل، وإنما كان المبدع الواعي بهموم مجتمعه وعصره‏، ‏ويسجل تاريخ الكاريكاتير المصري لصلاح جاهين أنه خاض أكبر معركتين لهذا الفن بعد الثورة وهما: معركته ضد مناهضي عمل المرأة في بداية الستينيات، ومعركته ضد وزير العدل والمدعي الاشتراكي والتي انتهت بانتصاره وفصل المنصبين الخطيرين عن بعضهما‏.‏ ‏ كان صلاح جاهين وسيظل هو أول من طور فكر المدرسة الكاريكاتورية بأن جعل للرسم دوره المؤثر إلى جانب التعليق إن لم يكن أهم منه أحياناً بعد أن كان فهم النكتة يعتمد على التعليق»‏.‏ وتابع حسن‏:‏ «كانت لصلاح جاهين روح ساخرة لم يتمتع بها أحد إلى جانب إبداعه في هذا الفن وتوجيهاته التي دفعتنا جميعاً للتفكير في الكاريكاتير الاجتماعي والسياسي فأصبح لكل منا طريقته في التفكير إلى جانب أنه كان من أوائل الرواد في هذا الفن الذين رسموا تعبير الوجه بالريشة‏، ‏ وحتى لو كان على مساحة صغيرة فبدت صورة الوجه بطبيعتها ليدرك القارئ هذا». لا ميثاق معلن أما فنانة الكاريكاتير المصرية الشابة دعاء العدل (جريدة المصري اليوم)، فترى أن هناك ندرة في رسامات الكاريكاتير على مستوى العالم، وأن وجود تيار نسائي صاحب مدرسة مميزة في فن الكاريكاتير، هو مسألة وقت. وتابعت العدل: «ساعدني دخول عالم الكاريكاتير الفنان عمرو سليم ونشر لي أعمالي في جريدة الدستور، ووقتها كان بعض الزملاء يعتقدون أن ممارستي للرسم هي على سبيل التجريب وأنني سأتوقف بعد فترة. لكن ما حدث أنني لم أتوقف مما جعلهم يتراجعون عن هذه الفكرة وأصبح بيننا علاقة إنسانية جيدة، والآن هناك عدد من الفنانات المميزات، لكن نحتاج المزيد من الدعم والجهد والعمل، لكي يكون لدينا تيار نسائي صاحب مدرسة مميزة في فن الكاريكاتير، وهذا سيحدث عندما يكون لدينا العديد من الرسامات اللاتي يملكن جمهوراً كبيراً يتابع أعمالهن، وأعتقد أنها مسألة وقت». وعن أبرز الاختلافات بين رؤية فنان وفنانة، وانعكاس ذلك على عملهما في مجال الكاريكاتير، قالت العدل: «أبناء جيلي أراهم يمتلكون رؤية تنويرية أكثر، اهتمامهم بقضايا المرأة أعمق، وهذا شكّل فارقاً عن الأجيال السابقة، التي كانت ترسم المرأة كمجرد جسد، وقدموها بشكل دوني، كشخصية سونيا التي تحب رجلاً عجوزاً من أجل ماله وكانت تنشر في أخبار اليوم. أي أنه كان هناك تكريس أن المرأة مجرد جسد ليس لها رأي في السياسة، أو يصورها على أنها امرأة دميمة أو حماة شريرة فلا أحد يقترب من مشاكلها الحقيقية. وأشارت العدل إلى أنه ليس هناك ميثاق معلن للكاريكاتير، ففنان الكاريكاتير لا بد أن يكون من النزاهة، بحيث إنه لا يستخدم الكاريكاتير لمصالحه الشخصية، بل يتعين عليه أن يرسم ما يتوافق مع ضميره والشأن العام، فيرسم عن المهشمين، ارتفاع الأسعار، الكهرباء وغيرها من الأمور التي تهم المواطن بشكل عام. فضمير الرسام هو الميثاق الشخصي له، وبالنسبة للمنع لا أذكر أن منع لي رسم، ولا أعتقد أن المؤسسات الصحافية تقوم بمنع أي عمل وذلك لأن وسائل التواصل الاجتماعي سهلت من حرية النشر». وأضافت العدل: «الكاريكاتير حالياً يمر بفترة من أصعب فتراته وهذا يرجع لأن المصريين حالياً ليسوا جبهة واحدة، فأنت حين تنتقد الإخوان تكون في جانب السلطة، وحين تنتقد السلطة تصنف أنك مع الإخوان. هذه التصنيفات تجعل الرسام في حيرة من أمره، وتدفعه باتجاه أن يقوم بممارسة رقابة ذاتية على أعماله، وهذا خطر يدمر الفنان أكثر من رقابة السلطة، لذا لكي يحافظ على مصداقيته عليه أن يرسم فقط ما يؤمن به». لسان حال الشعوب الفنان محمد عبد اللطيف، صحفي ورسام الكاريكاتير بجريدة باليوم السابع، يقول: «الكاريكاتير هو فن انفعال الإنسان بكل ما يدور حوله باعتباره جزءاً من مجتمعه بكل مشكلاته وتعقيداته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وهو فن جموح الخيال والسخرية نحو واقع مؤلم.. وهو بالأساس فن تحريضي لتغيير المجتمعات للأفضل وكبسولة مركزة لأفكار دسمة غلافها السخرية التي هي بالأساس فلسفة لدى شعوب كثيرة على رأسها وفى المقدمة الشعب المصري?». وفنان الكاريكاتير هو بالأساس صاحب موقف اجتماعي يبني عليه أعماله ومنحاز دائماً اجتماعياً لذلك نراه مثقفاً وقارئاً جيداً لكل العلوم الإنسانية من تاريخ وأدب وفن. من علامات قوة الجريدة ويقول الفنان هاني شمس رسام الكاريكاتير (جريدة أخبار اليوم): دور الكاريكاتير في المجتمع هو التنبيه والإشارة إلى وجود ظواهر سلبية، وذلك عن طريق إلقاء الضوء عليها وفضحها بشكل ساخر، ربما لا يضع حلولاً لذلك، فهو ليس دور الفن عموماً لكنه يرصد الظواهر السلبية ويحللها ويوجه أصابع الاتهام وينتقد المخطئين من وجهة نظر الرسام طبعاً. هناك دور آخر للكاريكاتير في تحديد توجهات المواطن العادي الذي ربما لجأ لرسام كاريكاتير يتابعه على مدى سنوات ونشأت بينه وبين القارئ أواصر ثقة ليحدد من خلاله توجهاته عندما يلتبس عليه الأمر في كثير من الأحيان والمواقف. وأكد شمس على أن الدور الذي يلعبه الكاريكاتير السياسي في الثقافة الشعبية ورؤية الأحداث الجارية في العالم العربي أكثر أهمية من الدور الذي يلعبه في الغرب». وأضاف: «الكاريكاتير ولد من رحم الصحافة ويعتبر رسام الكاريكاتير جريدته بمثابة معرضه الدائم الذي يطل من خلاله على القارئ يومياً أو أسبوعياً. ورغم أن الكثيرين حاولوا التأريخ للكاريكاتير بوجوده مواكباً لفكره الطباعة فإن وجود الكاريكاتير ضمن جرائد أو مجلات مطبوعة كان الأكثر فاعلية وتأثيراً ونمواً، وتعتبر مساحة الكاريكاتير داخل الصحيفة ضمن مساحات الرأي وثبات هذه المادة في مساحات بعينها يعتبر من علامات قوة الجريدة. سخرية فرعونية جذور فن الكاريكاتير إلى عصر الفراعنة، حيث كان الرسام الفرعوني يقوم باستخدام الرموز البسيطة ورسومات الحيوانات في التعبير عن رأيه، فعلى إحدى الأوستراكا (اللقى) القديمة نرى رسماً كروكيًّا يصور حالة صراع بين القطط والفئران حيث يدور ملك الفئران على عجلة حربية تقودها كلبتان ويهجم على حصن تحرسه القطط، وبالتأكيد لم يكن هذا التصور من فراغ، فلابد أن هناك أحداثا هامة استطاعت أن تحرك إبداع الفنان ليجسد هذه الحالة المعبرة في مضمونها عن خلل أصاب الكون فجعل صغار الشأن قد يجرأون ويحاربون من هم أقوى منهم. فكاهة قبطية وجد فن الكاريكاتير أيضا في العصر القبطي، ويتجلى ذلك بوضوح على جدران إحدى الأديرة القديمة في مصر العليا، حيث نجد صورة لثلاثة فئران تطلب العفو من القط الجالس في حالة غطرسة واضحة، أما في العصر الفاطمي فنجد أيضا ظهور الرسومات الكاريكاتورية من خلال إحدى المخطوطات التي تصور قردا يمتطى عنزة ممسكاً عكازا في يده اليسرى، ولكن الملاحظ بالنسبة لهذا العصر حدوث تراجع للرسومات الساخرة، حيث اتسم أكثر بشيوع روح الفكاهة في الشعر. ناجي العلي.. محمود عبد الله (أبوظبي) ما زالت الأوساط الثقافية العربية تحتفي بالذكرى الثامنة والعشرين لرحيل رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي سليم حسين العلي الذي اغتيل في 29 أغسطس 1987، مبتكر «حنظلة» الأيقونة الأكثر شهرة في عالم الكاريكاتير السياسي، والذي كان بمثابة توقيع العلي على أكثر من 40 ألف رسمة مواكبة للمتغيرات في المشهد العربي والعالمي، ساهمت في توجيه الرأي العام نحو قضية شعب فلسطين التي وضعها على خارطة العالم من خلال رسوم تتمتع بمضامين ذات أفق قومي كوني إنساني، لوحات ما زالت صالحة للنشر والتعليق حتى اليوم عبر مدرسة تؤسس للغة الجرافيكية غير اللفظية، أثّرت بما يكفي في ذاكرة الوعي الفلسطيني. فبعد كل هذه السنوات ما زالت أعمال ناجي العلي ، تشكّل مدرسة في فن الكاريكاتير السياسي والانساني، كونها تحمل قدرا كبيرا من الشفافية والاستشرافية وقراءة الواقع بصدق وخيال خلاّق، ضمن منظومة تركز على «الأخلاق» و «الفكر المستنير»، في إطار لوحه تقوم على الانتقاد اللاذع، والتعبير النثري الذي لا يخلو من الوجع المرتبط بالأزمات السياسية التي مر بها الوطن العربي، والتأكيد على هموم الانسان العربي عموما، والفلسطيني بوجه خاص، فكان صدق الانتماء هويته، والايمان بقضيته جواز مرور إلى العالم، وربما لهذا استهدفت ريشته، لأنه كان الظاهرة الأكثر سخونة وإرباكا في فن الكاريكاتير العربي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©