فريد حياة
محلل سياسي أميركي
قال لي «توم داشل» زعيم الأغلبية السابق في مجلس الشيوخ الأميركي «عندما بدأنا هذا منذ 18 شهراً.... تخيلنا أنه قد يتمخض عن صفقة كبيرة». وضحك السيناتور «الديمقراطي» السابق بأسى كما فعل رفاقه. وكان «داشل» يزور «واشنطن بوست» الأسبوع الماضي مع «الجمهوري» بيل فريست، وهو وزعيم أغلبية سابق أيضاً في الكونجرس؛ والسيناتور السابق «بيت دومينيتشي» رئيس لجنة الميزانية لفترة طويلة؛ و»أليس ريفلين»، المدير السابق لمكتب الميزانية في الكونجرس. والآن اتضح أنه كان من السذاجة الشديدة أنهم زعموا أن واشنطن ستخرج بحل معقول يُرضي الحزبين للتحدي المالي طويل الأمد. وأشار «داشل» إلى أنه في العام والنصف هذا، صاغ المسؤولون السابقون الأربعة، بإشراف من مركز السياسة الحزبية، خطة لتحسين الرعاية الصحية الأميركية مع السيطرة على الإنفاق. لكن لم يعد لديهم أية أوهام بأنها قد تصبح عنصراً من مسعى أكبر لزيادة العائد والسيطرة على برامج المخصصات- للسيطرة على الدين الفيدرالي.
وسألتهم عن سبب أن التوصل إلى صفقة كبيرة يبدو حالياً بعيد المنال، فقد جاء أوباما إلى المنصب قبل خمسة أعوام بناء على وعود بأن يتخذ قرارات صعبة – فلن يرجئ شيئاً، ولن يترك برامج المخصصات – وخاصة «ميديكير» والتأمين الاجتماعي- أن تبتلع بقية الميزانية. واستولى «الجمهوريون» على مجلس النواب عام 2010 ووعدوا بحقبة جديدة من المسؤولية المالية. ويفهم الجانبان أن الفشل في إصلاح برامج المخصصات سيضمن تدفق المزيد والمزيد من الأموال إلى السكان العجائز الذين يتزايد عددهم، بينما مخصصات المستقبل- التعليم والبحث العلمي والبنية التحتية ستفتقر بشدة للتمويل. لكن في هذا الخريف، تتحرك واشنطن صوب أزمتها التالية التي صنعتها لنفسها في جو من التشاؤم لا يمكن التخفف منه. وأصلح أوباما المخصصات في ميزانيته المقترحة قليلاً لكنه نادراً ما ذكر ذلك. وفقد ما يفترض أنهم صقور ماليون في الحزب «الجمهوري» الاهتمام بالموضوع فيما يبدو.
وقدمت «ريفلين»، الشخصية غير السياسية الوحيدة بين الأربعة، أقل التفسيرات سياسية. فقد قالت إن النمو البطيء في كلفة الرعاية الصحية والتقلص في الميزانية الاتحادية خفف الضغط. وأضافت «للأسف نقلص العجز بأسوأ الطرق الممكنة». وينخفض الإنفاق التقديري (على الساحات العامة والبحث في مجال الصحة وتقديم الوجبات إلى العجائز في المنازل وتطبيق القانون وكل شيء آخر عبر الرعاية الصحية والمعاشات) بسرعة شديدة. بينما الإنفاق على الرعاية الصحية رغم بعض الاعتدال في نموه مازال يتضخم بشكل خطير.
كانت إجابة دومينيتشي أبسط، فقال «الرئيس لا يريد فيما يبدو أن يحقق شيئاً مهماً كهذا». ووافقه «فريست» رفيقه «الجمهوري» قائلاً «اعتقد أن الأمر يحتاج إلى قيادة رئاسية». وأجاب داشل «الرئيس لا يريد التفاوض مع نفسه».
وقد تقول، حسناً، إنها مسألة حزبية حتى في المركز الذي يجمع بين الحزبين.
وهنا مربط الفرس، فـ«داشل» الديمقراطي و«فريست» الجمهوري حزبيان، لكن على مدار الشهور الثمانية عشر الماضية استطاعا أن يجلسا سوياً ويفحصا الأدلة ويقيما المقترحات المتنافسة، ويعملا مع فريق من المعسكرين ويخرجا بخطة ذكية موحدة للتحكم في كلفة الرعاية الصحية. إنها خطة تتجاوز الأيدولوجية وصخب الكلام. وتوفر خارطة طريق لبرنامج الرعاية الصحية «ميديكير» لإحلال نهجه الحالي الذي يشجع على الإسراف في الإنفاق برد الأموال إلى الأطباء والمستشفيات، عملية بعملية، بخطة أخرى تقدم حوافز للمتخصصين كي يبقوا مرضاهم أصحاء.
وليس من الصحيح القول إن عبارة «الرسوم مقابل الخدمة» قد عفا عليها الزمن. لكن الرباعي وضع آليات في برنامج ميديكير وسياسة للضرائب تحفز على إحداث تغيير وتحدد عوامل الحفز السياسية التي يمكن استخدامها.
واعترف «داشل» أن «قدراً هائلاً من العناد المؤسسي» يعترض السبيل.
ويناسب هذا الطرح الفلسفة السائدة في واشنطن التي أصبحت ترجئ معظم الموضوعات حتى الانتخابات المقبلة. ويسمح الإرجاء للسياسيين بتفادي اتخاذ قرارات صعبة ويضمن أن يكون الإصلاح المالي أكثر إيلاما حين يطبق في نهاية المطاف. وفي الحقيقة، فالولايات المتحدة منقسمة بالتساوي، فإذا فاز أحد الحزبين بميزة مؤقتة في اثنين من الفرعين المنتخبين، فإن أي حل أحادي الجانب يتخذه لن يصمد طويلا. والوهم الأكثر خطورة من هذا، هو أن حل أحد الجانبين جيد وأن حل الجانب الآخر سيئ، وأن التوصل إلى حل وسط إذا كان ضروريا فهو مؤسف في حد ذاته. تقدم خطة الرباعي للرعاية الصحية تفنيداً مفيداً. وقال فريست «الحزبية لا تعني بالضرورة تخفيف المواقف. إنها في الحقيقة جدل أفكار وعلى المرء أن يحاول أن ينتزع الأفضل من الجانبين». قد يكون هذا وصفة لإصلاح ما هو أكثر من نظام الرعاية الصحية.
ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
عدد اليوم
