الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المصالح الهندية في بورما: أولوية تسبق الديمقراطية

10 ديسمبر 2010 20:02
خلال زيارته القريبة للهند، أشاد أوباما بتبني الهند للنهج الديمقراطي. لكنه وفي الوقت ذاته انتقد الهند على حسن علاقاتها مع الطغمة العسكرية الحاكمة في بورما. وفي سياق ذلك الانتقاد خاطب أوباما المشرعين الهنود قائلاً: "مع تزايد السلطة والنفوذ يجب أن يزداد الشعور بمسؤولية الجهر بالرأي في قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية. وبصفتنا أكبر ديمقراطيتين عالميتين -أميركا والهند-فإن علينا ألا ننسى مطلقاً أن قيمة حريتنا هي أن ندافع عن حريات الآخرين بذات القدر. والهنود يدركون هذه الحقيقة جيداً لأنها قصة أمتهم". ولكن لم يرق ذلك الحديث للكثير من الهنود. وأشار بعضهم إلى أن "قصة أمتهم" وعلاقتها بجارتها الشرقية -بورما- هي قصة شكلتها ذات الظروف الجيوبوليتيكية التي أتت بأوباما إلى الهند، أي الخوف من تزايد النفوذ الصيني على القارة الآسيوية. عليه وكلما سعت بكين إلى توسيع نفوذها في بورما، كلما تعين على نيودلهي الانخراط في علاقاتها مع بورما، بصرف النظر عن طبيعة النظام الحاكم فيها. كما تتطلع الهند إلى الحصول على نصيب معقول من موارد الطاقة في بورما، فضلاً عن سعيها إلى تأمين خطها الحدودي المشترك مع بورما من الناحية الشمالية الشرقية للهند، وهو خط خارج عن القانون ويمتد لمسافة تقارب الألف ميل، وتنشط فيه جماعات إثنية هندية متمردة، ظلت تشن عملياتها المسلحة منذ عدة عقود على كلا جانبي الشريط الحدودي. ويقول المحللون الأمنيون إن بورما بادرت خلال السنوات الأخيرة الماضية برفع مستوى تعاونها الأمني مع نيودلهي ضد هذه الجماعات المتمردة المسلحة. وتفسر هذه الظروف ردة فعل نيودلهي الصامتة إزاء إطلاق سراح "سو كي" زعيمة المعارضة الداعية إلى التحول الديمقراطي في بورما في الثالث عشر من شهر نوفمبر المنصرم، علماً بأنها حازت على تأييد أوباما وعدد من القادة الغربيين لمواقفها الشجاعة المناهضة للديكتاتورية العسكرية في بلادها. وبينما انتقد هؤلاء القادة الغربيون الانتخابات الأخيرة التي جرت في بورما، واصفين إياها بالمزيفة وغير النزيهة، يلاحظ وقوف الهند إلى جانب الدول الآسيوية الأخرى التي رحبت بنتائج الانتخابات المعلنة باعتبارها تمثل خطوة للأمام نحو التحول الديمقراطي في ميانمار. وهكذا تتخذ نيودلهي من المواقف والسياسات ما يجنبها توجيه الانتقادات المباشرة للطغمة العسكرية الحاكمة في رانجون. وضمن علاقات التبادل الجارية بين البلدين، كان الزعيم البورمي، الجنرال "ثان شو" في زيارة رسمية إلى نيودلهي في شهر يوليو المنصرم. هذا ويمثل موقف نيودلهي من إطلاق سراح "سو كي"، تحولاً بمعدل 180 درجة من موقف الهند السابق من قضية التحول الديمقراطي في ميانمار. فحتى بدايات عقد التسعينيات، كانت نيودلهي تؤيد علناً حركة المعارضة التي تتزعمها "سو كي"، التي تلقت تعليمها الجامعي في الهند، واستلهمت فيما بعد مبادئ المهاتما غاندي، القائمة على مقاومة اللاعنف. بيد أن القادة الهنود تخوفوا فيما بعد من أن تنقطع علاقات بلادهم تماماً مع بورما، وهو ما يترك المجال مفتوحاً أمام المزيد من توسع النفوذ الصيني هناك، إضافة إلى تزايد مطامع دول أخرى من شرقي آسيا في بورما. وتثير هذه النزعة العملية الواقعية التي تحكم علاقات نيودلهي ورانجون حرج الكثير من المثقفين الهنود المتعاطفين مع المقاومة التي تقودها سو كي، ويطالبون بضرورة أن تتّبع بلادهم سياسات خارجية قائمة على المبادئ، وتليق بمواقف وصورة أكبر ديمقراطية في العالم. كما استشعر المثقفون الهنود ذعراً حقيقياً من صمت بلادهم على قمع بورما لحركة الاحتجاجات التي قادها الكهنة البوذيون ضد ارتفاع أسعار الوقود عام 2007. ولا تزال صور ذلك القمع حاضرة في أذهان الكثيرين في الهند، مهد الديانة البوذية. وعلى حد قول "سوميت جانجولي" -أستاذ العلوم السياسية بجامعة إنديانا، وزميل زائر بمعهد الدراسات والتحليلات الدفاعية في نيودلهي- فإن تلك الانتقادات العلنية التي وجهها أوباما إلى القادة الهنود -بسبب استمرار علاقاتهم مع الطغمة العسكرية الحاكمة في رانجون- لم تلق لها صدى في آذان المثاليين. والسبب هو أن أوباما قد وجه انتقاداته تلك داخل البرلمان الهندي. وعليه فقد كانت نتائجها عكسية تماماً، وكانت مثيرة للجدل والخلاف بين المشرعين الهنود. وبالإضافة إلى ذلك، يبدي الساسة الهنود تذمراً من المساعدات الأميركية الكبيرة للجارة إسلام آباد -التي تمثل نداً نووياً لبلادهم- وكذلك المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن لعدد من النظم القمعية في مختلف أنحاء العالم، بما فيها بعض الدول العربية التي تصدر نسختها المتطرفة من الإسلام إلى جنوب آسيا. ويستنتج الساسة الهنود من نظرتهم لهذه السياسات الأميركية أنه وبقدر ما تعطي واشنطن أولوية لمصالحها الأمنية على أي أولوية أخرى -حتى وإن تضمّن ذلك تقديم المساعدات للنظم القمعية- فإن على نيودلهي أن تقدم مصالحها الأمنية وتضع جانباً خلافاتها مع النظام العسكري الحاكم في بورما، وتمضي في تعزيز علاقاتها مع جارتها الآسيوية التي يربطها بها شريط حدودي مشترك معها. تلك هي وجهة النظر التي عبّر عنها الكاتب "شاشي ثارور" -دبلوماسي ومشرع قانوني هندي سابقاً- في مقال نشرته إحدى الصحف الهندية مؤخراً بقوله: "ليس في وسع أحد توجيه اللوم إلى الحكومة الهندية بسبب تقديم مصالح الأمن الوطني الهندي في بورما، على مساندتها لقضية التحول الديمقراطي في رانجون". وكما سبق القول فإن هذه المصالح الأمنية تشمل تعزيز التعاون بين نيودلهي ورانجون في مجال مكافحة النشاط الانفصالي الذي تقوم به الجماعات الإثنية المتمردة على نيودلهي في شمال شرقي الهند. لكنها وفوق ذلك تشمل دون شك سعي الهند إلى كبح جماح توسع النفوذ الصيني الاستراتيجي في بورما والقارة الآسيوية عموماً. فهذه مصالح وأهداف لا يمكن أن يتقدمها هدف مساندة التحول الديمقراطي في ميانمار، وهو ما تطالب به واشنطن نيودلهي. سايمون مونتليك - نيودلهي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©