الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تمجيد الرجل المتعالي

تمجيد الرجل المتعالي
11 سبتمبر 2013 20:47
حرصت وفاء العميمي في روايتها الأولى “راعي غوالي” على أن يتم إخراجه بشكل جميل، كما أنها اهتمت بتقسيم الرواية زمانياً ورقمياً، تماماً كما في اليوميات. وبواسطة هذه الآلية تمكنا من معرفة السياق الزمني لأحداث الرواية التي بدأت في عام 1999 حتى منتصف عام 2009، ولكن هذا الحرص على وضع التاريخ في بداية كل مقطع أو فصل من الرواية جعلنا نلاحظ وجود فترات زمنية متباعدة جداً بين بعض الأحداث، وبالتالي تساؤل كبير وسط هذه الفجوة الزمنية ماذا حدث للبطلة “أماني”؟ التي كانت كريمة في سردها لقصتها. على سبيل المثال يونيو 1999 قصة زواج وانفصال، ثم جاء يناير 2000 لتسرد الروائية حدثاً في صفحتين، ثم تنتقل إلى مارس 2004 كمرحلة جديدة، وخلال هذه السنوات لا يوجد أي حدث يمكن سرده (2001، 2002، 2003). استمرت أحداث الرواية وفق تسلسل زمني غير منتظم، حيث نجد في عام 2005 قصتين، أما عام 2006 فلا يوجد خلاله أي حدث يمكن أن يتم سرده، وعام 2007 قصتين، أما عام 2008 فحدث واحد، ويأتي التكثيف في عام 2009، حيث جاءت أربعة أحداث متكاملة وضعت ملامح الرواية النهائية، وجهزت خلالها المؤلفة السياقات لتنهي روايتها، والتي أرادت أن تكون خاتمتها مفتوحة، فلا أماني عادت لزوجها بطي ولا هي قررت الانفصال النهائي. والمدهش أن الروائية طلبت في الأسطر الأخيرة من القارئ أن يعطي رأيه هل تعود أماني لبطي أم لا؟ تقول: “لو كنتم مكاني ماذا ستفعلون؟ وماذا ستشيرون على؟ هل ستطلبون مني أن أعود إلى إنسان أحبه حباً لا يعلم مقداره سوى الخالق؟ أم ستطلبون مني تركه ونسيانه؟ أم ستشيرون على بالتمهل وعدم التسرع قبل اتخاذ أي قرار؟”. إنها نهاية غريبة، بسبب الميل الواضح في أن تعود البطلة إلى ذلك الزوج الغامض وأيضا الجاحد، ما يعني أن السرد كله جاء من أجل هذه النهاية، التي تطلب فيه المؤلفة من القارئ رأيه. تتبدى غرابة النهلية أيضاً في ظل تلك الصورة التي عكستها المؤلفة عن الزوج المتعالي، الغامض، الذي شتم زوجته واتهمها في شرفها، وذكّرها أكثر من مرة بأن إخوتها هم من عرضوها للزواج عليه، بل وجاحد لجميلها ووقفتها معه في المستشفى.. ثم تأتي وتقول: إنها تحبه حباً عظيماً، وتسأل القارئ أن يشير عليها هل تعود له أم تتريث أم تتركه؟ لا شك أن ذلك هو خلل بالغ ظلم فيه الحب، وأيضا قللت من مكانة المرأة وأعلت من مكانة رجل لا قيمة للمشاعر النبيلة واحترام رفيقة الدرب والعشرة له. يضاف إلى ذلك أن وفاء العميمي حرصت على التأكيد في البداية بأن هذه الرواية ليست سيرة ذاتية وجميع الأحداث والأسماء من محض الخيال.. وهذا التبرؤ غير مبرر، خاصة أن القصة لم يكن فيها شيء غريب أو غير اعتيادي، فمثل هذه القصة تقع أحداثها بطرق مختلفة يوميا في عالمنا الخليجي بل العربي والعالم بأسره.. لكن الروائية كانت مسكونة في داخلها بالهروب من أن تصنف روايتها كسيرة ذاتية أو يوميات لامرأة ما.. ومن العيوب النسقية التي اعترت الرواية هو ضعف السبب الذي جعل مجموعة من النسوة يرسلن صورة بطلة الرواية أماني لزوجها بطي، تلك الصورة التي التقطت لها قديماً وهي برفقة ابن خالتها خلال فترة الخطبة، والتي تسببت في طلاقها من بطي وظلمه لها واتهامها بأنها خائنة وامرأة لها سوابق و.. و.. أيضا لم تتمكن الروائية من إحكام حجة قوية لسر بطي وخلافه مع زوجته أم حمدان، والتي انفصل عنها وترك لها منزلاً كبيراً إكراماً لذكرى ابنه الذي توفى في حادث دراجة نارية والتي اشتراها له بسبب إصرار أم حمدان وهي التي كانت سبب وفاته، ثم إن أم حمدان اتهمت بطي بأنه هو من تسبب في وفاة ابنها، وطلبت الانفصال عنه، وبعد الانفصال يترك بطي المنزل لها، وهو الرجل الذي أظهرته الروائية بأنه بخيل ويمسك الفلوس، حتى إن حقيبة يد نسائية رفض شراءها لزوجته أماني بحجة أنها غالية الثمن.. ومن الأمور التي تحتاج إلى وقفة أيضاً مرض القولون الذي أصيبت به أماني وبشكل مفاجئ ليقوم زوجها القاسي الغامض بنقلها للعلاج في الهند.. وجزء كبير من أحداث الرواية تدور في الهند التي كانت مقصداً للعلاج، سواء لأبو أماني، أو لأماني نفسها.. وهناك أيضاً اكتشفت أماني أنها حامل.. نحن نتحدث عن رواية كتبت في عام 2009، ونهايتها حدثت في مركز علاجي في الهند، فهل يعقل لمرض قولون عصبي ألا يوجد علاج له في الوطن؟ ورغم أن “راعي غوالي” هو العمل الأول لمؤلفته وفاء العميمي، إلا أنه كان واضحاً قوة المفردة المستخدمة، وتمكن المؤلفة اللغوي، وأيضاً قوة الفكرة.. تمكنت العميمي في روايتها الأولى أن تصدح وتعبر وتعلن عن نفسها كروائية، هذا الإعلان الذي صدر منذ عام 2009 لم يتبعه إعلان ثانٍ حتى هذا اليوم.. تقول وفاء العميمي، عن روايتها: “إن “راعي غوالي”، رواية اجتماعية ذات لون مختلف. من وحي الخيال حتى حطت رحالها على أرض الواقع، لتخلق أجواء جميلة وممتعة. أبطال الرواية نماذج تحمل مشاعر النفس الإنسانية وإن تناقضت في بعض الأحيان! أماني وبطي تمكنا من السير معاً سنوات حتى وصلا إلى محطة قرر أحدهما فيها الانفصال عن الآخر دون أن يوضح له الأسباب”. وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع نظرتها لمنجزها، إلا أنه من الواضح سعي المؤلفة ورغبتها أن تكون روايتها أصيلة تحمل ملامح عن المجتمع الإماراتي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©