الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تجلّيات الرقّة والعظمة

تجلّيات الرقّة والعظمة
12 سبتمبر 2013 00:35
ثمة ظاهرة لافتة وبارزة، في معرض الصيد والفروسية 2013، الذي تحتضنه العاصمة أبوظبي، كحدث سنوي تقليدي، وهي استضافة مجموعة من التشكيليين على المستوى المحلي والعربي والعالمي، يعكسون بمجمل تجاربهم ومحاولاتهم، اتجاهات وأساليب فنية مختلفة مثل الواقعية والكلاسيكية والانطباعية وقليل من التجريدية والتعبيرية والرومانسية، لكي نتعرف على معطياتها الثقافية والتقنية والجمالية، ونهتم بهذه المسألة لأن مثل هذا التّجمّع الفني، الجاذب لفئات مختلفة من الجمهور، يقوم برصد ذاكرة المكان وروحه، من خلال دعمه للحركة الفنية، وتنميتة للذوق العام. لقد كان لهذا المعرض منذ انطلاقته، دور مهم في إثراء المشهد التشكيلي، ولو لفترة محدودة، حيث أصبح بالنسبة لعدد من الرسامين والمصورين والنحاتين والعاملين في حقل الجرافيك وبخاصة الشباب منهم، نافذة مشرعة على تجربة الإبداع دون قيود. في عملية مسح للأجنحة التشكيلية، التي استقطبها المعرض، كان لا بد من انتقائية، تتفق والعلاقة مع مضمون (الصيد والفروسية)، وكان توفيقاً أن نقع على مجموعة من الأجنحة، التي تكاد تتفق في وحدة الموضوع، ذات الصلة بتراث الإمارات بوجه خاص، والتراث الإانساني بوجه عام، وما له علاقة وثيقة بأجواء وفضاءات المعرض، وجمهوره. لقد كنا في الواقع في رحلة تشكيلية لها لونها ومذاقها الخاص، بسبب هذا التجمع النخبوي من الفنانين والفنانات من أقطار مختلفة، الذين أضافوا برؤاهم الفنية، مفردة جديدة، تنضم إلى بقية مفردات نجاح هذا الحدث الثقافي التراثي (معرض الصيد والفروسية)، الذي نجح في جذب وإصطياد أكثر من مائة وخمسين لوحة تشكيلية، حققت جانباً مهماً من قضية تعزيز مفهوم تطوير الذائقة التشكيلية لدى الجمهور العادي. إن هذا الحدث يسهم بشكل أو بآخر في تحقيق تجمع وملتقى تشكيلي سنوي يكشف لنا عن تجارب وثقافات جديدة في مجال التشكيل المعاصر، كذلك التقاء نخبة من أصحاب صالات العرض التشكيلي، وإدارة حوار غير واضح، لكنه يظل حواراً نافعاً، وأن هذا الحيز المكاني والجغرافي الذي احتلته أجنحة تشكيلية متنوعة القيمة والشكل التعبيري، هو مبعث اعتزاز للجميع. 20 لوحة لهدى الريامي تعكس وجوهاً ومشاهد من الإمارات: الماضي والحاضر هوية لونية تنتسب الفنانة التشكيلية الإماراتية هدى الريامي إلى جيل الشباب في الحركة التشكيلية الإماراتية، وقد بدأ حضورها الفني في المشهد الإبداعي المحلّي مطلع عام 1990، ونجحت من خلال جملة من المعارض الجماعية والخاصة على مستوى الدولة، أن تحقق لتجربتها موقعاً خاصاً وإضافة لافتة إلى الرسم المحلي المعاصر، وكان لافتاً ارتباط تجربتها بهذا المعرض، مما يشي بارتباطها بروح المكان، فأصبحت جزءا من تجربته وهويته. عرضت الريامي في جناحها عشرين لوحة، تنوعت في تشكيلاتها الجمالية. وتستفيد الريامي في عملها “القلعة البيضاء” (أو قصر الحصن)، الذي خصصت له لوحتين، تكامليتين في الشكل والمضمون، من تقنية فن تجسيد الكتلة، حيث نرى جمال القلعة في اللوحة الأولى من الزاوية الداخلية، فيما نرى الثانية من الزاوية الخارجية، وكلتاهما تبرزان جمال هذا المعلم التراثي، في قراءة بصرية أكثر صقلاً، وإبهارا، لما تآلف فيهما من عناصر التشكيل والتلوين والانسجام بين الكتل، والمنظور العام، حيث بدت لنا الريامي هادئة بألوانها الصحراوية، وهادئة في طريقة تعبيرها عن فكرة العمل الفني، كما بدت ريشتها الأنثوية متماسكة، من خلال تلك التشكيلات العفوية التي احتوت مجمل هيئة القلعة البيضاء التي تعيد للأذهان فترة تاريخية من حياة الإمارات من خلال أقدم بناء تاريخي في العاصمة أبوظبي منذ القرن السابع عشر. تفاصيل المعالم عند التشكيلية الشّابة، تعكس فلسفتها البسيطة عن ذاكرة المكان التاريخي والأثري في الإمارات. هي في الواقع بسيطة في كل شيء. وفي التطبيق نرى في لوحتها بعنوان “بوابة تراثية”، بوابة ضخمة، بما فيها من زخارف وألوان تعكس جمال فن النجارة الخشبية في مجتمع الإمارات، ما قبل طفرة النفط، بوابة تنفتح على فضاء صحراوي، يبدو في عمقه بناء جامع الشيخ زايد الكبير، في أبوظبي، بكل هيبته وجلاله ولونه الأبيض الناصع، ليعكس لنا طراز العمارة الإسلامية، وبخاصة تلك القباب الجميلة، وروعة ودقة التصميم، وربما تكمن أهمية مثل هذه اللوحة، في مهارة وموهبة الريامي، في جمع عالم من الألوان (البني، الأصفر، القشي، الأبيض، ولمسات من الأخضر الخفيف) التي التحمت في هارمونية دافئة لتحقيق معادلة الأصالة والمعاصرة، تغري بالإفادة من الكيفية الفنية التي تزاولها الريامي في هذه اللوحة، التي تنم عن قدرات فائقة في التشكيل والتصميم والتنفيذ المتقن الذي لا يخلو من الحس الشعبي بهوية المكان. كنوز التقاليد المحلية، المرتبطة إلى حد كبير بالنخلة، ما زالت رسّامتنا تنهل منها بذكاء، وفي بانوراما من ثلاث لوحات، تختطف مفردة (التمور)، كمادة لها أولا علاقة بقيمة النخلة في حياة المجتمع الإماراتي وتقاليده وتراثه، وأيضا كمادة تعكس ثقافة المجالس في الامارات، حيث لا يخلو مجلس محلّي من (الرطب ـ التمور) في أي فصل من فصول السنة. وفي تفاصيل اللوحة الأولى، ثمة عناصر تراثية عديدة، تشتمل على فنجان قهوة عربية، ومجموعة منتقاة من التمور. وفي اللوحة الثانية ثمة تكرار أكثر وضوحاً لمعنى ومحتوى البانوراما، وهنا صحن كبير مزركش بالنقوش الجميلة المعبّرة، ولمحات من التراث دون أن تكون فلكلورية، وقد امتلأ بالتمور، وتحيط به من كل جانب النباتات وأوراق الشجر. وتمثل اللوحة الثالثة رجوعاً موفقاً إلى التراث القروي والحضري، فهنا تتوزع التمور في حركة تشخيصية، داخل المندوس (صندوق خشبي قديم توضع به حاجيات العروس). وقد أشبعت الريامي هذه اللوحة بمفردات تراثية عديدة، مثل دلال القهوة، والأدوات الأخرى المستخدمة في إعدادها وتجهيزها. وربما يكون أهم ما في هذه الثلاثية غير إبراز غنى وثراء التراث المحلي، هو ذلك الاستخدام البديع للألوان الزيتية، حيث تبدو إيحاءات الملمس عن طريق اللون والمادة بكثير من الإيمائية والإشارية المشتعلة والمتدفقة. “رحلة ليوا”، هي العمل التشكيلي الأكثر إثارة في أعمال الريامي الصحراوية، بما فيها من آثار وبصمات جمالية، في تصوير قافلة الجمال، وهي تغذ الخطى ما بين ليوا وأبوظبي، وكيف تبدو حركة الجمال وهي تخترق رمال الصحراء الذهبية، بخليط بديع من ألوان الزيت والفحم، ولغة قلم الرصاص، واللوحة هنا ترسم حضور الأشياء، قافلة الجمال، بما تحمله على ظهورها من متاع وحطب ومستلزمات رحلة صحراوية، بكل محتواها من عناء وحداء، ومعان إنسانية وتراثية متعددة. وتوظف الريامي بمهارة عالية ألوانها الصحراوية وبخاصة الأصفر، حينما يمتزج بمسحات من البني الفاتح، وهي توحي للناظر بأنها تكاد تكون ساكنة في عمق الذاكرة، التي يتم الاشتغال عليها كثيراً بعمق إشعاعات اللون الأصفر حينما يمتزج بالأبيض الخفيف. وهذه الأسلوبية في الواقع تفصح عن جماليات وتقنيات بسيطة، لكنها تشي أيضا بجمال السهل الممتنع. لقد كانت الريامي من خلال هذه اللوحة، تؤكد لنا بأن الصحراء الإماراتية لم تكن يوماً خالية من الحياة، حتى في أقسى الظروف، هي ليست جافة وجامدة وقاسية، فها هي من خلال عمل فني تدب فيها الحياة، وتعيد لنا سيرة الأسلاف يوم أن كانت بوصلتهم الغريزة وبعضا من ضوء القمر. قدّمت هدى الريامي في جناحها رشقة أصيلة من اللوحات المتعمقة ذات الامتداد بالمكان الصحراوي، من خلال مجموعة من اللوحات التي يهتم موضوعها بالخيول العربية الأصيلة وأولها لوحة لأحد خيول سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، والفرس التي تصدرت اللوحة اسمها “نور الفجر”، بلونها الأبيض السّاحر، وهنا فضاء جمالي من اللون الأبيض الناصع، حيث تبدو أصالة التعبير، في تفاصيل وجه الفرس، وأذنيها وعنقها، بما يوحي بجماليات الخيل العربي الأصيل، وبخاصة تلك النظرة العفوية المتدفقة، وكان جميلا ذلك الهدوء اللوني، وحركة الفرشاة المتوازنة، التي أبرزت التكوين الجمالي للخيل وسط الصحراء، وكأن للرسامة الشّابة رؤيتها الخاصة من حيث حميمية اللون وتدفق الحركة، وهما في التقدير التشكيلي يشكّلان احتفالية خاصة من الجمال والبهاء وفلسفة التعبير باللون. وهنا أيضا ثمة لوحة تعيدنا إلى سنوات مشحونة بالحنين والذكريات، بما فيها من تاريخ عريق، واللوحة بمجملها تصور لنا المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، أمام قصر الحاكم، عام 1956. وفي التفاصيل يبدو لنا فقيد الوطن الكبير، في ذلك العام، يقف بثبات، وخلفية العمل التشكيلي، قصر الحصن، مرتدياً زيّه الوطني، مستلاً خنجره، بتلك النظرة الثاقبة، وداخل فضاء اللوحة التي رسمت بعناية ودقة شديدة، تطالعنا تفاصيل الصورة، التي تعكس تاريخاً مجيداً، كما تستوقفنا علامات ورموز ومفردات كثيرة، جسدتها مسحات لونية ممتزجة بمعان ودلالات إنسانية، تجعل من العمل الفني رمزاً، وحكاية قائد مستشرف، وأن قيمة هذه اللوحة في تقديري ليست في مضمونها فقط، وإنما في جماليات ألوانها الطبيعية، وحسن توظيف الأكريليك، بطريقة منتظمة، أسهمت بلا شك في بلاغة التأثيرات اللونية ودورها في إبراز عمق الشخصية، ومحتواها المعنوي والإنساني إلى حد كبير. ربما استكملت الرسامة هذا المعنى، في لوحة نوعية أسمتها “البيت المتوحد” وذلك تجسيداً لكلمات أطلقها في إحدى المناسبات سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، حول معنى وحدة المواطنين وتماسكهم وتكاتفهم، ونبذ الفرقة والتشتت، وقد ضمت اللوحة كلاً من الشيوخ الأشقاء أبناء الراحل الكبير الشيخ زايد، وهم في هذه اللوحة كل من الشيوخ: محمد، حمدان، هزاع، طحنون، وقد رسمت اللوحة بالزيت على (قماش الكانفاس)، وتبدو براعة الريامي في دقة رسم الوجوه، وجمع العناصر المتعددة في اللوحة في إطار عام من الوحدة والهارمونية، ليصلنا الموضوع في إطاره الواقعي ضمن منهجية كلاسيكية، تحفظ القيمة الاعتبارية لتلك الشخصيات المرسومة، وأن مخملية الألوان التي تعاملت معها بذكاء، وعمقها، وصقل ملمسها، يؤكد بشكل قاطع، تمرّس التشكيلية الريامي ودرايتها المتقدمة بالعناصر التشكيلية والمفردات الجمالية. رسمت الريامي لوحة تصور سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، مع واحدة من خيوله الجميلة، المعروفة بمشاركاتها المميزة في مسابقات جمال الخيل، وربما يكون أهم ما في مشهدية هذه اللوحة، هي تلك النظرة الحنونة الساحرة للفرسة الجميلة صوب مالكها، نظرة في الواقع تحتمل أكثر من تفسير، تتميز هذه اللوحة بإنطباعية بديعة، فهي لا تترك فرشاتها رهينة لهذه المدرسة، بل هي تضيف إليها لمسات ناعمة، كي تضفي على التشكيل العام إيقاعاً مرهفاً. أعمال الريامي كثيرة ومتنوعة، لكنها ملتصقة بصفة الموروث الشعبي، لكن ربما يكون أهم ما في تجربتها التشكيلية، هو إستخدامها الجميل واللطيف للون، فهي تطوعه لخدمة موضوعات اللوحات، وهي عادة ما تستخدم الألوان الدافئة بحرفية عالية، مع ميل شديد لتلوين لوحاتها باللون الأبيض الناصع، مع مسحات من الأصفر الذهبي، فتبدو اللوحة بمحتواها العام طازجة، وكأنها خرجت من فرن الألوان للتو. تجربة الريامي في النهاية، لا تخلو من العيوب، فقد نقلت مضمون لوحتين أو أكثر عن صور لمستشرقين، ومثل هذا الأمر، يسمح به عادة للرسامين الهواة، لمزيد من الصقل والتدريب، كما أن ذلك يقتل ويهمّش خيال الرسام المحترف، لكن ما يشفع لها، أشياء عديدة، منها قدرتها على المحافظة على وحدة الشكل في لوحاتها رغم تنوع المضامين، وأيضا تواصلها مع الحركة التشكيلية وعملية الرسم لسنوات طويلة، وما زال حضورها في الحراك التشكيلي متجدداً. «لطيفة آرت».. قلم الرصاص صديق وفيّ جناح “لطيفة آرت”، وهو للفنانة الإماراتية لطيفة التي تحبذ التعريف عن نفسها بهذا الاسم فقط، كان مختلفا، وجاذبا أيضا، فالرسم هنا مخصص لـ (البورتريه) أما وسيلة التعبير، فهي قلم الرصاص، ولا شيء غيره، سوى الخامات المستخدمة. وقد شاهدنا في هذا الجناح، نحو خمس وعشرين لوحة رسمتها الفنانة لطيفة، تجسد صورا لكافة اصحاب السمو الشيوخ في الدولة، وفي مقدمتهم مجموعة من اللوحات، لمقام صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة “حفظه الله”، وقد اهتمت كافة لوحات الجناح بجماليات الوجه الإنساني، الذي شغل الرسامين على مدار العصور والحضارات، وقد عبّر كثيرون عن الوجه الآدمي بطرق وأساليب مختلفة، ذات أبعاد تشكيلية وتعبيرية متنوعة، إلا أن الصورة الشخصية في العصر الحديث، قد لاقت اهتماما كبيرا، نتيجة لما فرضه هذا العصر من تطور في الرؤية والمفهوم والمضمون والتفسير، ولهذا كانت تفسيرات الرسامة لطيفة، منصبة على الأسلوب التجريبي، فقد أضفت على الوجوه ملامح تثري الجوانب الجمالية في الصور، وبخاصة اللوحة المجسدة لوجه المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” بما فيها من قوة وثبات وشفافية، أما بقية الوجوه في هذا الجناح، والتي يمثل أصحابها مراحل مختلفة، من الحياة الاجتماعية والسياسية في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهي تشكل في الواقع (يوميات معاشة)، وبذلك تحمل الرسومات إلى جانب الطابع الإنساني، بعدا تاريخيا، وجماليا، وتأريخيا، مضافا إلى كل ذلك الاستخدام الرشيق للقلم الرصاص، مما أوحى بطبيعية الصور من دون إخلال. بعض لوحات الجناح جاءت واقعية في التخطيط العام بقلم الرصاص، تجريدية في الملامح، من حيث التعبير والدلالات، والنظرات المرسومة على الوجوه، فالتقاسيم على وجوه الشخصيات واضحة، وتبدو وكأن الرسوم، صورا فوتوغرافية، وذلك لدقة تصميمها وتوزيع نسبها، في الواقع لقد كان الفحم و(قلم الرصاص) الصديق الوفي للفنانة لطيفة، نظرا لمهاراتها في توظيفه واستخدامه بدرجات مختلفة لتحقيق الغرض من رسم هذه الوجوه الرائعة. إن أهم ما في تجربة الفنانة التشكيلية الإماراتية لطيفة يتمركز في موضوع مزج الألوان في عملية واحدة، فهي تجمع بين الزيت والأكرليك والألوان المائية والرصاص في خليط واحد، لتضج لوحتها بعمق لوني أخاذ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©