الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إبادة جماعية

إبادة جماعية
16 سبتمبر 2011 01:31
اشتدت الخلافات وبلغت ذروتها بين «إبراهيم» وزوجته في ليلة عيد الفطر بسبب رفضه إعطاءها المال لشراء الكعك والبسكويت، فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير أو القنبلة التي انفجرت بعد نزع فتيل الأمان فالأحوال بينهما متوترة وليست بحاجة إلى أي إثارة من أي نوع والأبناء الخمسة في كل مرة يتدخلون بين الأب والأم مرة مع هذا وأخرى مع تلك، ولكن كثيراً ما ينحازون إلى الأم باعتبارها الطرف الأضعف والمظلومة في غالب الأحيان ويرون أنها لا تستحق قسوة الزوج الذي يتجنى عليها ويعاملها معاملة سيئة وهي التي تضحي من أجل الجميع. المهم كانت النهاية المؤلمة التي لم يتوقعها أحد رغم حدة الخلافات واستمرارها لسنوات طويلة تزيد عن الربع قرن وحدث أبغض الحلال وقام «إبراهيم» بتطليق زوجته وانقلبت فرحة العيد إلى هم وغم ونكد على الجميع حتى الجيران الذين لا يريدون لهذه الأسرة التشرد ولم يصدق أحد أن يصل بهم الحال إلى الانفصال بعد العشرة الطويلة، ولكن وقع «الفأس في الرأس» وقضي الأمر وما من مفر فلم يكن للعيد أي احتفال وأغلقوا أبوابهم عليهم منهم من أسعفته الدموع ليخفف بعضاً من أحزانه، ومنهم من عصت عليه فكانت أحزانه دفينة وأكثر إيلاماً. لم تترك «نادية» بيتها بعد هذه الفعلة التي سببت لها جرحاً غائراً في قلبها ومشاعرها وموقفها بين الناس، وجلست تراجع أحداث العشرة بينها وبين زوجها وقد رزقا خلال هذه السنين بهؤلاء الأبناء والبنات وتحملت معه مرارة الأيام التي كادت أن تكون خالية من أي حلاوة فهو شرطي راتبه محدود ويتغيب كثيراً عن المنزل بحكم عمله وتحملت هي المسؤولية الكاملة في تربية الأبناء وإدارة شؤون المنزل مع إمكاناته الضعيفة جداً، ولم تشتكي يوماً لأحد ولم تشعر أسرتها بأي نقص وان لم تكن تلبي لهم كل الاحتياجات ومع هذا تعترف بينها وبين نفسها أنها كانت أحياناً تفضفض ببعض الكلمات التي تعبر من خلالها عن تبرمها من ضيق ذات اليد وعجزها في بعض الأوقات عن إدارة البيت بالمبلغ الصغير الذي يتقاضاه، ولا تخفي أيضاً أنها قد تلجأ إلى الشكوى من هذه الظروف وأنه كان يحذرها من ذلك باعتباره من الأسرار المنزلية التي يجب ألا يطلع عليها أحد. في نفس الوقت كان «إبراهيم» يلوم نفسه على الإقدام على الطلاق الذي ستكون عاقبته وخيمة على الجميع خاصة وأن لديه أطفالاً صغاراً ما زالوا في مراحل التعليم، ويعترف بعد فوات الأوان أنه أخطأ خطأ جسيماً قد لا يستطيع إصلاحه ويسترجع هو الآخر ذكرياته مع زوجته، ولا ينكر أنها تحملت معه الحياة وظروفها القاسية، ولكنه يرى أنه يفعل كل ما في وسعه لتوفير لقمة العيش لأسرته وأنه يحرم نفسه من النوم ومن كل شيء لإسعادهم قدر المستطاع وأنه يرى كذلك أنها هي السبب في الوصول إلى هذه النتيجة لأنها زوجة نكدية مستفزة لا تشبع ولا تكف عن المطالب ولا تقنع بما بين يديها، ليس ذلك فقط وإنما جعلت أبناءه يتجرأون عليه وتشعره أمامهم بالنقص وأنه ليس مثل كل الرجال الذين يغرق أبناؤهم في الخيرات حتى أنهم صدقوا ذلك وانحازوا إليها وأصبحوا يرددون عباراتها بلا حياء مما جعله يضطر أحياناً للتعدي عليها وعليهم بالضرب. طلاق الزوجين لم يقلب فقط العيد إلى ما يشبه المأتم، بل أيضاً تسبب في كسر الفرحة في نفس الابن الأكبر الذي يعتمد على نفسه ويعمل في مهنة طلاء المنازل المعروفة بالنقاشة، والتي تدر عليه دخلاً جيداً استطاع من خلاله أن يشتري شقة صغيرة ويستعد للزواج بعد العيد بأيام معدودة، ولكن تأجل كل ذلك لأجل غير مسمى بسبب هذا الحدث الجلل وشعر الابن العريس بأحزان لا يمكن وصفها ولا يستطيع أن يعبر عنها بالكلمات وربما يكون زواجه مهدداً بالفشل التام ويكون مصير زيجته مثل زيجة أبيه وأمه، ولذلك كانت الأحزان مضاعفة وتأتي من كل جانب. تدخل أهل الخير وحاولوا إصلاح ذات البين وبذلوا قصارى جهدهم لإقناع «إبراهيم» بأن يرد زوجته إلى عصمته، خاصة وأن تلك هي الطلقة الأولى بينهما والأخذ في الاعتبار مصير الأسرة كلها والصغار وما هم مقبلون عليه من أفراح بمناسبة زواج ابنه، وبالطبع لا يرضيه أن يكون سبباً في تعاسة ابنه الأكبر وإن كان قد حاول أن يضع شروطاً أولها أن تكف زوجته عن تصرفاتها وإلا فإنه سيعود لتكرار فعلته، والزوجة من جانبها حاولت أن تسوق الدلال وتتمنع وتدعي رفضها العودة إليه لأنه لا يستحق تضحياتها الكثيرة من أجله وأجل أبنائه وبعد شد وجذب تمت المصالحة وعادت «نادية» إليه أو بالأحرى عاد هو إليها لأنه هو الذي غادر المنزل. انشغلت الأسرة في استكمال تجهيزات العرس، لكن النفوس رغم الندم السابق لم تكن صافية وما زال فيها شيء من عدم السماح والصفح وكل وأحد يتربص بالآخر، إلى أن حدث خلاف بين الأب وابنه العريس الذي يستعد لحفل عرسه في نهاية الأسبوع أي بعد ثلاثة أيام، وارتفعت الأصوات واحتد النقاش وانحازت الزوجة إلى ابنها لأنه يريد من أبيه أن يساعده ببعض المبالغ لشراء بعض الضروريات المتبقية، لكن الأب يرفض ويقول إنه لا يملك شيئاً فيتهمه الابن بالبخل ويتحول النقاش الحامي إلى مشهد مرفوض لا يقبله أحد مهما كانت الظروف، الابن يمسك بتلابيب أبيه ويتجمع الناس من حولهم حتى يصل الأمر إلى قيامه بصفعه على وجهه فشعر الأب بقمة المهانة والمذلة والتطاول واستنكر كما استنكر الجميع هذا التطاول الفج، إلا أنه لم يستطع الإمساك به ليرد له الصاع صاعين لأن الجيران الذين تجمعوا تمكنوا من تخليصهما وإنهاء التشابك، غير أن ما جعل الدماء تغلي في عروقه أكثر ويكاد يفقد صوابه أن زوجته ما زالت تساند ابنها بعد فعلته المهينة، وأيضاً انضم جميع أبنائه إليهما وكانوا جميعاً ضده وجعلوه المخطئ واجمعوا على أنه بخيل وجعلهم يعيشون في شظف، بينما يرى هو أنه لا ينفق المال إلا في موضعه وما فعل ذلك إلا من أجل مستقبلهم واستطاع باعتداله في الإنفاق أن يبني لهم منزلاً يأويهم، بينما هم يريدون أن ينفقوا الأموال على بطونهم ولا يقدرون معنى المسؤولية. ترك «إبراهيم» المنزل وتوجه إلى عمله ليبتعد عنهم وحتى ينام هناك رغم أنه ليس موعد العمل، ولكن لم يغمض له جفن ولم يتوقف عن التفكير وهو غير مصدق أن ابنه فلذة كبده يتجرأ ويرفع يده ويصفعه على وجهه على رؤوس الأشهاد، وهذا لم يحدث له من قبل من أي شخص كائنا من كان ويشعر بضغط دمه يرتفع في عروقه حتى يكاد رأسه أن ينفجر، ويزيد من ثورته موقف زوجته المؤلم وأبنائه الآخرين ويقوم فيشتري علبة سجائر رغم أنه غير مدخن ويشعل سيجارة تلو الأخرى عساه أن يخرج معها بعض النيران البركانية المتأججة داخله، لكنها لا تزيده إلا حرقة واحتراقاً ولا يعرف ماذا سيفعل أمام هذا الموقف غير المسبوق في حياته كلها. في الصباح تسلَّم سلاحه الميري لتبدأ «نوبتجيته» في العمل وهو ما زال في غضبته يسترجع الحدث في الدقيقة الواحدة عدة مرات، كأن الإعادة تتم بطريقة تلفزيونية وابنه يهوى على وجهه بالصفعة ومع كل إعادة يزداد ألمه ويفقد عقله، كما يفقد السيطرة على أعصابه أو فقدهما معا وتوجه إلى منزله وترك نوبة العمل المكلف بها. وهناك دخل بعد أن فتح الباب بالمفتاح الذي يحتفظ به دائماً ثم أغلقه على غير عادته وأعد سلاحه. كانت زوجته أول من قابله وهي ترى الشر في عينيه ولم يكن ذلك موعد عودته من العمل وأيضاً ليس من المسموح أن يأتي بسلاحه وإنما يجب أن يتركه هناك وقبل أن تنطق بكلمة واحده صوَّب نحوها فوهة بندقيته الآلية فأصابها بثلاث طلقات في رأسها كانت كفيلة بأن تودي بحياتها في الحال، ثم خرج ابنه العريس الذي طاوعته يده ليمدها إليه بالسوء، فكان نصيبه مثل أمه وتكرر ذلك مع ابنه وابنته الصغيرين فأرداهم جميعاً قتلى وخرج وقد تنفس الصعداء وشعر أنه انتصر في معركته بعد الإبادة الجماعية لأبنائه وزوجته الذين أهانوه ولم يجد لهم جزاء غير ذلك، ثم توجه إلى عمله في قسم الشرطة وسلَّم سلاحه وطلب من زميله أن يفتح له محضراً ليعترف فيه بالجريمة التي يؤكد أنه ليس نادماً عليها ولو عادوا إلى الحياة لعاد لقتلهم. لم ينج من الحادث إلا ابنته الوسطى التي أصبحت وحيدة وتدخل القدر في نجاتها لخروجها لشراء بعض احتياجات المنزل ،وها هي قد أصبحت وحيدة بعد أن فقدت الجميع بين أم وأخوة قتلى وأب سجين وترى أنها الضحية الكبرى التي ستتحمل المعاناة كلها.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©