الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العلماء يطالبون باستلهام دروس الهجرة النبوية لرفعة الأمة

العلماء يطالبون باستلهام دروس الهجرة النبوية لرفعة الأمة
9 ديسمبر 2010 20:14
أكد علماء الدين أن واقع الأمة الإسلامية بحاجة شديدة لتذكر وتطبيق دروس الهجرة النبوية الشريفة ونحن نحتفل بالعام الهجري الجديد. وإننا بحاجة إلى الوحدة الإسلامية بعد أن تمزقت وتفرقت أوصال الأمة وأن الرسول –صلى الله عليه وسلم– وضع أول وحدة وطنية في العالم وأول مواطنة تقوم على الأرض وأن الهجرة أضخم حدث في الإسلام وفي تاريخ البشرية. وأكد الشيخ محمود عاشور ـ وكيل الأزهر الأسبق ـ أن الهجرة أهم حدث في الإسلام بعد البعثة النبوية، وهي التي حولت مسار الدعوة الإسلامية التي انطلقت من المدينة المنورة إلى كل أنحاء الأرض فكانت إيذاناً بإقامة الدولة الإسلامية. وأوضح أن الهجرة ليست هروباً كما يدعي البعض ولكن كانت انطلاقا للدعوة من أرض قاحلة جرداء لا تثمر إلى أرض خصبة طيبة استطاعت أن تساعد الدعوة الإسلامية على الانتشار. قال عاشور: كانت الهجرة معلما بارزا من معالم توحيد الأمة الإسلامية والمواطنين، والرسول- صلى الله عليه وسلم- عندما وصل إلى المدينة أول شيء قام به بناء مسجد قباء «لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه.. فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين» لأن المسجد في عهد الرسول كان المؤسسة العامة التي تجمع الناس فهو جامع وجامعة ومدرسة ومحكمة ومقر للقيادة وكانت الجيوش الإسلامية الفاتحة تنطلق منه وتعود إليه، ثم قام رسول الله بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لتظل الأمة الإسلامية أمة واحدة فكان لابد للمهاجرين من سند ودعم والله سبحانه وتعالى وصف المهاجرين بأنهم لا يريدون غرضاً دنيوياً، ولكن هجرتهم لنصرة الدين والرسول فهي هجرة صادقة قال تعالى: «للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون» سورة «الحشر آية 8» ووصف الأنصار «والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون» «سورة الحشر آية 9». والأنصار قدموا أفضل ما عندهم للمهاجرين ليظلوا أخوة يربطهم الإيمان والدين والرسول، ولم يكتف الرسول بهذا بل وضع ميثاق المدينة ليوحد الدولة، بما فيها من يهود ونصارى ومشركين، فكان ميثاق المدينة مع اليهود لهم ما للمسلمين من حقوق وعليهم ما على المسلمين من واجبات، وبذلك ربط الدولة وهي أول وحدة وطنية في العالم وأول مواطنة تقوم على الأرض، وهذا يدل على عدم العنصرية والتعصب في الإسلام، وأن الإسلام يسع كل الأديان ولا يعادي أحداً ولا يقف ضد أحد طالما أنه مسالم. دروس وطالب الشيخ عاشور المسلمين بأن يستلهموا دروس الهجرة في عصرهم الحاضر وفي حياتهم لأنها دروس لا تفنى ولا تنتهي وقابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، خاصة أننا نحتاج إلى الوحدة الإسلامية وترابط الأمة الإسلامية بعد أن تفرقت وتمزقت أوصالها وأصبحت طوائف متخاصمة وطمع فيها أعداء الإسلام يفعلون فيها ما يشاءون، وأن ما فعله الرسول- صلى الله عليه وسلم - في الهجرة يجعلنا نجتمع على رأي سواء، خاصة أن هناك روابط تؤلف بين الأمة الإسلامية وقبلتهم واحدة ودستورهم واحد ونبيهم واحد وهدفهم واحد، ولذلك ينبغي أن نأخذ من الهجرة زاداً يعيننا على الوحدة ونلبي نداء الله «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون» سورة «الأنبياء آية 92»، ونحتاج إلى التعاون والتقارب وتطبيق ما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - «مثل المؤمنين في توادهم وترابطهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر». جودة التخطيط وأوضح الشيخ منصور الرفاعي عبيد ـ وكيل وزارة الأوقاف المصرية الأسبق ـ أنه لكي يستفيد المسلمون من الهجرة النبوية الشريفة فلابد أن يقرؤوا أحداثها بالتأني والتحليل والفهم، وأول ما يطالعنا في الدروس المستفادة من هذه الهجرة العظيمة هو التخطيط الجيد لأن التخطيط هو الأساس لنجاح أي عمل في أي مجال نريد أن نقوم به والرسول- صلى الله عليه وسلم- قدوتنا فنراه عندما أراد أن يهاجر إلى المدينة خطط ونظم وأسند إلى كل شخص عملاً معيناً وأمر كل شخص بأن يلتزم وينضبط وأن يكون صادقاً مع نفسه ومع الله عز وجل، وكان من تخطيطه أن كلف أبا بكر بإعداد الرواحل واختيار الدليل وغير ذلك مما تلزمه الرحلة، ثم أسند إلى السيدة أسماء إعداد الزاد في كل ليلة وأن تذهب به إلى غار ثور في لحظات غروب الشمس ليشملها الظلام حتى لا يراها أحد، ثم أسند عمل استطلاع الرأي ومعرفة أخبار ما يجري في ساحة مكة والأفكار التي تدور في أذهان الناس إلى عبد الله بن أبي بكر وأن يستوعبها بدقة وأن يقوم بنقلها إلى غار ثور الذي يختبئ فيه الحبيب وصديقه. وأضاف: عندما نشاهد هذا التخطيط نرى أن مجتمعنا المعاصر بحاجة إلى ضبط الأمور ووضع الكفاءات في أماكنها وعدم الميل بالهوى إلى الأقارب والأصدقاء وإبعاد الكفاءات عن مواضع القيادة، وهذا أعظم مثل نراه في التخطيط من صاحب الهجرة ورسول الإنسانية الذي لم يغفل عن شيء بسيط فوضع له نظاماً محكماً، فراعي الغنم الذي يقوم بتتبع آثار أقدام السيدة أسماء وعبد الله وهما ينقلان الزاد والأخبار إلى الرسول العظيم وصديقه في الغار ويدور حول الغار بغنمه يحلب ويسقي لم ينسه الرسول – صلى الله عليه وسلم – في تخطيطه ولهذا كان نجاح الهجرة لأنه - صلى الله عليه وسلم – استنفد جهده في التخطيط والتنظيم وإسناد الأمور إلى كفاءات في الضبط والربط والدقة والنظام، ولهذا كانت عناية الله عز وجل معه لأنه أخلص في تخطيطه وأتى بكل جديد ومبتكر فيه النفع لأي مجتمع إذا سار على التخطيط. وقال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أخذ هذا التخطيط من القرآن الكريم كما جاء في قصة سيدنا يوسف- عليه السلام - عندما استعمل يوسف هذا التخطيط لرفع شأن الأمة ورفع اقتصادها وأبعد عنها شبح المجاعة، حيث فسر رؤيا الملك وأسند إليه الملك التنفيذ فنجح، ولذلك نقول للمسلمين اليوم: لماذا لا تستفيدون من هدي نبيكم وقول ربكم وقد رأينا النجاح في مصر عام المجاعة، واجتازت مصر الأزمة الاقتصادية في عهد يوسف بفضل التخطيط واختيار الكفاءات ونجحت الأمة وأطعمت نفسها وجيرانها؟ وبهذا وضع نبينا العظيم هذا الأسلوب المبتكر غير المسبوق في التخطيط وإسناد الأمور إلى كفاءات أدت دوراً عظيماً ورائعاً. الأمانة وأوضح الشيخ منصور أن من الدروس المستفادة من الهجرة، الأمانة، فقد استعان الرسول- صلى الله عليه وسلم – في هجرته بعبد الله بن اريقط وهو كافر ولكنه كفاءة يتصف بالأمانة ولهذا لم يبع النبي وصاحبه بالمئة ناقة التي أعلنها المشركون لمن يدلي بمعلومات عن محمد وصاحبه وبالتالي فإن الأمين يكون سر نجاح الأمة لا يخون وطنه ولا يهمل في الأمانة ولا يتميع في الأداء ولا يبيع القضية بأي ثمن حتى ولو بمليء الأرض ذهبا، فكيف تنجح الأمة وينجح الوطن والكفاءات فيها مهملة؟ لكن حسبنا أن نذكر قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما أجاب على سؤال وجه إليه من أحد الأعراب وهو متى الساعة؟ فقال- صلى الله عليه وسلم -: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» قال السائل وكيف إضاعتها يا رسول الله قال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة». وبين الشيخ منصور أن الهجرة أضخم حدث في الإسلام وأعظم شيء حدث في تاريخ البشرية كلها ونجحت لأنه من بين التخطيط لها رد الأمانات التي كانت عند النبي العظيم إلى أصحابها، فالمشركون على الرغم من أنهم كانوا يعاندون النبي ولم يؤمنوا برسالته فإنهم كانوا يثقون بأمانته، لهذا عندما علم النبي أن القوم يتآمرون عليه وعنده أماناتهم الغالية وأشياؤهم الثمينة لم يذهله هذا الموقف واستدعى علياً بن أبي طالب وكلفه بأن ينام مكانه فإذا أشرقت شمس الصباح رد الودائع إلى أصحابها وبين له الأمانات. وتساءل الشيخ منصور عبيد: ألم يأخذ المشركون كل مال المسلمين وقاموا بمصادرة بيوتهم فلم لم يأخذ هذه الودائع وهي بعض مما أخذه المشركون؟ والإجابة أن الأمانة لا تتجزأ والأمين لا يخون حتى ولو خانه الناس جميعا فما بالك بالصادق الأمين الذي تنزلت عليه رسالة السماء وقالت له «وإنك لعلى خلق عظيم» سورة «القلم الآية 4» وقال الرسول – صلى الله عليه وسلم-: «أد الأمانة لمن أئتمنك ولا تخن من خانك». مشروع حضاري ويقول الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح ـ أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهرـ إن الدروس المستفادة من الهجرة كثيرة ومتعددة أهمها الاستعداد والإعداد لأن الرسول- صلى الله عليه وسلم - استعد للهجرة فأعطى أبا بكر الصديق رضي الله عنه حين أذن له بالهجرة ناقته ليدربها ويعلفها، وثانياً أن رسول الله استأجر عبد الله بن اريقط ليدلهما على الطريق وبالتالي يرشدهما إلى ما فيه فلاحهما ووصولهما إلى يثرب، والأمر الثالث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - طلب من أبي بكر وعائشة أن يكتما خبر الهجرة أي السرية الكاملة لأن الأمور لا ينبغي أن تذاع وتنشر، وهذه الأسباب ولا شك موصلة إلى السلامة إن شاء الله. ويستفاد أيضاً من دروس الهجرة أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يتأنى ويدرس الأمر بتؤدة فلم يخرج من الغار إلا بعد ثلاثة أيام بعد أن هدأت ثورة المشركين من قريش وتتبعهم له. وطالب الدكتور السايح المسلمين بأن يأخذوا من هذه الدروس نهجاً في حركة الحياة، خاصة أنها تعطي فلسفة تعد مشروعاً حضارياً يساعد الأمة الإسلامية في نهضتها المستقبلية إن شاء الله تعالى. التوعية المستدامة يوضح الدكتور أحمد السايح: نستفيد أيضاً من دروس الهجرة، التوعية المستدامة، لأن أمتنا أعطاها الله الوعي الثلاثي حيث قال تعالى: «والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون» سورة «النحل الآيتان 78، 79» هذا الوعي الثلاثي بالسمع والبصر والفؤاد ينبغي على الإنسان المؤمن أن يستخدمه في العمل والإنتاج وفي كل ما يفيد في حركة الحياة، ولذلك ينبغي على المسلمين أن يكونوا مسؤولين عن هذا الوعي وقال تعالى: «ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسـؤولا» سورة «الإسراء آية 36»، ومن هذه المسؤولية الأخذ بالأسباب ليكون مستقبلنا زاهراً، لأن الأمة الإسلامية عندما تركت العمل والوعي أصبحت متخلفة والله يقول: «وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا» سورة النور آية 55».
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©