الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

المنحنى جيه (2-2)

7 ديسمبر 2006 00:30
عرض - غادة سليم: لا شك أن ما يشهده العالم الآن من أزمات نووية وتوترات دولية وتهديدات أمنية قد فرض على المجتمع الدولي ضرورة التعامل مع المتغيرات برؤى جديدة أكثر مرونة وموضوعية· في محاولة للبحث عن صيغ جديدة مبتكرة للاستراتيجيات الدبلوماسية الدولية قبل أن ينفجر العالم أو ينزلق إلى حرب عالمية ثالثة· ولكن كيف يمكن أن تلتقي مصالح الدول العظمى مع دول العالم الأخرى دون أن تتصادم ؟· وكيف يمكن أن يشهد العالم سقوط أنظمة ونهوض أخرى دون أن يؤدي ذلك إلى اضطرابات سياسية وأزمات اقتصادية عالمية وكوارث إنسانية وانتعاش لحركة الجريمة الدولية ؟· هل يمكن للمجتمع الدولي التنبؤ المبكر بالوقت الذي ينقلب فيه استقرار الدول المنغلقة إلى فوضى عارمة أثناء سعيها للحصول على الحرية ؟· وكيف يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تتبع سياسة خارجية أكثر ذكاء ونضجا في تحقيق مصالحها الدولية وبناء مجتمعات أكثر انفتاحا وديناميكية دون أن تسير وهي تحمل السلم بالعرض ؟· هذه الأسئلة وغيرها يحاول الكاتب ''إيان بريمر'' الإجابة عليها خلال مؤلفه ''المنحنى جي''· مستقبل الديمقراطية في إسرائيل ·· هو الغرق في فوضى التركيبة السكانية ففي إطار حديث ''إيان بريمر'' عن الدول المتمركزة على الجانب الأيمن من المنحنى جي، توقف في الفصل الرابع من كتابه عند إسرائيل التي يرى أنها على مدى عقدين من الزمان نجحت في أن تجد لها مكانا بين العالم الديمقراطي المنفتح اقتصاديا· فالشعب يختار الحكومة بطريقة ديمقراطية ويسقطها أيضا بطريقة ديمقراطية· كما أن الانتخابات الدورية التي تجري في إسرائيل تتيح انتقالا سلميا للسلطة بين الأحزاب المتنافسة· ويضمن القانون حماية المراقبين للانتخابات، كما أن لديها أعلاما حرا وصحفا مستقلة تنتقد الحكومة وتحاسبها· كما يتمتع عرب إسرائيل بحق التصويت في الانتخابات، وهناك قضاء مستقل بعيدا عن هيمنة الحكومة، ودلل على ذلك بالحكم الذي أصدرته أعلى محكمة قضائية إسرائيلية في يوليو 2004 ضد رئيس الوزراء السابق شارون، الذي أدين فيه بانتهاك حقوق الفلسطينيين لقيامه ببناء جدار الفصل العنصري على أراضي الضفة الغربية المحتلة، إلا أن ''إيان بريمر'' يرى أن موقع إسرائيل كدولة ديمقراطية منفتحة آخذ في التراجع، وبالتالي فإن مكانها على الجانب الأيمن من المنحنى آخذ في الانهيار· لقد توقف ''بريمر'' في هامش كتابه عند مصطلح الديمقراطية الإسرائيلية، موضحا أنه يختلف كليا عن النموذج الغربي· وعرض لشرح ذلك لقطة سريعة لنقاط التفتيش العسكرية التي يمر عليها الفلسطينيون يوميا قبل وبعد ذهابهم للعمل في إسرائيل· بالإضافة إلى ممارسات كثيرة أخرى قوضت مكانة إسرائيل الديمقراطية، وسممت علاقتها بمعظم دول العالم· وتنبأ بريمر لمستقبل الديمقراطية في إسرائيل بأن يقف على محك خلل مستقبلي في التركيبة السكانية سيؤدي إلى غرق إسرائيل في بحر من الفوضى وعدم الاستقرار· ويقول بريمر إن الأمر مرتبط بقدرة قادة إسرائيل في الإجابة على سؤال قديم طرح قبل تأسيس الكيان الصهيوني ويتم تأجيله منذ عقود طويلة، ألا وهو هل تتخلى إسرائيل عن الأرض في سبيل الديمقراطية ؟· لقد كان هدف مؤسسي الدولة العبرية تحقيق ثلاثة أهداف، أولها تأسيس دولة يهودية، ثم تحقيق الديمقراطية لليهود، وأن تقوم هذه الدولة اليهودية الديمقراطية على كل الأرض الموعودة في التوراة· ويقول ''بريمر'' إن الزعيم الصهيوني ''دافيد بن جوريون'' مؤسس الكيان، والذي كان يصر على أن مجرد وجود دولة يهودية ديمقراطية أهم من الحديث عن أي حدود لها، عاد وقال في مؤتمر للصهيونية في زيورخ ''أنه ليس من حق أي يهودي التنازل عن شبر من الأرض الحلم''· وهو بذلك يتساوى مع العديد من الآباء المؤسسين لدول ديمقراطية في العالم، حلموا بالديمقراطية ثم تخلوا عنها بتبنيهم سياسات تتعارض كليا مع المبادئ الأخلاقية للديمقراطية· ومنذ اليوم الأول بعد نهاية حرب الأيام الستة عام ،1967 والتي نتج عنها ضم أراضي الضفة الغربية وغزة لسيادة الدولة اليهودية، وجد قادة إسرائيل أنفسهم أمام نفس الخيارات الثلاثة التي واجهت مؤسسي الدولة العبرية، وهي إما أن تكون إسرائيل دولة بوليسية يهودية تضع يدها على كل الأراضي التوراتية من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن، أو أن تكون دولة ديمقراطية وتكتفي بالأراضي ذات الهوية اليهودية الممنوحة لها بقرار الأمم المتحدة ·1948 أو أنها تكون ديمقراطية يهودية على الأراضي التاريخية وتطرد غير اليهود منها· ورغم مرور عقود كثيرة من الزمان، لم يجب أحد على السؤال الشائك·· هل يمكن مقايضة الأرض بالديمقراطية ؟ وبناء على الوضع الحالي فإن إسرائيل ترى أن الوجود السكاني المكثف للفلسطينيين يعوق تحقيق الديمقراطية اليهودية· فالديمقراطية تقتضي أن تمنح إسرائيل حقوقا سياسية لمليون فلسطيني في الأراضي المحتلة إلى جانب نصف مليون آخرين من عرب إسرائيل يعيشون داخل حدود ،48 وهو أمر تراه الدولة اليهودية مستحيلا·! ولمواجهة هذه المعضلة المتفاقمة طرح قادة إسرائيل ثلاثة خيارات: إما أن يتم ترحيل الفلسطينيين إلى الأردن والتي يراها أغلب اليهود أراض توراتية أيضا، أو أن يتم تشريد الفلسطينيين في أنحاء العالم وهو حل تعلم إسرائيل أنه سيفتح عليها أبواب جهنم، أو أن يتم تأجيل الحل المعضل مع تعطيل الديمقراطية وحرمان الفلسطينيين من الحقوق السياسية· وكان نصيحة حلفاء إسرائيل هو الحل الثالث بدلا من اتخاذ قرارات يصعب تحمل عواقبها، ويرى بريمر أن التأجيل حتما سيأتي لصالح الفلسطينيين، فمع الوقت سيصبح اليهود أقلية في الدولة اليهودية التي حلموا بها· ففي الوقت الذي يتضاعف فيه أعداد الفلسطينيين سنويا تنهار فيه هجرة اليهود إلى إسرائيل، ويتوقع المحللون أن بحلول عام 2020 لن يتجاوز اليهود 47 بالمئة من السكان، وهذا ما يدركه الفلسطينيون ويستخدمونه كورقة ضغط على إسرائيل لتعديل أوضاعهم السياسية· معضلة الصين احتار ''إيان بريمر'' في تحديد موقع الصين على المنحنى جي، فهل انغلاق الحزب الشيوعي الصيني وعدم رغبته في القيام بإصلاحات سياسية يضع الصين على الجانب الأيسر من المنحنى مع بقية الدول المنغلقة سياسيا، أم أن انفتاحها الاقتصادي الهائل والمضطرد يضع الصين على الجانب الأيمن من المنحنى مع دول العالم المستقرة والمنفتحة ؟· كيف يمكن تصنيف هذه الدولة المنغلقة جدا سياسيا والمنفتحة جدا اقتصاديا ؟· لا شك أن الخيارات الداخلية السياسية والاقتصادية التي ستتخذها القيادة الصينية خلال العقدين القادمين ستلعب دورا هاما في حالة الاستقرار أو عدم الاستقرار العالمي، فالاتجاه الذي سيتطور فيه الوضع السياسي في الصين مؤشر هام جدا لاستمرارية الانفتاح الاقتصادي الصيني· فقيادة الحزب الشيوعي الصيني التي تستغل نظام الانفتاح الاقتصادي لتمويل حزبها المنغلق على نفسه سياسيا تساهم دون قصد في تحديد معدلات النمو الاقتصادي العالمي، فتأثير الصين على السياسة العالمية عظيم ومتنامي، ولكن هل يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد ؟· الإجابة هي لا· وهنا تكمن معضلة الصين التي لا تعد معضلة عادية بل عالمية· وفي نهاية هذا الجدل حسم ''بريمر'' أمره بتصنيف الصين كدولة منغلقة سياسيا ووضعها على الجانب الأيسر من المنحنى جي· مشيرا إلى أن مكانة الصين القوية في ميزان التجارة العالمي وانعكاسها على المجتمع الصيني لا يمكن إنكارها· وكما كتب المحلل ''جورج جيلبوي'' في عدد يوليو من مجلة ''فورين أفاريز'' المتخصصة في شؤون السياسة الدولية قائلا: إن الصين أصبح لها حصة في النظام الاقتصادي الليبرالي العالمي الذي عملت الولايات المتحدة على ترسيخه قبل نصف قرن، فلقد فتح الحزب الشيوعي الصيني الباب على مصراعيه للاستثمارات الأجنبية، وانضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية· الصين دولة منفتحة تجاريا بشكل لا يصدق، إذ أن لها علاقات تجارية مع عدد كبير من دول العالم من بينها إيران والسعودية وروسيا بل مع كوريا الشمالية وكوبا أيضا، مما عاد على الصين المنغلقة سياسيا وجيرانها في دول شرق آسيا بآثار واضحة من الانفتاح الليبرالي· وفي الوقت الذي توقع محللو وال ستريت استمرار معدلات النمو الاقتصادي المذهلة في الصين في ال25 سنة القادمة قياسا بما حققه الاقتصاد الصيني في الفترة من عام 1978 إلى عام ،2003 زاد معدل النمو السنوي بنسبة 9,4 بالمئة كما يتربع اقتصاد الصين حاليا على المرتبة السادسة في العالم، ويحتل إجمالي قيمة التصدير والاستيراد المرتبة الرابعة في العالم، ولا يوجد في الأفق ما يمكن أن يوقف هذه المسيرة من الازدهار والنمو· أما المحللون السياسيون المراقبون للصين فيرصدون أثر هذا الانفتاح الاقتصادي على المجتمع، وهو انفتاح يبدو فوق التصور، فكيف يمكن لنظام سياسي شيوعي منغلق أن يتحمل كل هذا القدر من الانفتاح المعلوماتي والتواصل الهائل بين أفراد الشعب دون أن يتغير؟! علمنة التعليم ويرى ''إيان بريمر'' أنه مثلما كان الاقتصاد مفتاح الليبرالية في الصين فإن التعليم سيكون هو المفتاح في المملكة العربية السعودية، ويشير في الفصل الثالث من كتابه إلى أن الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تشهدها السعودية سيكون التعليم هو أحد أهم ركائزها، وأن الاتجاه العام في الولايات المتحدة الأميركية يرى ضرورة الحفاظ على الروابط الوثيقة والعلاقات الإيجابية بين البلدين، مع الدفع باتجاه تحقيق بعض الإصلاحات الاجتماعية والسياسية من خلال علمنة التعليم وليس نشر الديمقراطية· ويقول ''بريمر'' إن صناع القرار في واشنطن يبحثون في إمكانية دفع المملكة العربية السعودية إلى إحداث تغيير يضمن لها الاستقرار السياسي وهو مما لا شك فيه سيجعل المملكة تنتقل من الجانب الأيسر للمنحنى جي إلى الجانب المنفتح والمستقر والقوي· يضيف ''بريمر'' قائلا: إن نظام التعليم السعودي الحديث لا بد أن يهيئ الشباب السعودي لفتح حوار اجتماعي وسياسي يقوده إلى الانتعاش الاقتصادي· وفي هامش الكتاب أشار ''بريمر'' إلى تقرير نشر عن التعليم في السعودية في عدد 21 مارس 2002 من مجلة الإيكونوميست، جاء فيه أن نظام التعليم يعتمد أساسا على النصوص الدينية والتاريخية ويهمل التقنيات، وأن طلبة الجامعات السعودية بصفة عامة يتجنبون الانخراط في المجالات العلمية والتقنية، كما أن هناك 120 ألف خريج جامعي بين عامي 1995 و1999 تخصص 8 بالمئة منهم فقط في كليات تقنية وهم يمثلون بذلك 2 بالمئة من السعوديين في سوق العمل المحلي· وبالفعل قامت المملكة العربية السعودية في منتصف العام الجاري باتخاذ خطوات واسعة من بينها تأسيس جامعة خاصة تحت إشراف مؤسسة الملك فيصل لتدريس الهندسة والطب والعلوم وتكنولوجيا المعلومات لتسليح الشباب السعودي بالمهارات التي تؤهله للمشاركة في مسيرة البناء والنمو الاقتصادي· ويشير ''بريمر'' إلى ضرورة ضمان استقرار الطبقة الوسطى وتمتعها بالرخاء الاقتصادي والأمن الاجتماعي لأنه يحمي المجتمعات من كافة الهزات وعدم الاستقرار أثناء تعرضها لمراحل انتقالية· ويقتبس ''بريمر'' عبارة عن المفكر السعودي تركي الحمد يقول فيها ''إن الطبقة المتوسطة في المجتمع السعودي آخذة في الانكماش وأن الفقر عادة يؤدي إلى التطرف''· ويميل ''بريمر'' إلى أن يأتي إصلاح التعليم في المملكة قبل الديمقراطية قائلا: لابد من مرحلة انتقالية يتم فيها تحقيق إصلاحات سياسية محدودة وتغييرات اجتماعية قبل الحديث عن الديمقراطية، وإن الإصلاح الاجتماعي بمحاوره الثلاثة ( الدين والمرأة والتعليم) يشغل مساحة من اهتمام المجتمع السعودي، ولا شك أن الحكومة السعودية مدركة لذلك وتخطو خطوات حثيثة في هذا الاتجاه· ففي أول لقاء إعلامي للعاهل السعودي الملك عبد الله بعد اعتلائه العرش مع شبكة (إي بي سي) التليفزيونية الأميركية قال للإعلامية المعروفة (باربرا والترز) ''شعبنا بدأ لتوه الانفتاح على العالم واعتقد انه بمرور الأيام في المستقبل كل شيء ممكن، وأنه يعتقد انه سيأتي اليوم الذي تقود فيه المرأة السعودية السيارات· وتساءل ''بريمر'' حول إمكانية تعميم النموذج التركي في القوانين العلمانية على الدول المنغلقة في الشرق الأوسط، مؤكدا بأن العلمانية لا تعني العداء للدين، وأن القانون المدني السويسري الذي تبنته تركيا منذ عام 1926 بعد انهيار الخلافة العثمانية لم يقض على هوية تركيا المسلمة، فلقد أثبت أول تطبيق للقوانين الوضعية العلمانية في بلد إسلامي أن الجذور الإسلامية في مجالات التعليم والحياة الاجتماعية والمعاملات لها بصمات لا يمكن تجاهلها اليوم عند الحديث عن الإصلاحات والتطوير في العالم الإسلامي· فرغما عن إباحة أتاتورك شرب الخمر والميسر والزنا، إلا أن الأتراك أبدوا تشبثا بالقيم الإسلامية في حياتهم الخاصة مثل الزواج وتكوين الأسرة والعلاقات الاجتماعية، غير ان القانون العلماني في تركيا لم يضمن حقوق الأقليات العرقية والدينية مثلما كانت الشريعة الإسلامية تحميه بل ساهم في فرض القومية التركية على الكثير من الأقليات· ويقول ''بريمر'' إن مفهوم دولة القانون العلمانية الذي يقوم على دستور ديمقراطي يحترم الكرامة الإنسانية لا يهدف إلى معاداة الأديان كما يعتقد كثير من الرافضين له، بل إنه يمثل مجموعة مبادئ أساسية تهدف إلى التعاطي العقلاني والعملي مع قضايا ومستجدات العولمة· وأن هذه الأنظمة الدستورية العلمانية ليست قاصرة على الحضارة الغربية فقط لأن ترسيخ الحقوق الأساسية للإنسان مهما كانت ديانته يساهم في استقرار دول متعددة الأعراق والمذاهب والديانات كما هو حال دول كثيرة في الشرق الأوسط· حقوق الأقليات والحرية الدينية يعطي ''إيان بريمر'' أولوية لحقوق الأقليات والحريات الدينية عند تصنيف الدول المنفتحة، والتي يضع لها مكانة على الجانب الأيمن من منحنى جي، وذلك إيمانا منه بأن الاستقرار السياسي والاجتماعي للأمم القائم على احترام تعددية المجتمع وتنوعه الفكري والسياسي، هو الذي يؤدي إلى نضوج خيار التمازج والتداخل والتواصل المتبادل بين مجموع تعبيرات المجتمع والأمة· وتأتي تركيا ضمن أمثلة ''بريمر'' بأنها دولة شرعت في سن قوانين تضمن حقوق الأكراد في محاولة منها لزيادة فرصة انضمامها للاتحاد الأوروبي· وأن أصوات المسلمين في الهند مؤثرة في الحياة السياسية للهند· بعكس الصين التي تشكك في ولاء مواطنيها المسلمين والمتمركزين في مقاطعة ''زينجيانج'' التي تمثل سدس مساحة الصين ومنجمها الثري بالغاز والبترول والفحم· مما نتج عنه اضطرابات داخلية وقمع لآلاف من المسلمين، وإلصاق تهم القيام بعمليات إرهابية ضد أهداف مدنية، وهو ما أدانته العديد من جمعيات حقوق الإنسان العالمية والتي رأت أن الصين تركب موجة الحرب على الإرهاب لتصفية المتمردين المسلمين، وليس المسلمون فقط من يلاقي اضطهادا دينيا بل أن البوذيين في التبت يشعرون أيضا بالقهر لإصرار الحزب الحاكم على اختيار الزعامات الروحية للتبت من الموالين للحزب الشيوعي· وعلى الجانب الآخر أشاد ''بريمر'' بالحقوق التي يمنحها الكيان الصهيوني لعرب إسرائيل، وهو ما يتناقض مع معظم تقارير جمعيات حقوق الإنسان العالمية والتي تشير إلى أن كل المواطنين من غير اليهود من الدرجة الثانية في الدولة اليهودية، وأن عرب إسرائيل الذين يشكلون أكثر من 19 في المئة من مجموع السكان يعانون من تدن واضح في مستوى المعيشة بسبب ضعف فرص الحصول على المساكن والماء والكهرباء والرعاية الصحية والتعليم، ولا يوجد أبلغ من تصريحات ''افيجدور ليبرمان'' نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي للتدليل على ما يعانيه عرب إسرائيل من اضطهاد· إذ أنه في مقابلة مع ''الصنداي تلجراف'' البريطانية صرح بأن الأقليات هي أكبر مشكلة في إسرائيل، وأن هناك أقلية كبيرة تقدر بمليون و250 ألف إسرائيلي عربي يشكلون مشكلة تتطلب الانفصال عن الدولة اليهودية حتى نجعل إسرائيل بحق دولة يهودية· وفي 30 أكتوبر الماضي اقترح إعدام أعضاء الكنيست من عرب إسرائيل لأن لهم صلات بحكومة حماس، وحث الجيش الإسرائيلي على تطبيق أساليب عسكرية في قطاع غزة كتلك التي تتبعها روسيا مع الشيشان، وعندما كان وزيرا في حكومة شارون عام 2003 أعلن استعداده لتوفير حافلات تنقل السجناء الفلسطينيين لإغراقهم في البحر الميت· ويرى ''إيان بريمر'' أن واقع الأقليات الإثنية في الشرق الأوسط بحاجة إلى معالجة حضارية لكي لا ينقلب إلى مزيد من الأزمات السياسية والحروب الأهلية والتفتيت والانقسام، لأن العديد من الصراعات والحروب الصريحة والكامنة تجد جذورها ومسبباتها العميقة في هذا الواقع الذي يتم التعامل مع الكثير من عناوينه وقضاياه بعيدا عن مقتضيات العدالة والديمقراطية، وأن المعنى البسيط للحرية هو حرية الاختيار، ولا اختيار حر في ظل الإكراه· لذلك فإن الحرية تعني غياب الإكراه على المستويات كافة· بحيث أن الإنسان يمارس حقوقه ويلتزم بواجباته في ظل عدالة القانون· وكان تقرير وزارة الخارجية الأميركية السنوي عن الحرية الدينية في العالم لعام 2005 قد وجه انتقادات إلى عدة دول تقول الولايات المتحدة أنها لا تسمح بحرية ممارسة الشعائر الدينية من بينها الصين وبورما وإيران والسعودية وكوريا الشمالية وفيتنام والسودان واريتريا· قاع المنحنى يرى بعض المحللين السياسيين أن ''بريمر'' قد نجح من خلال نظرية المنحنى جي في الكشف عن سر استقرار العديد من الأمم· فلقد قدم نماذج عديدة لدول مستقرة سياسيا مزدهرة اقتصاديا بالرغم من النسيج الاجتماعي والإثني واللغوي المعقد كالهند مثلا، كما اعتبروا أن هذه النظرية تصلح للقياس شرط أن نقبل أن يكون لها استثناء كباقي القواعد القياسية المتعلقة بالعلوم السياسية، فدول أوروبا الشرقية التي انتقلت من النظام الشيوعي المنغلق إلى الديمقراطية لم تمر بقاع المنحنى جي ولم تتعرض لمرحلة عدم الاستقرار معتمدة بذلك على ما حملته من إرث تاريخي ثقيل تريد الخروج منه سريعا والارتماء في أحضان الاتحاد الأوروبي، ولم يكلفهم الأمر سوى اتباع إصلاحات سياسية واقتصادية منطقية تؤهلهم للخروج سالمين من عنق الزجاجة· اتفق مع هذا الرأي الباحث جوزيف نوالسويسكي المتخصص في الاستراتيجيات الدولية، الذي اعتبر أن قاع المنحنى جي الذي يرمز إلى عدم استقرار المرحلة الانتقالية هو نقطة الضعف في هذه النظرية، لأن هناك عوامل كثيرة تضمن الانتقال على جانبي المنحنى بسلام دون المرور به، مشيرا إلى أن عمليات الانتقال الناجحة من الانغلاق إلى الانفتاح كان مرهونا دائما بنظام الحزب الواحد والذي يضمن للشعب تحقيق الانفتاح وضمان الاستقرار الاقتصادي من دون الوقوع في فوضى التمزق السياسي بين المصالح الحزبية أو الانزلاق إلى حروب أهلية، إلا أن الاستقرار التام مرهون أيضا بالوقت الذي سيتم فيه اختيار حكومة تحظى بالشعبية، فاستراتيجية الحزب الواحد تضمن عادة في أن تتمتع الطبقة الوسطى بالقدرة على اتخاذ القرار· ففي حالة إيران مثلا وهي الدولة التي مرت بمرحلة تغيير جذري في تاريخها المعاصر من الانفتاح في عهد الشاه إلى الانغلاق في عهد الثورة الإسلامية، إلا أنها نجحت في الحفاظ على استقرارها طوال الوقت· ولا بد أن نشير إلى الخلاصة التي أشار فيها ''إيان بريمر'' إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تمثل نموذجا سياسيا ناجحا لدولة ديمقراطية مستقلة متعددة الأعراق، وأن أوروبا عندما سارت على هذا النهج وصلت إلى الوحدة الأوروبية، وأن آسيا في نهاية المطاف لن تجد مفرا إلا من انتهاج النهج ذاته وخلق وحدة آسيوية تلعب فيها الصين والهند دور ألمانيا وفرنسا وتقوم اليابان بدور بريطانيا، أما مستقبل الوحدة الأفريقية فمرهون بتقسيم القارة السوداء إلى مقاطعات جنوب وشمال وشرق وغرب ووسط، وإن تتطلب الأمر الدخول في صدامات إلا أن هذه الصدامات ستكون لاحمة ومؤدية إلى تكامل اقتصادي·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©