السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الوجع بألسنة الآخرين

الوجع بألسنة الآخرين
8 ديسمبر 2010 21:53
لم تتعرض مسرحية عربية شاركت في مهرجان المسرح الأردني السابع عشر لهجمة نقدية مركزة كما تعرضت مسرحية “48 دقيقة من أجل فلسطين”، وقد وصل الأمر إلى اتهام بطلها ادوار معلم بـ”الفلسطيني المتصهين” من قبل الكاتب نظمي تيسير الذي تحدث بانفعال وغضب كعادته. والمسرحية التي تعتبر التجربة الأولى لفريق عشتار والجمهور الفلسطيني تعتمد لغة الجسد وتتحدث عن رجل وامرأة يقطنان على مضض في المكان نفسه.. فلسطينية تعيش في منزلها ورجل قادم من مكان ما يقتحم المكان بيده حقيبة سفر ويسلمها ورقة عن وعد بلفور الذي منح حقا لمن لا يستحق. المرأة لا تعرف من هو، وهو يعتقد أنه عاد لوطنه ليتفجر الصراع على السلطة والمكان والبيت.. قصة تحكي من خلال الحركة والموسيقى وتبحث في العلاقة بين رجل مضطهد وامرأة مضطهدة لكنها في الوقت ذاته تتحدث عن الاحتلال لأرض فلسطين وتشريد سكانها العرب من منازلهم ووطنهم من خلال الصور الجسدية دون كلمات. وعقب عرضها على المسرح الدائري بالمركز الثقافي الملكي وسط عمان عقدت ندوة تقييميه تناولتها بالتشريح والتدقيق من واقع حرص الجميع على تقديم أي عمل مسرحي يتناول قضية فلسطين باعتبارها أعدل قضية عالمية بمواصفات تقترب كثيرا من الكمال ودون أية أخطاء سواء من حيث المضمون أو الإخراج وحتى حركة الممثلين على خشبة المسرح. المتحدثة الرئيسة في الجلسة أسماء قاسم رأت أن الجريمة تبدأ من اللغة، فجريمة الاحتلال لم تكن وفق مسمياتهم أكثر من إشغال واشتغال فكلمة صراع ليست مناسبة لتوصيف واقع ما يحدث في فلسطين لأن فيها من التزوير والتحوير ما يكفي لتضليل الرأي العام العالمي وقلب الحقائق وتبديد الحقوق. وقالت إن مصطلح احتلال رغم ما يحمله من قسوة ودمار وعنجهية لا يعبر عن واقع ما يحدث في فلسطين، لأن غزو بلد ما وتصفية شعبه أو طرده والحلول مكانه يسمى إحلالا أي إحلال شيء مكان شيء آخر قد تمت إبادته. ومن وجهة نظرها فإن التزاحم على بقعة في المكان اختزال هي لمعركة ما فقد اختلفوا على أن يلعبوا طاولة النرد التي تمثل الحظ وارتباطه بالغيب أو لعبة الشطرنج التي تمثل العقل وما ينتج عنه من تدبير وتخطيط هو انعكاس للمرجعية الثقافية التي يعتمدها كل منهما في نسج روايته عن المكان، وهذا السرد الحكائي كان منسجما مع منطق المعالجة الذي اعتمدته المخرجة البريطانية موجيسولا أديبايو فيما جاء الديكور مختزلا ودقيق الدلالة حيث استعاض عن الحقل بالوردة والبيارة بحبة البرتقال وعن الأرض بالحجر. وقال الدكتور يحيي البشتاوي وهو كاتب ومخرج مسرحي: “عندما تحضر فلسطين تحضر الآلام والأوجاع والاحتلال بصورته البغيضة ونحن أمام عرض لمسرح عشتار يناقش الهم الفلسطيني ومخرجة وكاتبة مسرحية بريطانية أوضحت عن جهل بحثيات القضية الفلسطينية وتراب فلسطين”. من جانبه وصف المخرج غنام غنام العرض بأنه بسيط لدرجة السذاجة، فالاحتلال ليس الإشغال وما قدمته المسرحية إشغال مساحات ليس إلا، وتساءل هل إذا قدم هذا العرض لشعب غير الشعب الفلسطيني يفهم إنه تم طردنا من فلسطين وشطب ذاكرتنا، فالاحتلال حرمني من صديق طفولتي، وأنا أحب بنت الجيران والزواج في بيتي وأن يولد مولودي الأول في بيتي.. الاحتلال أخذ ليس بيتي فقط بل ذكرياتي. أما الناقد العراقي عواد علي فقال: “النوايا لا تكفي فهل من المعقول أن تخبرني بعد 60 عاما أن فلسطين محتلة.. أريد مشاهدة الاحتلال في التفاصيل الصغيرة في حياة الفلسطينيين لكي يتعاطف معنا المشاهد الغربي.. ولا أعتقد أن العرض خدم القضية الفلسطينية فلم يكن هناك تواز بين العمل المسرحي كعمل إبداعي والقضية الفلسطينية”. ويمكن القول إن أشرس هجوم على المسرحية جاء من الدكتور مؤيد حمزة وهو مخرج وأكاديمي أردني حين قال “الناس الذين حضروا العرض.. صفقوا لفلسطين وليس للعرض، فهو يهددني إذا لم تقبلوا السلام وفق شروطنا ستطردوا”. ومن وجهة نظر الفنانة المسرحية أسماء مصطفى فإن غياب الكلمة كان خطيرا ولم تعوضه اللغة الجسدية، فشقائق النعمان وردتنا وليس عباد الشمس. وارتفعت سخونة الحوار بعد تدخل الكاتب تيسر نظمي ووصفه بحدة وغضب العرض بالمتصهين وقال: “يؤلمني وجود صهيوني أو فلسطيني متصهن” مشيرا لبطل المسرحية أدوار معلم، وهذا الأمر حفز الدكتور البشتاوي بوصفه رئيس الجلسة التقييمية ردا على ما قاله تيسير نظمي: “يكفي مقاطعة للمثقفين الفلسطينيين وجلدهم.. نحن بحاجة لموقف عربي مشرف وعلينا كسر الحواجز وعدم تركهم في مواجهة محتل سيء فمع الأسف هناك جزء من المثقفين العرب الذين يعتاشون من الغرب يحاولون وضع حواجز وعزل المثقفين الفلسطينيين عن محيطهم العربي.. نحن مع المثقفين الفلسطينيين في صمودهم على أرضهم لكنني أحاكم هذا العرض عندما وقفت الفتاة فوق كوم من الحجارة فيما صنع المغتصب صاروخا”. بطل المسرحية أدوار معلم استقبل هذه التعليقات والهجمات بهدوء وروية وقال: هذا العمل ليس له علاقة بممول أبدا بل هو مشروع مسرح عشتار، ولم يقل لي أحد ماذا أعمل، وكل ما كنت أريده توصيل قضيتي للأوروبيين مباشرة وببساطة.. فلسطينية تعيش بهدوء في بيتها وفجأة جاء شخص يحمل في يده وعد بلفور ليفاجأ أيضا بوجود شخص في البيت ذاته! ووصف ردود فعل البعض بأنها عاطفية فالمسرحية موجهة للغرب الذي ينظر لأية مقاومة بأنها إرهاب وتقول لهم “ماذا تفعل إذا احتلت أرضك؟”، وقال: “لكل مشاهد رأيه في العرض الفني، قد نتفق وقد لا نتفق، فأنا أستفيد من كل الملاحظات لكنني لمست تجنيا قاسيا من البعض، فأنا لم أقدم عملا معقدا بل بأدوات بسيطة اعتمادا على لغة الجسد، وتحدثت عن محطات أساسية في القضية الفلسطينية منذ وعد بلفور”. وخاطب منتقديه بالقول إن هدف المسرحية هو فتح حوار مع الجمهور وليس مشاهدتها والمغادرة لأنها تطرح سؤالا على الجمهور “لو كنت مكان المرأة الفلسطينية التي طردت واغتصبت وسرقت مياهها وجرفت بياراتها وأحتل بيتها وطردت من وطنها.. ماذا كنت ستفعل؟”. هذا السؤال ـ والحديث ما يزال لمعلم ـ موجه للجمهور الغربي لأنه يتهمنا بالإرهاب لأننا نناضل من أجل إزاحة الاحتلال عن أرضنا ومن خلال عروضنا في إسبانيا والبرازيل. وحول الاتهامات القاسية التي وجهت له قال “إن تيسير نظمي دائما ما يتهم كل فلسطيني يأتي للأردن بأنه متصهين، لكن ما نقدمه هو خدمة لقضيتنا وخاصة في أميركا وأوروبا التي تدعم إسرائيل.. هذه الاتهامات لن تثنينا عن مواصلة نضالنا من أجل قضيتنا العادلة في أي مكان وفي عواصم تقدم كل الدعم لإسرائيل، فمن أهدافنا الوصول للجمهور الأميركي بتقديم المسرحية في الجامعات هناك لأننا نعرف أن الجمهور الأميركي مغيب لوقوعه تحت تأثير الإعلام الصهيوني الذي يزيف الحقائق فهو يقول “إن فلسطين تحتل إسرائيل وهم يحاربون الاحتلال الفلسطيني”. وعلى سبيل المثال أوضح إنه أثناء عرض المسرحية في البرازيل خرجت علينا يهودية لتقول “لم نعامل الفلسطينيين كما جاء في المسرحية بل مددنا يد السلام لكم” فيما وأثناء تقديمها في سجن إسباني حاول المساجين الصعود لخشبة المسرح وضربي لأن العمل استفزهم كثيرا وما يحدث في فلسطين يستوجب مقاومة الاحتلال دون الاعتبار لأية اتهامات مهما كانت. وختم حديثه بالقول: لم نستخدم الكلام واستخدمنا التعابير الجسدية لجذب الأوروبيين الذين لا يعرفون العربية ومخاطبة الغرب بأدواته فما زلنا نبحث عن لغة لمخاطبتهم لكسب تعاطفهم ومراجعة موقفهم الداعم للاحتلال.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©