الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هواي القديم (1)

هواي القديم (1)
8 ديسمبر 2010 21:51
سألني أحد الأصدقاء المثقفين: لماذا تخون هواك القديم، وتوزع عشقك على الشعر والرواية، متجاهلاً المسرح، مع أن بدايتك انطلقت منه في مطلع نشاطك النقدي، كتبت رسالتك للدكتوراه فيه، ونشرت ترجماتك عنه، وقدمت لها بدراسات عن الدراما والشعرية. فكرت ملياً قبل الإجابة، وطافت بخاطري ذكريات السنوات التي سبقت ابتعاثي في عقد الستينيات للدراسة، حيث كانت القاهرة خلية تضج بالنشاط الثقافي وفي القلب منه العروض المسرحية، فلا نكاد نخرج من القومي، حيث نشهد إحدى روائع توفيق الحكيم (السلطان الحائر)، حتى نهرع في الليلة التالية إلى الطليعة لمشاهدة مأساة الحلاج لصلاح عبد الصبور، ونراهن على ترجمات لوركا إلى تشيكوف وبريخت ومسرح العبث، وتدور التعليقات النقدية في الصحف والمجلات والمنتديات عن العروض والنصوص، خاصة عندما يقدم يوسف إدريس “فرافيره” أو يفاجئنا نعمان عاشور “بالناس اللي تحت” فتشتعل حروب العامية والفصحى ويحتدم الجدل حول لغة المسرح وعلاقتها بلغة الحياة. من المؤكد أن مصر، كانت تعيش حالة ازدهار مسرح، مع أن الحياة السياسية ترزح تحت وطأة القمع السلطوي .. كيف إذاً يجتمع مناخ الازدهار مع كبت الحريات في سياق واحد؟ هناك تفسيران لهذه الظاهرة، أحدهما يرى أن هذا القمع لم يكن خانقاً، وأنه كان يترك فسحة كافية من الحرية محفوفة بحسن النوايا تكفي لإنعاش الحركة الثقافية والمسرحية وأن أدوات السلطة نفسها كانت تتفاوت في درجة سماحتها، فعبد الناصر نفسه كان يراجع بعض حالات المنع ويتدخل لإجازتها، بينما تصر أجهزته الرقابية ـ خاصة المخابرات ـ على تضييق الخناق ومنع مظاهرات الشغب الفني، وأن هذا التفاوت في المواقف ترك الباب مفتوحاً للتحرر من القيود. أما التفسير الآخر فهو يعزو التوهج الإبداعي إلى حصيلة المرحلة الليبرالية السابقة على الثورة، فهي التي أسست ثقافة الحرية وهي التي ألهمت الضباط ثورتهم ومهدت لأهم مشاريعهم في الإصلاح الزراعي والعدالة الاجتماعية واستقلال الإرادة الوطنية، وهي التي بذرت بقوة جذور نهضة الآداب والفنون، ولم تستطع سنوات الثورة الأولى أن تجتث هذه الجذور ولم يبلغ الخوف لدى الجيل الناضج من الكتاب درجة إجبارهم على الصمت، بل كانوا يعارضون الثورة وهم خارج السجون، فإذا حشروا فيها ورأوا مظاهر العداء الحقيقي لها من أنصار التيار الديني السلفي، أو علموا بمآزقها الخارجية هتفوا حماساً لتوجهاتها التقدمية في تقديرهم، أي أن حركتهم كانت محكومة بالدوافع الأيديولوجية. وفي تقديري أنه ليس هناك تعارض بين التفسيرين، خاصة إذا أضفنا إليهما عاملاً ثالثاً كان هو الحاسم في توجيه حركة الثقافة والمسرح على وجه الخصوص، وهو أن الفترة الناصرية قبل نكسة 1967 استطاعت أن تخلق مناخاً مواتياً للحماس، باستثارة حمية المشروع القومي للعروبة والوحدة، وطاقة التحدي للقوى الاستعمارية ونفخ روح المقاومة والتحرر لدى الشعوب، إضافة إلى إطلاق العنان لأحلام المستقبل في مجتمعات يسودها العدل وتكافؤ الفرص، كل ذلك صنع مناخاً مفعماً بالأمل ومنفتحاً على التجارب الإنسانية الخلاقة، أتاح الفرصة لتفجر الطاقات الإبداعية بشهية لا نظير لها في مشروع جماعي كان الازدهار المسرحي أبرز علاماته. drsalahfadl@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©