الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لوحة “الأميرة النائمة” للرسامة فيرونيك غوتييه

لوحة “الأميرة النائمة” للرسامة فيرونيك غوتييه
14 سبتمبر 2011 22:18
كانت تمتلك كنوزاً بكراً لم يكتشفها أحد ... يثور بعضها كبركان تتصاعد حممه في الأعالي... بركان ينبجس منه الإبداع والفن والرقي، في ذائقة مجهولة .. مرت عليها نسائم البحر ... فغطتها موجة مترفة بأحلى الصور وأروعها .. كلمات متدفقة تغزو أعماق الروح وتملأ خلايا النفس المثقلة بالنعاس.. هل يمكن للكائن أن يكون شاعراً دون أن يدري؟؟ كثير منا لا يعلم ما يملك .. لا يعرف اللآلئ التي تترسب في أعماق أحاسيسه وأغوار نفسه ... كثيراً ما يعيد الإنسان النظر فيما يكتب، ليجد فرقاً كبيراً بين ما كتبه وهو مشدود لانفعالاته، وبين ما سجله في حالات اعتيادية .. حين تخرج الكلمات وكأنها مقالة علمية في موضوع معقد .. كان يقف مأخوذاً أحياناً بجمال النص الذي سجله في يوم ما .. أحقاً هو من كتب ذلك الموضوع؟؟ ويبتسم مجيباً بالإيجاب إذ يتذكر اللحظات التي رافقته لحظة ئذ.. وهو يسجل تلك الكلمات والحروف... وتذكر.. كانت الكلمات تمتزج بدمائه وبأنفاسه المتقطعة ولهاثه المتمسك بحلاوة الحياة، بلحظاتها المحلقة في أقاصي السماوات .. هكذا كان يراها وهو يتطلع إلى أسطرها المتقدة بجمر عواطفها التي لم تحرقه شظاياها ... “هو الخوف الذي يجعلنا نبحر بعيداً كأننا نهرب من مجهول مخيف إلى مجهول أكثر رعباً”. ارتجفت الورقة في يده .. أحس بارتجافها من خوف حقيقي، بل كان يسمع وقع خطاها وهي تهرب من ذلك المجهول المخيف.. ترى ما الذي حصل حينئذ؟ اهتزّ قلبه ... بل سمع وقع خطى فزعة وهي تتسلق إلى مجهول أكثر رعباً .. “هو الخوف الذي يجعلنا نألف القيود التي تشدنا وتصفعنا بأصفادها الصدئة .. فبعض الصدأ يتوحد بخلايانا فلا يزول ولا يزال ...” لا يزال عالم الخوف الذي أنهكنا التفكير فيه .. لا يزال يضع في معصمنا قيوداً جديدة تضاف إلى الأخرى.. تتصاعد أمواج وردية بلون دماء امتزجت بماء مطر.. وتنبجس مثل شلال من اللازورد ينفث عطراً سماوياً قابعاً في أعالي نفوسنا القلقة.. تتصاعد.. تتصاعد.. تتصاعد.. وهو يتأمل الكلمات، يستوعبها، يتخيلها، يتأمل صورها الجامحة التي تهزه وتستفز فيه الأحاسيس التي كانت كبركة راكدة.. حركها كوكب.. سقط من أقاصي روحه المتمردة... “هو جوبيتر في عليائه... (عندما نشتاق إلى التحليق!” هو المقدر... (عندما نفتقد من يرفعنا لمنزلة الألق والإمارة) هو المرفأ... ( من دون شروط....) هو الفنار والمصباح والنور... (عندما يصفع السواد العيون) هو الحارس... (عندما تخشى على نفسك من نفسك) يا الله..... هو الساكن بجوارك... (في المقعد الشاغر! لا المقعد المحجوز لك....) تصاعدت في داخله موجة من ثمالة أنسته ما حوله... من هو؟ ما هو؟ أين هو؟ أدارت كلماتها بوصلة أناته بدرجة مائة وثمانين.. تلاشى ما بقي من عقله المنهزم... “هم كثير.. ليس واحداً.. وواحد ليس مثله كثير..” ثم ألغيت جميع الشروط: “هو موجود بلا شروط” يا الله... هي تعي ما تقول! كان يخاف عليها منه... ويخاف عليه منها... وأعاد العبارة.. مرات... مرات... مرات... “هو موجود بلا شروط” “أتراه يكتفي؟” أدرك لحظة ئذٍ أن أعماقه تصرخ.. لا.. لا.. لا.. لا.. وهل يكتفي من هوس الثمالة؟ ومن أيام تفيض بعطر البحار البعيدة؟ ومن لحظات تملؤها الألوان؟ ومن فضاءات لانهاية لنهاياتها؟ لم يعد يحس بشيء.. انعدمت أمامه كل المقاييس.. استفسر عن حواسه الخمس أو الست هل توقفت؟ كانت ذبذباتها ترتفع إلى ما فوق ما يتحمله مقياس جوبيتر.. كان ينذر بمرحلة الخطورة القصوى.. يوشك الزلزال أن يبدأ.. في لحظة هائمة لروحه التي تعلقت بكلماتها، مد يده إلى الهاتف.. كانت الأرقام في متناول أفكاره... كان يتلهف حد الجنون لسماع صوتها لحظة الموت تلك.. صوتها الذي سمعه مرات.. لكنه نسي موسيقاه.. وصورتها التي تأبى إلا أن تهرب منه... فيضطر إلى أن يرى خيالها القريب منه دائماً المستعصي على البقاء في مدى رؤيته.. كم تمناها في لحظته تلك؟ أحس بشعرها القصير المنسدل على أكتافها... لا.. لا.. لم يصل إلى الأكتاف.. كان يحب أن يتخيله كما يريده هو .. بلون خمرة الغسق.. كان مأخوذاً بدهشة صاعقة.. وهو يتأمل وجهها الـ”بيبي فيس”.. بحمرة الخجل المنتفضة فيه.. تحاول أن تفرّ خارج الزمان والمكان... التقت عيناه بعينيها... بحر العسل الاسكندراني.. كانت أنفاسه تتصاعد وهو يجوس خلالها صعوداً نزولاً، يمنة يسرة، بينما كانت أصابعه تعبث بخصلات شعرها الذي أبدعه برج السرطان.. وضغطت أصابعه أرقام هاتفها... صفر خمس صفر... قلبه يغطس في أعماق مجهولة... أربع خمس ست... رأسه سينفجر صفر اثنان سب......... لا، لا، لا، لا... انتفض وهو يسمع أعماقه تصرخ: لا، لا، لا... لا دخول على الأميرات... لا، لا، لا... هي في الخيال أجمل.. وفي البعد أحلى.. وأرقى... وفي بحر الكلام أبهى.. دعها على البعد.. تسمر واقفاً على أعتابها متأملاً تضاريسها.. هضابها.. جبالها.. وديانها.. خلجانها.. مكامن العسل المنبجس من شلالاتها.. وسط هذه الهلوسة الملكوتية.. وهو يجوب أقاصي أحلامه.. استيقظ لابد أن يستيقظ.. بقايا ابتسامة على شفتيه.. “هم كثير... ليس واحداً... وواحد ليس مثله كثير..”. “هو موجود بلا شروط” “هو موجود بلا شروط”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©