الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا واللامبالاة بـــ «الكيماوي»

9 سبتمبر 2013 23:26
هل نشهد حدثاً كان يصعب تصوره وفقاً للتقاليد والأعراف الأميركية الخاصة: أن يدخل الكونجرس الرئيس في مسألة تتعلق بالسياسة الخارجية؟ في أحسن الأحوال تبدو الاحتمالات متساوية بين منح التفويض لشن هجمات صاروخية ضد النظام السوري أو حجبه. وفي أسوأ الأحوال تندفع التوقعات الآن نحو شن ضربة قاسية لأوباما. فهو اختار أن يضع رأسه وصلاحياته في أيدي خصومه، وبالتالي أتاح لهم فرصة لم يتوقعوها لاقتناص هيبته الداخلية والخارجية. فالعذر الشرعي جاهز: الرأي العام لا يؤيد أي عمل عسكري ما لم يكن الأمن القومي عرضة للخطر بشكل مباشر، عذر آخر: لا أحد يريد تجربة عراقية ثانية، وعذر ثالث: الأفضل التحرك من خلال مجلس الأمن الدولي. في الأساس يبقى استخدام السلاح الكيماوي المحظور في القانون الدولي، هو الدافع. غير أن الجدل في ظل انقسام دولي حاد والمصادرة الروسية - الصينية لمجلس الأمن جعل احترام حظر هذا السلاح يتقافز بين تقييمين متفاوتين: واحد يريد معاقبة النظام السوري الذي أقدم على استخدام هذا السلاح، وآخر لا يرى ضرورة للردع أو المعاقبة. موسكو تسأل عن الأدلة، لكنها تنطلق من نفي حازم لتورط النظام، بل تتبنى روايات تتهم المعارضة السورية بهذه الجريمة، حتى إن بوتين اعتبر مشاهد عشرات الأطفال المقتولين اختناقاً مجرد أشرطة أخرجها المعارضون لإحداث صدمة عاطفية في الغرب، واستدراج ردود فعل تضع واشنطن على المحك، لا لشيء إلا لأن أوباما سبق أن أعلن أن اللجوء إلى السلاح الكيماوي «خط أحمر». هذا الملف لم يأت من فراغ، فكل الدول والأجهزة التي تعرف ولو القليل عن سوريا، تعرف أن لديها مخزوناً كبيراً من المواد والغازات السامة، وأنها تملك تقنية تجهيز صواريخ برؤوس كيماوية. ومنذ اندلاع الحرب الداخلية في سوريا برز خطر هذا السلاح باعتباره احتمالاً ممكناً وكارثياً، قيل إن دولاً وضعت خططاً بمشاركة إسرائيل لعزل مخازن الكيماوي والاستيلاء عليها في حال انهيار النظام واقتراب لحظة سقوطه. في المقابل أشهر النظام نفياً قاطعاً لوجود مثل هذا السلاح لديه، لكنه قدم سراً ضمانات بأنه لن يستخدمه، بل إنه لن يضطر إلى ذلك نظراً إلى تفوقه العسكري على معارضيه. لكن الوقائع أثبتت العكس، فالحالات الموثقة طوال الشهور الماضية تجاوزت الخمسين، وتولى أطباء مختصون إيصال عينات إلى لندن وباريس وواشنطن، وتبين استناداً إلى الأطباء أيضاً أن النظام كان يجري تجارب ميدانية محدودة، حتى إنه استخدم الكيماوي خطأ في مواقع تحت سيطرته، وأدت في إحدى المرات إلى مقتل نحو ثلاثين من عناصر قواته، إلى أن استخدمه على نطاق واسع في الغوطة. من هنا فإن التشديد على الأدلة يستبطن يقيناً مسبقاً باستحالة إجراء تحقيق فوري مستقل لابد أن يشمل استجواب مسؤولين، فضلاً عن المعاينة المباشرة للمواقع والضحايا. لكن المعلومات الاستخبارية يمكن أن تكون مساعدة، ولا يعقل ألا تكون لدى الأجهزة الروسية معلومات عما يحصل في بلد تخوض فيه موسكو مواجهة لم تقدم عليها إلا في العهد السوفييتي البائد، أي في أيام الحرب الباردة مع الغرب. وراء سياسـة النفــي الروسيـة دافعـــان: إمـا عدم الاكتراث رسمياً بسقـوط ضحايا وبالسلاح المستخدم ضدهم، وإما تجهيل للحقيقة لأن الاعتراف يرتب واجبات على دولة تريد مواصلة اعتبارها عظمى، خصوصاً أن العضوية الدائمة لمجلس الأمن، مسلحة بـ«الفيتو»، هي مسؤولية دولية أولاً وأخيراً، وهذه المسؤولية ليست «فيتو» فحسب، ولا تعطيلاً لمجلس الأمن، بل قوامها فرض احترام القانون الدولي. إذا كان للعمل العسكري ضد النظام السوري أن يحصل، فلاشك أنه انطلاقاً من هذه المسؤولية. أما الحؤول دون ردعه ومعاقبته، فلابد أن يعني موت المجتمع الدولي، وبالتالي فتح الطريق إلى مجازر كيماوية يومية، هذه لحظة دولية فاصلة بالنسبة إلى روسيا، ولا مجال بعدها للاستمرار على النهج السلبي اللاإنساني نفسه. طبعاً، ليس متوقعاً منها أن تنقلب رأساً على عقب، لكنها يمكن أن تستحصل من النظام على التنازلات اللازمة لجعل أي حل سياسي ممكناً وواقعياً، هذا هو المخرج الوحيد لإثبات أن روسيا لا تزال تنتمي إلى المجتمع الدولي وقيمه، سواء ضرب النظام السوري أم لا، فمن لا يردعه عقله أو أخلاقه أو أصدقاؤه وحلفاؤه لابد أن يأتي أحد آخر لوقف جرائمه. عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©