الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألف··· لام-مصطفى سعيد

ألف··· لام-مصطفى سعيد
4 مارس 2009 23:11
رحل الطيب صالح وسيظل مصطفى سعيد شاهدا على أن الروائي الفذّ هو ذاك الذي يتمكّن من خلق شخصية تختزل عصرها وجيلها وتجسّد تناقضات زمانها· وإنه لأمر مذهل محيّر فعلا أن النقاد العرب خلعوا على الطيب صالح لقب ''عبقري'' الرواية العربية وذهبوا في تحليل رائعته ''موسم الهجرة إلى الشمال'' كلّ مذهبٍ وتصرّفوا فيها كلّ متصرَّفٍ دون أن يقع تبيين مكمن العبقرية وتجلّياتها في نصوصه· لا سيما أن أغلب الدراسات النقدية والبحوث الجامعية التي تناولت أعماله قامت، في أغلب الأحيان، بإفقار منجزاته وتحويلها عن مقاديرها فيما هي تظنّ أنها ترصد الإضافات التي رفد بها السرديات العربية· لقد تمّ اختزال ''موسم الهجرة إلى الشمال'' مثلا في ما سمي بالصراع بين الشرق والغرب والاغتراب· تمّ التركيز أيضا على الجانب الأيروسي في الرواية· وتناولت بعض الدراسات النكهة السودانية التي برع الطيب صالح في تصويرها وإخراجها من العتمة إلى النور· غير أن هذه الدراسات لم تتمكن في رأيي من الوقوع على أهم منجزات روائي نجح في خلق شخصية أنموذج· وإنه لأمر غريب أن الجوائز العربية الكبرى قد أخطأت الطيب صالح· لم تلتفت إليه فجحدت فضله عن قصد أو دون نيّة· والحال أنه ثاني روائي عربي ينجح في ابتداع شخصية روائية تعبّر عن مرحلة تاريخية بأكملها· كان نجيب محفوظ سباقا في تحقيق هذا الأمر· يكفي أن نعيد قراءة كل أعمال نجيب محفوظ على كثرتها وتعدد شخصياتها وسندرك أنه لم يتمكّن إلا في الثلاثية من خلق شخصية أنموذج هي شخصية ''سي السيّد''· وهذه الشخصية إنما جاءت تؤرّخ لعالم يأفل· إنها التجسيد الفعلي لذهنية ذكورية في عالم مُتقادِمٍ يتفككّ تحت مفعول التحولات الاجتماعية والثقافية· إن ''سي السيد'' هو التجسيد للذهنية الرجالية الذكورية العربية القديمة التي ما يزال البعض منا يرفض أن يمنحها فرصة المُضيِّ· لم يتطلّب الأمر من الطيب صالح كمًّا هائلا من الروايات كي يحقّق هذا الإنجاز الفذّ· ذلك أن شخصية مصطفى سعيد هي الأمارة على أننا في حضرة روائي كبير· إن مصطفى سعيد هو التجسيد الفعلي للأجيال العربية الجديدة كلها· إنه جامع لأحلامها وتناقضاتها· وهو البؤرة التي تلتقي فيها الفجائع والانكسارات التي ستظلّ الأجيال العربية ترزح تحتها· إنه الإباء وهو الانكسار· وهو الفرد المنتمي لطموحاته والمعبّر عن طموحات أمة بأسرها· إن مصطفى سعيد هو نحن أبناء هذه الأجيال التي كلّلت أيّامها بالدياجير·· وعلى هذا جريان الروايات الكبرى في العالم· لقد خلق سرفانتيس شخصية ''دون كيشوت'' وكان ذلك مجده العظيم· وخلق الروائي الفرنسي فلوبير ''مدام بوفاري'' فكان ذلك فتحه العظيم· وخلق تولتستوي شخصية ''أنّا كارينينا'' فكانت طريقه إلى مزيد من الأمجاد· وقديما نجح الهمذاني في خلق شخصيتين هما عيسى بن هشام وأبو الفتح الاسكندري فكانا طريقه إلى البقاء
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©