الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السينما المصرية بين معالجتها لقضية «التحرش» ومسؤوليتها عن تفاقمها

السينما المصرية بين معالجتها لقضية «التحرش» ومسؤوليتها عن تفاقمها
26 سبتمبر 2014 20:55
تناولت السينما المصرية قضية التحرش الجنسي، بطرق اتسمت بقدر كبير من المصداقية، وارتبطت بانتشار الظاهرة في الشارع المصري، وظهر وكأن الشاشة الكبيرة كانت أكثر أمانة مع المجتمع من بعض مراكز الأبحاث والدراسات الاجتماعية، والمفترض أن تدرس الظاهرة وتحللها تمهيداً لتطبيق توصياتها، في حال ما إذا كانت هناك دولة حية تدير شؤون شعبها، ولا تقف لتشاهد الانهيار. قدمت السينما المصرية على مدار تاريخها العديد من الأفلام التي ناقشت العنف الجنسي ضد المرأة بكل أنواعه، خاصة التحرش الجسدي واللفظي، ومن تلك الأعمال فيلم لا يكاد ينساه أحد وهو «بين السما والأرض» للمخرج الكبير صلاح أبو سيف عن قصة للكاتب نجيب محفوظ، والذي قام ببطولته الفنان محمود المليجي، وعبد المنعم إبراهيم، والفنانة هند رستم، ونخبة من النجوم أواخر الخمسينيات. وهذا الفيلم المبكر لمخرج الواقعية وعن قصة لكاتب واقعي، درس المجتمع المصري بشخصياته وتناقضاته، وهو أول الأعمال التي وضعت المتحرش في المجتمع تحت المنظار السينمائي، كونه يتضمن شخصية المتحرش صراحة من دون مواربة، كما يتضمن شخصية «متحرش» آخر لعبها ببراعة الفنان الكوميدي عبد المنعم إبراهيم، ما يعني أنها جوهرية في الفيلم، الذي يروي قصة التناقضات الطبقية التي تحتاج إلى حل، حيث التقى بعض الأغنياء والأفندية والموظفين الصغار ومختل عقلياً وربة بيت وطالبة وخادم وطباخ وإقطاعي سابق ولص في رحلة أسانسير واحدة، تعطل لعدة ساعات ليكشف داخله صراعات المجتمع المصري كلها. ظاهرة الاغتصاب وكان المتحرش الأول في السينما المصرية قد لعب دوره الفنان القدير سعيد أبو بكر، وكان موظفاً صغيراً وهامشياً جداً، فاته قطار الزواج أو كاد ولا يجد أمام هذا الحرمان، إلا أنه يمارس التحرش كنوع من الانتقام المزدوج من المجتمع الطبقي الذي حرمه من صنف النساء الذي لا يستطيع أن يطوله، في ظل انفتاح ملابس النساء في هذا الزمان والتي عكستها أزياء الممثلات، حيث ضم الفيلم عناصر نسائية جميلة من كل الأعمار كانت ملابسهن مثيرة ومكشوفة الصدر على الأقل. وفي العام الذي أنتج فيه «بين السما والأرض» كانت ظاهرة الاغتصاب محوراً لأحداث فيلم كبير آخر هو «دعاء الكروان» عن قصة لعميد الأدب العربي طه حسين، حيث يبدو البطل القاهري الذي يعمل في الريف رجلاً يقتل وقته مع الخادمات، حيث تضمنت أحداث الفيلم مشاهد «تحرش» أيضاً من دون أن يمنحها أولوية في التناول، بقدر ما منح الفرصة لمناقشة مفهوم الاغتصاب والقدرة على الانتقام من هذا المغتصب. وبينما ارتفع مستوى الفرد الاجتماعي في الستينيات والسبعينيات، وازدادت ملابس النساء في القاهرة وبعض المدن قصراً وانفتاحاً، اختفت ظاهرة التحرش في السينما المصرية أو كادت، حيث انفتحت أفلام المقاولات على مشاهد عري رخيصة كرّست لفكرة الإغراء على المكشوف وإن تضمن بعضها مثل «احنا بتوع الأتوبيس» مشهداً أو أكثر، يعكس ظاهرة التحرش على استحياء خصوصاً في زحام وسائل النقل العام، كونها لم تكن ظاهرة متجذرة بعد في هذه الحقبة من تاريخ المجتمع المصري. حادثة «فتاة المعادي» وفي حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، اختلف الأمر كثيراً فيما يتعلق بتناول السينما المصرية للتحرش بالتوازي مع تبادلات اجتماعية شتى، بدت واضحة، وعلى وقع الحادث الشهير والمعروف بحادثة «فتاة المعادي» تسابق منتجون سينمائيون كعادتهم، لتقديم قصة الاغتصاب على الشاشة، فجاء فيلم «المغتصبون» الذي حمل مصطلحاً صادماً بطولة ليلى علوي، وإخراج سعيد مرزوق، وأيضاً فيلم «اغتصاب» بطولة هدى رمزي، وفاروق الفيشاوي وإخراج علي عبد الخالق، والفيلمان حاولا تقديم الظاهرة الاجتماعية من دون تأصيلها في خلفيات اجتماعية أو سياسية، ما جعلها محض محاولات لاستغلال اهتمام الرأي العام بالواقعة التاريخية من أجل تحقيق مكاسب مضمونه في شباك التذاكر. وباستثناء أفلام قليلة، لم تقترب سينما التسعينيات الغارقة في الكوميديا من قضية التحرش، سوى في مشاهد قليلة تعكس المزاج الذي خلقه تيار الكوميديا السائد منذ أطلق محمد هنيدي سلسلة أفلامه الكوميدية بـ «صعيدي في الجامعة الأمريكية»، وباتت الظواهر الاجتماعية يتم تناولها من جوانبها الكوميدية فقط على سبيل تفريغ رسالة السينما من محتواها الاجتماعي، وبدا فيلم المخرج يسري نصر الله عازفاً على وتر استثنائي، متضمناً مشهد صعود الممثل باسم سمرة أحد أتوبيسات النقل العام للتحرش بالإناث كصيد ثمين يحاول النيل منه. التحرش كظاهرة بعد هذه الرحلة الطويلة، من تعاطي كاميرا السينما مع التحرش، باتت أفلام القرن الواحد والعشرين معنية بالتحرش كظاهرة باتت قبل ثورة 25 يناير، واحدة من آفات المجتمع المعقد التركيب لا يمكن فصلها عن انتشار البطالة، ولا يمكن عزلها عن ارتفاع سن الزواج وتضاعف أعداد العانسات وتزايد عدد الساقطات في الشارع، جنباً إلى جنب، مع انتشار ظاهرة أطفال الشوارع التي كانت كلها نتائج طبيعية لانتشار دولة الفساد والتي أدت إلى اندلاع الثورة المصرية. وليس غريباً أن يكون فيلم «678» تأليف وإخراج محمد دياب، بطولة الممثلة نيللي كريم، وبشرى، وباسم سمرة، وماجد الكدواني، الذي أنتج قبل الثورة بحوالي عام، أن يخصص الفيلم أحداثه لمناقشة ظاهرة التحرش، حيث عالجها الكاتب بأن تقرر البطلة طعن أي متحرش بسلاح أبيض في مناطقه الحساسة، كما يرصد الفيلم ردود فعل ثلاث فتيات من طبقات اجتماعية مختلفة يتعرضن للتحرش، الأولى أرستقراطية وزوجة طبيب، والثانية موظفة في مصلحة الشهر العقاري، والثالثة ممثلة ناشئة، وقررن أن يواجهن الأولى بالتوعية، والثانية بارتكاب الجريمة، والثالثة بالسعي نحو اتخاذ إجراءات قانونية والعمل على تغليظ عقوبة التحرش. تغليظ العقوبة ومن جانبه، يقول الفنان محمود ياسين: ظاهرة التحرش مستحدثة على المجتمع المصري الإسلامي الشرقي، وقد جلبتها الفوضى التي مرت بها البلاد على مدار ثلاث سنوات وما سبقها، فعقب ظهور الفساد الإداري في مؤسسات الدولة، ظهرت أيضاً الرشوة الجنسية ومع ظهور العديد من المشكلات كالفقر الزائد في العشوائيات والأمية وكذلك البطالة كل ذلك جعل الشباب ينسلخ من هويته وثقافته الأصلية، وظهرت المشكلة تدريجياً في وسط غياب تعريفات قانونية ودستورية تفنن هذه الظاهرة حتى كانت الثورة وهي بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث عمت الفوضى والزحام والغياب الأمني وأعتقد أن حل المشكلة لابد أن يأخذ أكثر من زاوية، والأولى هي الزاوية القانونية بحيث يكون هناك تغليظ أكبر للعقوبة، الثانية التوعية التي تعني التهديد بحيث تكون هناك برامج تفصيلية بتلك القوانين والعقوبات وهو ما يردع الشباب الذي يفكر في التحرش، وأيضاً التوعية الناعمة من خلال السينما والدراما. بينما يرى الفنان عزت العلايلي، أن هناك أعمالاً سينمائية قدمت هذه الظاهرة بشكل حقيقي ومن زوايا إنسانية ويمكن أن نسميها طرحاً محترماً، وأعمالاً أخرى للأسف قدمتها كسلعة وعمل تجاري فقط. الربح المادي ويشير الناقد السينمائي نادر عدلي، إلى أن السينما حفلت بالعشرات من الأعمال التي عرضت ظواهر العنف ضد المرأة وظهرت هذه الأعمال مع بداية الستينيات في مشاهد اغتصاب وتحرش أبناء الطبقات العليا بالعاملات أو بنات الطبقات الفقيرة، وهناك أيضاً أعمال قدمت مشاهد فجة لم يكن هناك ما يدعو لعملها ويمكن الاستغناء عنها بما لا يخل بالسياق الدرامي وهو ما يعني ان أصحاب تلك الأعمال قصدوا الربح المادي فقط وان كانت ألقت الظلال على المشكلة، ولكن السينما غالباً رغم كل ما تقدم، إلا أنها لا تستطيع الوقوف على المشكلة وحلها لأن هدف صناع السينما عرض القضية والربح المادي أما الحلول فلا تأتي من الوجه الناعم إنما من مؤسسات الدولة. (وكالة الصحافة العربية) الناقدة ماجدة موريس تقول: لا نستطيع اتهام السينما بالدعوة إلى العنف أو التحرش، لأن الأعمال السينمائية تقدم لمجرد التغطية لأكثر من زاوية، أولاً هناك منتجون يقدمون ما يطلبه السوق ويتحدثون بلهجة الربح دون النظر إلى نوع القصة، وهناك آخرون يفكرون بهذا المنطق ولكن القصة والسيناريو يكون تميزهما ضمن اهتمامهم. السينما ليست متهمة * كادر// لا نتهم السينما الناقدة ماجدة موريس تقول: لا نستطيع اتهام السينما بالدعوة إلى العنف أو التحرش، لأن الأعمال السينمائية تقدم لمجرد التغطية لأكثر من زاوية، أولاً هناك منتجون يقدمون ما يطلبه السوق ويتحدثون بلهجة الربح دون النظر إلى نوع القصة، وهناك آخرون يفكرون بهذا المنطق ولكن القصة والسيناريو يكون تميزهما ضمن اهتمامهم. (وكالة الصحافة العربية)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©