الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مناظر الطبيعة في المنمنمات التيمورية.. توثيق مصور للأحداث

مناظر الطبيعة في المنمنمات التيمورية.. توثيق مصور للأحداث
26 سبتمبر 2014 20:55
لم يتخلّ الفن الإسلامي عن طبيعته البراجماتية في منتجاته كافة من التحف التطبيقية من أوانٍ وأدوات وملابس وأثاث، بل وحتى في المنمنمات التي زوق بها المخطوطات، إذ كان الغرض الرئيس منها هو شرح موضوعات وردت بمتن هذه المخطوطات ولا عجب أن نرى المنمنمات خالية من رسوم الطبيعة المفردة إلا فيما ندر، وذلك خلافاً لفن التصوير الأوروبي الذي عني بدءاً من عصر النهضة برسم لوحات تمثل الطبيعة بما فيها من نباتات وأشجار وأنهار وبحار، فالفن في عرف المسلمين عبر حضارتهم التليدة ظل وسيلة لمنح ما يستخدمه الإنسان في حياته مسحة من الجمال وليس هدفاً في حد ذاته. لم تتغير هذه الفلسفة في اتجاه العناية بالمناظر الطبيعية إلا مع بداية غزو تيمورلنك لبلاد فارس وخراسان وآسيا الوسطى، فبدءاً من القرن التاسع الهجري «15م» أخذ المصورون يوجهون عناية خاصة للتعبير عن المناظر الطبيعية فيما يعرف بالنزعة أو الحنين لفصل الربيع، وهو أمر تطور لاحقاً وبعد مرور قرن ونيف من الزمان إلى رسم اللوحات الزيتية التي تعبر عن الطبيعة الخلابة لبلاد الشرق في القرن 19م، وإن كانت هذه اللوحات ذات مسحة أوروبية ظاهرة نتيجة لإتباع قواعد المنظور والعناية بتمثيل الظل والنور. ومهما يكن من أمر، فقد عبرت المنمنمات التي نسخت وزودت بالصور التوضيحية في المدن التي خضعت لأمراء أسرة تيمورلنك عن الأرضيات العشبية والأشجار والنباتات المورقة والمزهرة بصورة تفصح عن الولع بالطبيعة في هذا الفصل بمدن مثل شيراز وسمرقند وتبريز وهراة، ولكن ظلت هذه المناظر الطبيعية تستخدم كخلفية لمسرح الأحداث في الصورة حتى لو كانت هذه الأحداث تعبر عن حروب دامية تسيل فيها الدماء وتزهق فيها الأرواح. ديوان الشعراء ولا يكاد يشذ عن هذه القاعدة سوى عدد يسير ربما يزيد قليلاً على عدد أصابع اليدين من الصور التي أفردها المصورون للتعبير عن الطبيعة وحدها كموضوع وحيد أو رئيسي لصورهم. وأغلب هذه الصور جمعها مخطوط من ديوان الشعراء السبعة نسخ في شيراز حوالي العام 1398 م، إذ يضم 11 صورة كلها لحدائق غناء تخترقها جداول المياه، وقد قام برسمها فنان من ناحية تعرف باسم بهبهان كيلوي قرب شيراز بجنوب بلاد فارس. وقوام هذه المنمنمات رسوم لمناظر طبيعية شديدة التحوير وبعيدة فعلياً عن الطبيعة، إذ هي في حقيقتها مفردات من الطبيعة جمعت معاً وأعيدت صياغتها بشكل زخرفي يعبر عن خيال الفنان بأكثر مما يعبر عن الحقيقة وكأن الغرض الزخرفي قد تغلب كلياً على عمل هذا الفنان المعروف بابن بختيار. تعبر هذه المناظر دائماً عن تلال ذات قمم وحواف مستديرة لونت بألوان أصيلة تعبر عن التناغم اللوني تنساب وسطها جداول تصب في بحيرة، وهي تستخدم لتقسيم الصورة إلى قسمين متشابهين، وفيما عدا لوحة واحدة رسم فيها المصور ثلاث إوزات تسبح بالبحيرة في مقدمة الصورة جاءت جميع هذه المنمنمات خالية من رسوم الكائنات الحية، وهو ما أثار تساؤلات بين علماء تاريخ الفن حول هوية المصور والغرض من هذه المنمنمات، فذهب أحدهم إلى القول: إن المصور كان بوذياً وأراد بهذه الصور أن يعبر عن «خونيرس» البديعة التي تتحدث عن وجودها البوذية في الحياة الآخرة وعارضه آخرون، مؤكدين أن الفنان أراد إعطاء صورة تخيلية عن الجنة، كما يعرفها المسلمون بأشجارها المثمرة والتي مثلت هنا بصورة تجريدية رائعة الجمال. رسوم صينية وفيما عدا تلك الصور هناك لوحة مذهبة تحوي رسما لمنظر طبيعي حافل بالنباتات والأشجار، ولكن بساحة الصورة حيوانات في مناظر افتراس، وهي واحدة من صور مخطوط من الشاهنامة نسخت بشيراز العام 1435 م للسلطان إبراهيم إسكندر حفيد تيمورلنك، وربما يغلب على الظن أنها اقتبست بدرجة أو بأخرى من رسوم صينية، إذ يتجلى التأثير الصيني فيها بوضوح في طريقة التعبير عن الأشجار، وكذلك في رسوم السحب الصينية «تشي» التي تحتل خط الأفق في الصورة. أما المنمنمات التيمورية الأخرى، فلم تخل من تصوير الطبيعة الخلابة كخلفية لموضوعات شتى تجري في الخلاء، بما في ذلك مناظر الصيد والحروب ورغم أن بعض علماء فن التصوير الإسلامي من المستشرقين يرون في ذلك ضعفاً في التعبير عن أجواء المنظر التصويري إلا تلك الحزم النباتية من أوراق وزهور متناثرة في خلفيات الصور تضفي قدراً كبيراً من الجمال الفني على المنمنمات بقدر ما تمنحها شخصيتها الفنية المتفردة، وفضلاً عن العناية بالرسوم النباتية كان الفنانون يهتمون أيضاً برسوم الصخور التي ترسم بطريقة تجعلها أقرب لهيئة الإسفنج إمعانا في التعبير عن الروح الزخرفية للفن الإسلامي. أرضية الصورة ومن أجمل الأمثلة لذلك الكلف بتمثيل الطبيعة ما نراه في صور زودت بها مخطوطة من الشاهنامة نسخت وصورت في شيراز العام 1439 م للسلطان بايسنقر ميرزا ابن شاه رخ حفيد تيمورلنك، حيث نجد على سبيل المثال في صورة مزدوجة تمثل منظر صيد للسلطان، فعلى الرغم من مناظر مطاردة الفرائس وطعنها بالسيوف والرماح عمد المصور إلى ترصيع أرضية الصورة بحزم نباتية منتظمة تتخللها أفرع نباتية ذات أوراق وزهور، وكأن مناظر الصيد تجري في بستان أو في غابة بوقت الربيع. ويتكرر ذات الأمر في صورة تمثل هماي وهمايون في رحلة صيد، ولكن في هذه الحالة مع عناية مفرطة برسوم الصخور شديدة الوعورة والتي تكاد أن تشكل سياجا حول منظر الصيد في خلفية الصورة. وذهب الفنان التيموري إلى استدعاء مناظر الطبيعة إلى المناظر الداخلية بإضافة حديقة غناء للمناظر التي تتضمن أحداثا داخل القصور ليفرغ عنايته بالرسوم النباتية من أشجار وأوراق وورود ملونة في تلك الرسوم المعبرة بصدق عن طبيعة فصل الربيع في تلك المدن الشمالية التي حكمها أمراء الأسرة التيمورية. فنرى في صورة شاهنامة بايسنقر تمثل «لهراسب» يعتلي كرسي العرش جزءاً من حديقة القصر، وقد رصعت أرضيتها بحزم نباتية تتقدم شجرة مثمرة في خلفية الصورة ونرى ذلك أيضاً في منظر غرامي من مخطوط من الشاهنامة نسخ في مدينة تبريز العام 1481 م وكأن القاعة بها جدار زجاجي يكشف عن أشجار ونباتات حديقة القصر. ظل الاهتمام برسوم الطبيعة ينمو في صور المدرسة التيمورية ليبلغ قمة نضجه في عهد السلطان حسين ميرزا بايقرا حاكم هراة والذي ظهر في مرسمه الملكي الفنان الكبير كمال الدين بهزاد ليساهم في رسوم عدة مخطوطات تنسب لفترة حكم هذا السلطان. ولا جدال أن رسوم مناظر الطبيعة في المنمنمات التيمورية قد مهدت لظهور اللوحات الزيتية التي تمثل الطبيعة فيما تلا ذلك من عصور. إضاءة ظل الاهتمام برسوم الطبيعة ينمو في صور المدرسة التيمورية ليبلغ قمة نضجه في عهد السلطان حسين ميرزا بايقرا حاكم هراة والذي ظهر في مرسمه الملكي الفنان الكبير كمال الدين بهزاد ليساهم في رسوم عدة مخطوطات تنسب لفترة حكم هذا السلطان. ولا جدال أن رسوم مناظر الطبيعة في المنمنمات التيمورية قد مهدت لظهور اللوحات الزيتية التي تمثل الطبيعة فيما تلا ذلك من عصور.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©