الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سحر الشرق أول معرض من نوعه يصل إلى العرب عبر متحف الشارقة

سحر الشرق أول معرض من نوعه يصل إلى العرب عبر متحف الشارقة
4 مارس 2009 22:56
orientalism السياق الفني تحديداً، إلى جغرافيا ذهنية ونوستالجية تبدو وكأنها تعيش في منطقة مغايرة لجغرافيا الواقع، ومرد هذا التجاوز والقفز في دلالات الكلمة ربما يعود إلى عنصر التخييل المسنود بالتفسيرين الأدبي والعاطفي للمصطلح والملتصق ببلدان باتت مقرونة في المخيال الغربي بالفردوس الصوفي المتخيل والمرتبط بقصور الحريم وفنون العمارة المميزة، والعوالم السحرية والطقوس الدينية والمرويات المدهشة التي روجت لها الأدبيات الحكائية وأشهرها على الإطلاق كتاب ألف ليلة وليلة، وما سببه هذا الكتاب بالذات من انقلاب خطير في مفهوم (اللذة الروحية) المفتقدة غربياً، خصوصاً في الوثائق الأدبية والأسفار الداخلية المغلقة للرحالة الأوروبيين في نطاق بلدانهم· لكن الانحرافات التي لامست مصطلح الاستشراق ظهرت مع المد الكولينيالي والاستعماري والتفسير اللاهوتي المجاور لهذا المد، كما أن صعوبة تحديد الولادة الحقيقية للمصطلح ساهمت بدورها في تأجيج اللبس والخلاف حول نشأة (الاستشراق) فبعض المؤرخين يعودون به إلى أيام الدولة الإسلامية في الأندلس، في حين يعود به آخرون إلى أيام الصليبيين، بينما يرجعه كثيرون إلى أيام الدولة الأموية في القرن الثاني الهجري· وأنه نشط في الشام بواسطة الراهب يوحنا الدمشقي John of Damascus صاحب الكتابين الشهيرين: ''حياة محمد'' و''حوار بين مسيحي ومسلم''، وقد بدأ الاستشراق اللاهوتي بشكل رسمي مع صدور قرار مجمع فيينا الكنسي عام 1312م وذلك بإنشاء عدد من كراسي اللغة العربية في الجامعات الأوروبية· ولم يظهر مفهوم الاستشراق في أوروبا إلا مع نهاية القرن الثامن عشر، فقد ظهر أولاً في إنجلترا عام 1779م، وفي فرنسا عام 1799م كما أدرج في قاموس الأكاديمية الفرنسية عام 1838م· الشرق الغامض ومناسبة هذه المقدمة هي استضافة متحف الشارقة للفنون لمعرض (سحر الشرق: اللوحات الاستشراقية البريطانية 1925 ـ 1850) والذي يقام للمرة الأولى في بلد عربي بعد أن طاف بثلاثة بلدان أجنبية هي الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا· وساهمت إدارة المتاحف بالشارقة في إقامة هذا الحدث الكبير الذي يستمر حتى الـ 30 من شهر أبريل القادم من خلال التعاون مع متحف (تيت بريتين) ـ منظم المعرض ـ وبالشراكة مع المجلس الثقافي البريطاني بالدولة ومتحف بيرا في اسطنبول ومتحف الشارقة للفنون· احتوى المعرض أيضاً على عدد من التحف الفنية النادرة التي تم جلبها من العديد من المتاحف والمؤسسات المشهورة لعرضها للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط ومنها مركز تيت ومركز يال للفنون البريطانية ومتحف فيكتوريا وهيئة المتاحف القطرية وصالة اسكتلندا للأعمال الفنية ومتحف هاريس للفنون والمتحف البريطاني· افتتح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة المعرض في الثامن عشر من شهر فبراير الجاري، والمعروف عن سموه اهتمامه الشخصي برسومات المستشرقين الأوروبيين والتي نقلت جانباً سحرياً من انطباعات هؤلاء الفنانين في فترة غامضة وبعيدة من تاريخ الشرق· احتوى معرض (سحر الشرق) على 85 لوحة لرسامين بريطانيين اشتهروا بولعهم الشخصي في ارتياد الأماكن المغايرة لثقافاتهم، وتثبيت انطباعاتهم الشخصية حول هذه الأماكن في لوحات ازدحمت بأجواء وملامح غرائبية تشابك فيها النقل التوثيقي مع الارتجال الفني الحر الذي يضفي مسحة من سحر المرجعيات المبكرة لفكرة الشرق المدهش والمحفوف بالأسرار· وتقول منال عطايا مديرة عام متاحف الشارقة تعليقاً على احتضان الإمارة لهذا المعرض المهم: ''إن متحف الشارقة للفنون يفخر بأنه المتحف الوحيد في الوطن العربي الذي يستضيف معرض (سحر الشرق) الجوّال للوحات الاستشراقية''· وأضافت: ''يرمي المعرض إلى اقتفاء أثر الفنانين الرواد الذين شدوا الرحال من بريطانيا العظمى قاصدين القسطنطينية والإمبراطورية العثمانية والبلدان العربية بحثاً عن عالم لطالما جذبهم وأوقع فيهم مهابته، ونشأت مركبة هذا المعرض الجوال لتعقب المراحل الرئيسية لرحلات هؤلاء الفنانين عبر ثقافتهم وثقافة ما ثبتوه في لوحاتهم من مشاهد شرقية''· ونوهت عطايا إلى أن هذا المعرض يأتي في إطار رؤية الإدارة التي تسعى من خلالها إلى تعميق الفهم والتقدير والاحترام لهوية الشارقة وقيمة تراثيها الثقافي والفني محلياً وعالمياً·· وأضافت أن تنظيم المعرض يأتي في إطار الجهود التي تبذلها الإدارة لتطوير الهوية الثقافية الاجتماعية من خلال تشجيع الفنانين العالميين لعرض إبداعاتهم في دولة الإمارات وخلق حوار ثقافي فني مستمر بما يخدم تقدم الإنسانية ورقيها· وأشادت بالدعم الكبير الذي يقدمه صاحب السمو حاكم الشارقة لإدارة متاحف الشارقة منذ انطلاقتها الأولى إلى جانب رعايته لمعرض سحر الشرق''· استراتيجيات الغريب توزعت مواضيع اللوحات على مساحة جغرافية هائلة امتدت من بلدان بعيدة تعتبر خارج المنظومة الشرقية مثل المغرب ووصلت إلى الحدود الأخيرة لهذه المنظومة والمجاورة للمملكة العربية السعودية، وعرجت على مدن وبلدان مختلفة مثل القاهرة والقسطنطينية ودمشق والبتراء وبيروت والأراضي المقدسة واشتملت محاور المعرض على خمس ثيمات رئيسية هي: اللوحات الشخصية، والمناظر العامة، ومشاهد الحياة اليومية، والعمارة وبيت الحريم وأخيراً الأديان· ففي اللوحات الشخصية تظهر البورتريهات الذاتية للرسامين وهم يرتدون الزي الشرقي وذلك لأسباب فنية تتعلق بإظهار شغفهم الشخصي بتفاصيل وزركشات وألوان هذا الزي، ولأسباب أخرى تتعلق بالشعور بالأمان أثناء التواجد وسط هذه المجتمعات المغلقة التي تنظر للغريب بريبة وشك وحذر ديني وسوسيولوجي، وسعى رسامون آخرون للتستر وراء زي أهل البلد لتيسير خططهم وإجراءاتهم الرسمية في الوصول إلى الأماكن المحرم على الأجانب دخولها ومعاينتها عن قرب مثل المساجد ودور العبادة والأسواق الداخلية، وبدا هذا النوع من اللوحات الشخصية واضحاً في أعمال الرسام فردريك لويس في لوحتي ''سوق خان الخليلي'' و''بائع السجاد'' الذي أنجزهما في العام ·1850 ومن القصص الغريبة التي ارتبطت بهذه اللوحات الشخصية قصة الرسام توماس سيدون مع المستشرق ريتشارد بورتون الذي شد الرحال إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة في موسم الحج عام 1853 متنكراً في زي طبيب أفغاني، والتقى الفنان سيدون ببورتون عقب إكمال رحلته، ورسمه في رداء عربي كامل، وقد ألحقت هذه الصورة بروايات بورتون الشخصية حول رحلة الحج والتي نشرت في العام 1855 ورغم قلة عدد الأوروبيين الذين زاروا الأماكن المقدسة في السعودية إلا أن روايات بورتون المسهبة كانت ثرية ومفعمة بالتفاصيل وهو ما أدى إلى بلوغه الشهرة كأحد الرحالة الجريئين في الأوساط الأوروبية· أما لوحات المناظر العامة التي احتضنها معرض (سحر الشرق) فاشتملت على مشاهد بانورامية للآثار الشهيرة والأطلال البائدة في بلدان مثل سوريا ولبنان ومصر، فالفنان جورج بويس قام برسم الأهرامات في العام 1861 مستخدماً الألوان المائية المتناغمة مع هيبة المكان ومع العمق التاريخي السحيق لهذه المعالم الذي يختلط فيها الواقع مع الخرافة، ويتداخل فيها الحقيقي مع المتخيل، أما الرسام دافيد روبرتس فقد استفاد من الرسومات التحضيرية التي أنجزها العام 1839 في لبنان في إنهاء عمله الكبير: ''بقايا معبد الشمس في بعلبك'' الأقرب إلى الرسوم المعمارية ذات الخطوط الهندسية الواضحة· انخطافات روحية وفي اللوحات المتعلقة بالعمارة وبيت الحريم تبرز واجهات البيوت البسيطة بشرفاتها ومشربياتها المتقنة، أما التصاوير المتعلقة ببيت الحريم فكانت تنبع مباشرة من المخيلة الاستباقية والمغلوطة للرسام حول هذه البيوت، لأن الفكرة السائدة حولها كانت تحوم في منطقة الوهم الجنسي والتخيلات الأيروتيكية التي تضع المرأة الشرقية في قالب مكرر وفي حيز مسكون بالخضوع الكلي والمذل أمام الرجل· وفي اللوحات التي ركزت على الجانب الديني كانت مدينة القدس هي محور هذه اللوحات نظراً لما تمثله من أهمية خاصة في الأديان السماوية الثلاثة، وأتت مدن أخرى مثل القاهرة ودمشق لتكمل مشهد التجمعات والمناسبات الدينية التي أغرت هؤلاء الرسامين على توثيقها فنياً والتعبير عن أجوائها الروحية المهيبة من خلال رحلات الحج إلى مكة المكرمة، ومن خلال الطرز المعمارية المميزة لمساجد المدن الإسلامية الكبرى وكذلك من خلال ملامح الوجوه الخاشعة في دور العبادة وفي الانخطافات الروحية لمريدي الطقوس الدينية الخاصة· واستطاعت لوحات المشاهد اليومية في معرض (سحر الشرق) أن تكشف عن جانب مهم من التفاصيل الحياتية والمشاغل اليومية لرجال ونساء المدن الشرقية التي زارها الرسامون البريطانيون، وانجذبوا إلى أجوائها الإكزوتيكية المفعمة بما هو خاص ومختلف، إنها (الغيرية) التي جعلت هؤلاء الرسامين يختبرون عواطفهم الجديدة والخارجة من الضباب البريطاني الكئيب نحو إشراقات لونية حارة ومتوهجة تتعانق فيها الأضواء مع الظلال، وتتعايش فيها الحقيقة مع الغرابة، بحيث تتحول المدن ومعها البشر إلى مواضيع فنية مبهجة بقدر ما هي منتمية لشرق متخيل وغير زائف في ذات الوقت!
المصدر: تشير كلمة -الاستشراق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©