الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لعبة الذاكرة

13 سبتمبر 2011 01:15
عند إجراء بحث بسيط في محرك "جوجل" عن عبارة "بيرل هاربر و9/11" نحصل على أكثر من أربعة ملايين معلومة متعلقة بالحدثين، وهو ربما ما دفع بوش الابن إلى القول في لقاء أجرته معه إحدى المحطات التلفزيونية في الأسبوع الماضي بأن 11 سبتمبر ستبقى موشومة في الرزنامة مثل بيرل هاربر باعتباره يوماً لن ينساه الأميركيون أبداً. لكن ونحن نحيي الذكرى العاشرة للهجمات لا بأس من الرجوع إلى بيل هاربر واستحضار الطريقة التي تذكر الأميركيون بها الحادث بعد عشر سنوات من الهجوم على الميناء الأميركي الواقع بجزيرة هاواي. والحقيقة أن الهجوم على بيرل هاربر لم يحظَ باهتمام كبير في 7 ديسمبر 1951 الذي وافق الذكرى العاشرة من قبل وسائل الإعلام الأميركية، أو على الأقل ليس بالطريقة التي يتوقع البعض، وليس من الصعب تفسير عدم احتفال الأميركيين بذكرى بيرل هاربر التي كبد فيها اليابانيون الأسطول الأميركي خسارة فادحة، ففي عام 1951 الذي يفترض فيه تسجيل مرور عشر سنوات على الذكرى الأليمة تصادفت مع انخراط أميركا في حرب جديدة بشبه الجزيرة الكورية وتوقيعها للتو على معاهدة مع اليابان جعلتها حليفاً رئيسياً وقاعدة أميركية متقدمة في الحرب الكورية. لذا فإن تذكر بيرل هاربر قد يفسد على أميركا حليفها الجديد وينغص عليهما العلاقات المشتركة والمصالح المتبادلة، ولعل أكثر من عكس هذا التوجه الأميركي في الاحتفال بالذكرى العاشرة لبيرل هاربر صحيفة "واشنطن بوست" في افتتاحيتها لنفس اليوم التي ناقشت فيها أهمية اليابان كحليف في الصراع الأميركي ضد الشيوعية بالقارة الآسيوية، وبسبب هذا الصراع كتبت الصحيفة بأنه "يتعين الحفاظ على التحالف الأميركي الياباني دون مشاكل"، متابعة فكرتها "أنه على أفكارنا التطلع إلى المستقبل بدل الماضي ونحن نحيي ذكرى بيرل هاربر". وبعبارة أخرى عليكم أيها الأميركيون عدم تذكر بيرل هاربر والتركيز فقط على الشيوعيين في شبه الجزيرة الكورية، وفي صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" لم تشر صفحتها الأولى في 7 ديسمبر 1951 إلى الذكرى الأليمة، بحيث اهتمت بأمور أخرى تتعلق بالحرب الجديدة، فيما أشارت الصفحة الثانية من خلال أحد الأعمدة إلى الذكرى العاشرة لكن بطريقة مختلفة حيث جاء في المقال "هذا هو اليوم الذي سيلجأ فيه العديد من الأميركيين إلى اجترار ذكرياتهم المملة عما كانوا يفعلونه، أو المكان الذي وجدوا به أثناء الهجوم على بيرل هاربر". ولم تختلف صحيفة "نيويورك تايمز" عن الباقي في تجاهل بيرل هاربر بعد عشرة أعوام على الحادث، فاكتفت صفحاتها بالتطرق إلى الحرب الكورية واندلاع اشتباكات في شوارع طهران بين الشيوعيين "والمدنيين المناهضين للشيوعية". وحتى عند الحديث عن الذكرى المريرة فضلت الصحيفة قراءتها بطريقتها الخاصة، فجاء في الافتتاحية أنه "منذ 7 ديسمبر 1941 لم يكن ممكناً إنكار مهمتنا التاريخية في العصر الحالي"، والمتمثلة حسب الصحيفة في محاربة الشيوعية، قائلة "على امتداد مناطق شاسعة من العالم حيث يعيش الملايين من البشر ما زالت الروح الإنسانية مستعبدة..والمعتدون هم بنفس الشراسة التي كان عليها هتلر"، لكن بالطبع لم يكن هتلر من قاد الهجوم على بيرل هاربر، بل حلفاؤنا اليابانيون. وهكذا قيل للأميركيين في الذكرى العاشرة للهجوم على بيرل هاربر بأن الوقت قد حان لنسيان ما جرى وطي صفحة الماضي وبأنه من غير المجدي أبداً العودة بالذاكرة إلى التاريخ وتذكر الضحايا لأننا في حاجة إلى مساعدة اليابان في حربنا الطويلة ضد الشيوعية في آسيا. وكما أوضحت المؤرخة "إيميلي روزنبروج" في كتابها "موعد سيعيش" ليست الذاكرة التاريخية للإنسان معطى ثابتاً، فالدروس التي تبدو مهمة في وقت من الأوقات قد لا تبدو كذلك في وقت آخر، لذا تبقى الذاكرة، حتى الأحداث غير القابلة للنسيان منها، عرضة للتحول حسب الظروف المستجدة، وهو الأمر الذي سرى على بيرل هاربر قبل أكثر من نصف قرن كما ينطبق اليوم على هجمات الحادي عشر من سبتمبر قبل عقد من الزمن. الذاكرة كما هو معروف انتقائية في عملية التذكر تركز على ما تريد وتحجب ما تريد حسب المصلحة، أو ما ترسب في ثنايا اللاوعي ولا علاقة للحادث المراد تذكره بعملها مهما بلغت فداحته. جون وينر أستاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©