الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المصالحة الأفغانية: غموض واسع وتجاوب محدود

المصالحة الأفغانية: غموض واسع وتجاوب محدود
12 فبراير 2010 20:38
نيل شيا أفغانستان في إحدى القرى الصغيرة الواقعة على حافة الحرب، حيث النساء يتدثرن بملاءات تشبه في زرقتها لون السماء، وحيث يلصق روث الأبقار على جدران البيوت الطينية لتجفيفه... طُلب من الملازم في الجيش الأميركي، توم جودمان، مغادرة المنطقة. فبعدما قال كل ما عنده وبذل جهده، أخبره الأهالي الذين ربما أحسوا بالخطر، بضرورة مغادرة المكان الذي تزوره "طالبان" بين الفينة والأخرى. هذا الطلب عبر عنه بوضوح أحد الأهالي من كبار السن عندما خاطب العسكري الأميركي قائلا: "نحن نفهم ما جئت لتقوله، ونشكرك على ذلك، لكن من الأفضل لسلامتك لو تركت هذا المكان". ومع أن الملازم كثيراً ما يتردد على مسامعه مثل هذا الكلام، إلا أنه لا يمكنه أيضاً إنكار المرات التي نُصبت له فيها الكمائن مع قواته وتعرض لإطلاق النار من قبل المتمردين الذين يكثرون في قرية "كتار كالا" بمحافظة كونار القريبة من الحدود الباكستانية، لذا ربما تكون تحذيرات الأهالي مجرد محاولة للتخلص من الجندي الأجنبي، وقد تكون كذلك تحذيراً صادقاً من خطر محتمل. وقد حل جودمان مع وحدته العسكرية بهذه القرية النائية لنشر الرسالة الأخيرة التي تسعى القوات الأميركية وحلفاؤها إلى إذاعتها بين الأهالي لمواجهة الحرب المتعثرة، والمتمثلة في المصالحة مع "طالبان" وباقي القوى الأخرى التي تحارب الحكومة وقوات التحالف في الأودية الضيقة على حواف المحافظات الأكثر عنفاً واضطراباً في أفغانستان. فعندما تولى الجنرال ستانلي ماكريستال المجهود الحربي في أفغانستان خلال عام 2009، شرع في تغيير الطريقة التي تقاتل بها قوات حلف شمال الأطلسي، فبدلا من "جلب المعركة إلى العدو أينما وجد"، كما كان العسكريون يفعلون في السابق، ركز ماكريستال مقاربته على حماية السكان، كما فتح المجال واسعاً للمصالحة بسماحه لبعض المقاتلين بنبذ العنف وإلقاء السلاح وتأييد الحكومة الأفغانية. وهي مقاربة تأمل على يبدو في استقطاب المقاتلين واستمالتهم إلى كنف الدولة. وخلافاً للبؤر الساخنة في الجنوب، لا يتوقع الضباط في المناطق الشمالية رؤية كثير من الجنود الذين بعثهم أوباما إلى أفغانستان في إطار خطته الجديدة، والبالغ عددهم 30 ألفاً. ومع أنه يُفترض بالحكومة الأفغانية تولي مسألة المصالحة وقيادة جهودها، إلا أن ضعفها وانعدام مصداقيتها يصعب من مهمة المصالحة، لاسيما في المناطق البعيدة؛ مثل قرية "كاترا كالا" والقرى الأخرى التي تنشط فيها قوات التمرد، بحيث يقع العبء الأكبر في عملية المصالحة التي أدرجتها الولايات المتحدة ضمن خطتها الجديدة على كاهل القوات المتمركزة في قواعد صغيرة بالقرب من القرى المستهدفة بين الجبال الوعرة، مثل وحدة جودمان. وفي أحد أيام الخميس مؤخراً قاد جودمان رجاله وصعدوا تلة، مروراً بقنوات الري القديمة والجدران الجبلية المتموجة التي تكسوها الخضرة والمزروعات، فيما الأطفال يراقبون الجنود بهدوء وهم يمرون بجانبهم. وعند الوصول إلى وسط القرية، جلس جودمان، وهو رجل طويل القامة وهزيل البنية، تحت شجرة تساقطت أوراقها على حجر كبير أسفلها بات أملساً من كثرة الاستعمال وجلوس أهالي القرية، عليه وجلس في مقابله أربعة رجال يلف كل منهم الوشاح التقليدي حوله ويعتمر قبعة صوفية. وفي حديثه إليهم، كانت الرسالة واضحة: إنه يريد وقف إطلاق النار، قائلا: "إننا فعلا نريد لهؤلاء المقاتلين أن يتصالحوا معنا، أرجوكم انشروا الخبر واقنعوا هؤلاء الرجال بالنزول من الجبال". وفي أعلى الوادي تظهر الجبال والثلوج البيضاء تجلل قممها، حيث يهب هواء منعش ونقي يسلك الطريق نفسه الذي يستخدمه مهربو الأسلحة والمخدرات والمقاتلون بين المنعرجات التي تلتف على الجبال. وتقليدياً مثل فصل الشتاء، ببرودته وعتمته، فرصة لوقف القتال ولانسحاب المقاتلين إلى داخل باكستان للراحة والتزود بما يلزمهم من سلاح ومؤن لمعاودة الحرب في الصيف. لكن يبدو أن برنامج المصالحة الذي يروج له جودمان ورفاقه من الجنود بين القرى الأفغانية، لم يلاق النجاح المنتظر، حيث أن القليل فقط من المسلحين أبدوا اهتمامهم. فالبرنامج مازال جديداً إلى درجة أنه لا يحمل اسماً، ولم تعرف بعد تفاصيله، ومع من ستتم المصالحة، وماذا سيجني المقاتلون إذا ما وافقوا على إلقاء السلاح... لكن مع ذلك يشير الضباط الأميركيون إلى انعقاد مجلس شورى دعا إليه القادة المحليون لمناقشة برنامج المصالحة الذي تقترحه الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية، وقد شارك في الاجتماع بعض الأعيان الذين جاؤوا من أكثر المناطق عنفاً في وادي "بيش"، وهو ما ينظر إليه العسكريون على أنه تحسن في احتمالات المصالحة. لكن بالنسبة لجودمان ورفاقه تبقى ذكريات المعارك الكثيرة التي خاضها في المنطقة أكبر من أن تبددها وعود المصالحة التي لم تتبلور بعد على أرض الواقع، فهو يتذكر الكمائن العديدة التي نصبت لجنوده مؤخراً بين الجبال والصخور، وإطلاق الرصاص الكثيف الذي تعرضوا له وأوقع قتيلين في صفوفهم. ومع ذلك حافظ فريق جودمان على معنوياته العالية، وتمكن من التأقلم مع المعارك التي قلّت حدتها مع حلول فصل الشتاء، وهو ما أتاح لهم فرصة زيارة القرى والالتقاء بالناس والاختلاط بهم، على أمل إقناع الأهالي بنشر رسالة المصالحة التي تركز عليها القوات الأميركية في المرحلة الراهنة من الحرب في أفغانستان. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©