السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

خرطوم الفيل والنيلان والعاصمة المثلثة

1 ديسمبر 2006 02:06
الخرطوم - أيمن جمعة: كانت سعادتي كبيرة عندما دعاني صحفي سوداني تعرفت عليه في المؤتمر الاقتصادي الذي استضافته الخرطوم مؤخراً لاستكشاف فرص الاستثمار في السودان، والذي اغطي فعاليته لجريدة الاتحاد، لحضور حفل زفاف أحد أقاربه· توجهت للحفل الساعة العاشرة مساء بعد انتهاء ارتباطات تغطية المؤتمر، ممنيا نفسي بأمسية سودانية حتى الفجر كما نفعل في مصر· لكنني اكتشفت انني تأخرت كثيرا لان حفلات الزفاف يجب ان تنتهي وبحكم القانون في تمام الحادية عشرة مساء· وتضمنت الطقوس مشاركة العروس التي ترتدي فستانا مكشوفا، في رقصات مع الحضور، وهو ما بدا لي غريبا لان الفتاة السودانية متحفظة جدا في زيها وسلوكها· وعندما حاولت استجلاء هذا التضارب، أبلغني صديقي السوداني ان قسطا كبيرا من السودانيين يحتكم للعادات أكثر من العبادات· فرغم الاجواء الاسلامية التي تغلف المجتمع الا ان هناك عادات لا تمت للاسلام بصلة بل وتنافيه ومع ذلك لا يستطيع كثيرون الافلات منها· وفي ضوء هذا الحوار أدركت سبب ظهور جمعيات سودانية تحمل شعارات تبدو لي غريبة مثل ''تزكية المجتمع''، وعرفت ان هذه الجمعيات تحاول اقناع الجيل الجديد من الشباب بالا يسمح للعادات بان تأتي على حساب معتقداته الدينية· شعب كسول؟! وما كنت لاغادر الخرطوم قبل أن ألقى نظرة على مستقبلها، وأقصد بذلك زيارة جامعاتها· وخلال جولة سريعة بجامعة النيلين والخرطوم، كان أبرز ما لفت نظري خلال الحوارات السريعة انه لا يوجد شاب جامعي سوداني الا ويعمل في مهنة ما بجانب دراسته أو يبحث عن عمل· بل ان طالبا قال لي ان المجتمع السوداني ينظر الى الشاب الذي لا يعمل على انه يرتكب خطأ لا يغتفر· ولكن اذا كان الشباب متحمسا للعمل وجلسات ملتقى الخرطوم تحدثت عن فرص استثمار هائلة بكل القطاعات بما جعلنا نتساءل احيانا عما اذا كان السودان هو واحة الاستثمار في الارض·· فلماذا يعاني السودان من تدهور اقتصادي؟ وهل هذا يعني فعلا ان الشعب السوداني شعب كسول بطبعه ولا يجيد سوى الكلام؟ قال لي صلاح الطيب وهو إعلامي في القنصلية السودانية بدبي والذي رافقنا خلال المؤتمر ''ربما كانت هذه الصورة صحيحة في مرحلة سابقة حيث كان الابناء يطالبون الاب بتوفير كل ما يحتاجون اليه حتى الى ما بعد زواجهم، ولذا كان نادرا ان تجد سودانيا غنيا لان الايدي العاملة قليلة وتتولى كفالة اعداد كبيرة من السكان·'' ومضى يقول ''وربما عزز من هذه الصورة السلبية عزوف السودانيين عن الزراعة وهي المصدر الاساسي للناتج القومي وذلك لعدم توفر التقنية او الخبرة او التمويل، ولذا يكون المحصول ضعيفا ولا يحقق المردود المجزي، فيهجر المزارع أرضه ويبحث عن الرزق في الخارج· والصورة الان مختلفة مع تدفق الاستثمارات والخبرة الاجنبية·'' ثروات السودان وعندما جمعني لقاء مع السميح الصديق النور وزير الدولة السوداني للاستثمار، سألته عما اذا كان السودان بالفعل يملك ثروة حيوانية أو أنه قادر على ان يكون سلة غذاء العالم العربي، خاصة وان سعر كيلو اللحم في الخرطوم أغلى منه في ابوظبي، فأجابني ''نحن بالفعل نمتلك ثروة حيوانية ضخمة لكن المشكلة اننا نربيها لاغراض ربما تتعلق بالوجاهة واتساقا مع التقاليد ونقوم بهذه التربية بشكل لا يتسق مع العلم والتكنولوجيا وبما لا يعود على المجتمع بفائدة اقتصادية، ونحن نحاول حاليا تغيير هذه السلوكيات·'' ومضى يقول ''الشعب السوداني أشبه برجل يملك غرفة مليئة من الذهب لكنه لا يملك الخبرة او المال اللازم للاستفادة منها· لدينا ثروات من كل شيء بما في ذلك اليورانيوم ولكننا لا نملك الموارد الكافية لاستغلالها·'' وكأن الاقدار أبت ان ينتهي ملتقى الخرطوم دون ان يترسخ في ذهني مفهوم ''طيبة الشعب السوداني''· ففي اليوم الاخير ألقى أربعة وزراء سودانيين كلمات حول نتائج المؤتمر وتوصياته، لكنهم جميعا تقدموا باعتذارات بدت لنا صادقة عن أي خلل أو نقص قد يكون شاب أعمال المؤتمر وسبب ضيقا لاي مشارك أو ضيف· وخلال حفل عشاء على ضفاف النيل لتوديع الضيوف، جمعتني المائدة مع مدير مصلحة الضرائب، الذي وجدته يقطع حديثه معي بشكل مفاجئ ويتوجه مع مجموعة من السودانيين الى مائدة مجاورة وبدا وكأنهم يبحثون عن شيء مفقود· وبعدما عاد الى المائدة·· قال لي ببساطة·· سقطت نظارة أحدهم وكنت أساعدهم في البحث عنها·· ثم أكمل حديثه وكأن شيئا لم يكن· وفي طريقنا للعودة الى الفندق قالت لي صحفية انجليزية، ''لم يسبق ان رأيت مشهدا كهذا في حياتي·· انهم من أطيب الشعوب في العالم وأنا أعرف بعض المستثمرين الاجانب الذين حضروا للعمل في السودان ثم قرروا الاستقرار فيه بشكل نهائي·''
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©