الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العنف اللفظي تجاه الأبناء يؤثر على تكوينهم النفسي والانفعالي

العنف اللفظي تجاه الأبناء يؤثر على تكوينهم النفسي والانفعالي
8 سبتمبر 2013 15:42
تعتبر الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى التي ينمو فيها الطفل، ويكتسب من خلالها معايير الخطأ والصواب، ولكن كيف إذا تحولت هذه المؤسسة المهمة إلى ساحة لممارسة مختلف أنواع العنف نتيجة للتصرفات السلوكية بين الزوجين، ونتيجة تسليط العنف اللفظي على الأطفال، وبأسوأ الحالات تمتد على الأبناء، ما ينتج شخصيات مجتمعية غير إيجابية، ومما لا شك فيه أن ضرب الطفل يؤلمه، ويترك كدمات وندبات على جسمه، ولكن هناك شكلاً آخر من أشكال إساءة المعاملة التي لا يتحدث عنها الناس كثيراً، وهي العنف اللفظي الموجه للأطفال، والذي يسبب جروحا لا ترى بالعين، ولذلك لا أحد يعرف ما يحدث للطفل، ما أثر هذا العنف اللفظي على الطفل؟ وكيف يمكن تثبيت ودعم سلوكيات الطفل الإيجابية؟ لكبيرة التونسي (أبوظبي) - يقول محمد علي، وهو مهندس تحلية مياه، إنه تعرض وهو صغير لكمية كبيرة من العنف اللفظي، صدرت عن والده وأعمامه، بحيث كانوا يلقبونه بالغبي، وبعديم التربية، وارتبط اسم أهله بهذه الكلمات التي تركت جروحا غائرة في ذاكرته، لكن محمد استطاع تجاوز كل هذه المنغصات ورفع التحدي ليتبوأ أحسن المراكز، بل ليقول كلمته في مجتمعه، بحيث أصبح مخترعا لأجهزة عدة في مجال تصفية الماء وأسس شركة كبيرة في هذا الإطار، أصبحت تنافس عالمياً، هذه تجربة الناجحة قد لا تنطبق على كل شخص، بحيث يحول كل السلبيات لإيجابيات، بل هناك من تكون شخصيته هشة سهلة العطب مما يؤثر هذا العنف على حياته المستقبلية من خلال تثبيت الألفاظ السيئة التي تلقاها، ويصبح تلقائيا يؤمن بها، ينتج عن ذلك إنسان غير صالح للمجتمع بعد أن تبلورت شخصيته في وسط أسري سيئ. أنواع العنف اللفظي تشدد الاستشارية التربوية وخبيرة التدريب الدكتورة إيمان صديق على ضرورة تجنب التلفظ بالكلمات القاسية على الطفل، وتعزيز السلوك الحسن فيه، لما لذلك من انعكاس على نموه السليم وعلى شخصيته، محذرة الوقوع في الخطأ بإنتاج أجيال غير صالحة في المجتمع، وتضيف «تتنوع أشكال العنف اللفظي التي يستخدمها الآباء وتشمل إطلاق أسماء على الطفل أو استخدام لغة سوقية، بالإضافة إلى انتقاده باستمرار، والرفض أو التهديد بترك الطفل أو تمني عدم وجوده وإشعاره بأن الأسرة لا تريده، والتهديد بالضرر الجسدي كتهديد الطفل بضربه، ما يزيد مخاوفه، وإلقاء اللوم البالغ عليه، بحيث أن لومه الدائم يمنحه الشعور بأنه شخص سيئ يفعل الخطأ باستمرار، واستخدام السخرية والتهكم عليه مما يحط من اعتداده بنفسه». ومما لا شك فيه أن آثار العنف اللفظي على الأطفال بالغة جداً، لأن الطفل في محاولته التغلب على الشعور بأنه غير مرغوب فيه، يحاول أن يتكيف مع آثار الشتائم من أعز وأقرب الأقرباء له، ويتوافق هذا التحليل مع ما نشرته الدورية الأميركية للطب النفسي، حيث كشف أن الإساءة اللفظية في الطفولة يمكن أن تجرح الأطفال بشدة. وتضيف صديق في هذا الإطار «من آثار العنف اللفظي على الطفل ما يلي: تدني مستوى الاعتداد بالذات أو عدم الثقة النفس، واكتساب تدمير الذات مثل إيذاء نفسه عن طريق قطع الجلد بآلة حادة، والسلوك المعادي، وقد يظهر ذلك كرد فعل لدى بعض الأطفال من خلال إظهار سلوك عدواني، بضرب الأطفال الآخرين أو الشجار الدائم مع غيرهم من الأطفال، كما أن سوء المعاملة المستمر قد يؤثر على نمو الطفل جسمانيا، واجتماعيا، وأكاديميا أو عاطفيا، وقد يبدأ الطفل بإظهار علامات الاضطراب العاطفي مثل مص الإبهام أو التبول اللاإرادي أو عدم التفوق الدراسي». توضح أن هذه السلوكيات تظهر على المدى القصير، وهناك ما لا يتبلور إلا على المدى الطويل إذ أظهرت الدراسات أن الطفل قد يكون عرضة للاكتئاب والقلق عند الكبر، بحيث إن بعض الأطفال قد يلجأون للعنف كوسيلة للتفاهم. تعطيل طاقات الإبداع قد يؤدي العنف اللفظي أو الإساءة اللفظية إلى إعاقة النمو العاطفي للطفل، ويفقده إحساسه بأهميته واعتداده بنفسه، ويؤدي إلى تعطيل طاقات الإبداع لديه، وشعوره المتكرر بعدم القدرة على تحمل المسؤولية والشعور بالضعف، وتوضح الدكتورة إيمان صديق أنه من الصعب جدا تحديد العنف اللفظي إن وجد، لأنه لا توجد له علامات ظاهرة مثل علامات أو كدمات أو أي من الأشكال الأخرى التي يحدثها العنف البدني. وحول عوامل الخطر التي يمكن أن تبين أن الطفل قد يكون أكثر عرضة لسوء المعاملة العاطفية، تقول صديق «إنها تتمثل في وجود تاريخ للعنف اللفظي في الأسرة أو الحصول على نتائج ضعيفة في المدرسة أو أن يكون الطفل معزولاً اجتماعياً أو أن يظهر على الطفل سلوك معادٍ للمجتمع، كما أن هناك العديد من المؤشرات السلوكية التي تدل على تعرض الفرد للإساءة اللفظية أثناء طفولته منها: السلوكيات الطفولية، العدوانية المفرطة، السلوك المخرب والهجومي مع الآخرين، مشكلات النوم، اضطراب الكلام، عدم الاندماج في نشاطات اللعب، صعوبة التفاعل مع الآخرين، الاضطرابات النفسية كالانفعالات الحادة والوساوس والمخاوف والهستيريا، وصف الفرد ذاته بعبارات سلبية، الخجل والسلبية، سلوكيات التدمير الذاتي، تعطيل طاقات الإبداع والابتكار لدى الطفل، عدم القدرة على تحمل المسؤولية، والشعور بالضعف». خطوات التجنب تشير صديق إلى أن هناك أخطاء وممارسات شائعة في تربية البنين والبنات تقع أحياناً عن جهل وأحياناً عن غفلة وأحياناً عن عمد وإصرار، مؤكدة أن لهذه الممارسات الخاطئة آثاراً سلبية على استقامة الأبناء وصلاحهم، من ذلك: «تحقير الولد وتعنيفه على أي خطأ يقع فيه بصورة تشعره بالنقص والمهانة، والصواب هو تنبيه الولد على خطئه إذا أخطأ برفق ولين، مع تبيان الحجج التي يقتنع بها في اجتناب الخطأ». وتضيف «إذا أراد المربي زجر الولد وتأنيبه ينبغي ألا يكون ذلك أمام رفقائه وإنما ينصحه منفرداً عن زملائه، وتجنب احتقار الأولاد وإسكاتهم إذا تكلموا والسخرية بهم وبحديثهم، ما يجعل الولد عديم الثقة بنفسه قليل الجرأة في الكلام والتعبير عن رأيه، وكثير الخجل أمام الناس وفي المواقف الحرجة. ومن أخطر ما ينعكس على نفسية الطفل هو أن تبث فيه الإحساس بالذنب عن طريق تحقيره أو حمله على الخجل من نفسه؛ فالفكرة التي تغرسها في الطفل أن به نقصا لن يفلح في علاجه مهما يحاول، وأنه لهذا يستحق العقاب، ويعتبر ذلك من أسوأ ما يمكن أن يغرس في نفس الطفل، ويلحق الضرر بكيانه العاطفي، ومع ذلك فإن الأشياء التي يحقر الآباء أبناءهم بسببها ربما عانوا من أجلها مرارة الإحساس بالذنب في صباهم على أيدي آبائهم، ويجب أن يعلم الوالدان أن سوء معاملة الأبناء يؤثِّر تأثيرا كبيرا في شخصياتهم المستقبلية، ومن مظاهر ذلك: ضعف الثقة بالنفس، حيث إن ثقة الفرد بنفسه وقدراته عامل مهم يؤثِّر في شخصيته وفي تحصيله وإنجازاته، وقد أشارت كثير من الدراسات إلى أن هناك ارتباطا كبيرا بين مفهوم الذات والتحصيل الدراسي، فالطفل الذي يفتقد إلى الثقة بالنفس يخاف من المبادرة في القيام بأي عمل أو إنجاز لأنه يخاف الفشل والتأنيب، لذا تراه مترددا في القيام بأي عمل، حيث إن الأبناء يشعرون بالإحباط إذا ما تهدد أمنهم وسلامتهم، ويرى ماسلو أن الإحباط الناشئ عن التهديد واستخدام كلمات التحقير أمام الزملاء والاستهزاء بقدراتهم وعدم إشباع حاجاتهم السيكولوجية يؤثِّر تأثيراً كبيراً في سلوك الطفل»• وتضيف «العقاب الذي يوقعه الوالدان على الطفل يزيد عدوانيته وشراسته، وقد يكون رد فعل الطفل الإمعان في سلوك العدوان على الآخرين. والشعور بالقلق وعدم الاستقرار النفسي والتوتر والخوف من العقاب، فضلاً عن الشعور بالعجز والنقص والصراع الداخلي، ومن مظاهره أيضا المشكلات النفسية والسلوكيات الطويلة الأمد مثل الخوف الشديد، الهلع، والسلوك المضطرب أو غير المستقر، ووجود صور ذهنية أو أفكار أو إدراكات أو ذكريات متكررة وملحة عن الصدمة، والأحلام المزعجة (الكوابيس) أثناء النوم، السلوك الانسحابي، الاستثارة الزائدة، صعوبة التركيز، وصعوبات النوم». الإناث الأكثر تأثراً أثبتت دراسات أن أشكال الإساءة للطفل لا تحدث مستقلة عن بعضها بعضاً إلا بنسب قليلة من الحالات، والأغلب أنها تحدث بالتسلسل، فقد وجد أن الإساءة اللفظية يتبعها عادة إهمال عاطفي، كما أن الإساءة اللفظية مرتبطة بشكل عالٍ بالإساءة البدنية، وتذكر الدراسات والمراجع أن الإساءة اللفظية للطفل تزداد أو تنقص باختلاف متغيرات معينة تتعلق بالأسرة والبيئة الاجتماعية والاقتصادية وأمور أخرى، إلى ذلك تقول الدكتورة صديق إن نتائج الدراسات والبحوث أظهرت أن الأطفال الإناث كن أكثر تأثراً بالإساءة اللفظية من الذكور في حين أن الأطفال الذكور أكثر تعرضاً لتكرار الإساءة اللفظية من الإناث، وقد هدفت إحدى الدراسات إلى فهم الأسباب التي تجعل الوالدين يسيئون لأطفالهم وعلاقة ذلك بالطريقة التي تم الإساءة بها إليهم، و قد شملت خمسة أنواع من الإساءة للأطفال وهي: الإساءة اللفظية، الجسمية، الجنسية، الإهمال الجنسي، الإهمال الانفعالي، وأشارت النتائج إلى وجود ارتباط إيجابي مرتفع بين شكل الإساءة التي تعرض لها الأبوان من قبل آبائهم سابقاً مع شكل إساءتهم لأطفالهم في الوقت الحاضر. مؤشرات علمية تصف الرابطة الطبية الأميركية العنف اللفظي بأنه تهديد الطفل، مؤكدة أن من أنواعه الصراخ، الإساءة المتعمدة، التجاهل واللوم أو أي نوع من الكلام الذي يسبب ألماً للطفل، ووفقاً لدراسة أجريت في جامعة فلوريدا على العنف اللفظي، تبين أن الناس الذين تعرضوا لأي نوع من أنواع السباب خلال طفولتهم لديهم أعراض الاكتئاب والقلق أكثر من 1,6 ضعف من أولئك الذين لم يتعرضوا للسباب، ويتضاعف احتمال معاناتهم من اضطرابات القلق أوالمزاج أكثر في حياتهم. وفي دراسة أخرى في جامعة نيو هامبشير، في أميركا شملت أكثر من 3000 أسرة اتضح أن 63% من الآباء أفادوا بحدوث واحدة أو أكثر من حالات العدوان اللفظي تجاه الأطفال في منازلهم، أما في بريطانيا، فقد نشرت مجلة لانسيت الطبية مؤخرا، دراسة أشارت إلى أن 10% من الأطفال يعانون واحداً أو أكثر من مختلف أنواع الاعتداء، بما في ذلك العنف اللفظي أو الجسدي أو الاعتداء الجنسي. وفي دراسة أجريت في جامعة الأحفاد بالسودان، على 75 أماً، وجد أن هنالك صلة بين حدوث العنف اللفظي والوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، مع زيادة واضحة بين الأسر الفقيرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©