الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تاريخ وذكريات للبيع

تاريخ وذكريات للبيع
1 ديسمبر 2006 00:33
يفضل بعض الناس أن يعيش في الماضي، بينما يصر البعض الآخر على العيش في المستقبل· والمعنى الكامن وراء هؤلاء وأولئك هو في طريقة العيش، في السلوك اليومي، وفي الاختيار الثقافي· لكن بين هذين النوعين، هناك أناس منغمسون في الواقع وتجاربه المعاصرة، لكنهم لا يتخلون عن كل ما يمثله الماضي من حضور مستمر· هؤلاء تراهم يترجمون تعلقهم بكل ما سبق بالحرص على امتلاك متعلقاته· هل هي هواية، جمع قطع التراث والآثار والذكريات الغابرة، أم أنها أسلوب حياة؟ ربما هي مزيج من الإثنين· ولو جلت في اماكن بيع قطع التراث والذكريات التاريخية، كما فعلنا، لوجدت تفسيراً حقيقياً لهذه الظاهرة· موزة خميس: اعتاد محمد ناصر على جمع كل ماهو قديم منذ كان في عمر المراهقة، فقد كان يشعر بالفطرة بقيمة الأشياء المهملة أو ما زهد فيه الناس، وأنه سوف يأتي اليوم الذي ستصبح فيها تلك الأشياء نادرة وثمينة· هكذا بدأ محمد رحلة البحث بين الأصحاب والجيران عما أستغنوا عنه من بنادق قديمة مثل ''الميزر'' و''الصمعاء''، وكانت أسعارها تبلغ ما بين الألف درهم و5 آلاف درهم، بالاضافة طبعا إلى المسدسات القديمة، والصناديق المبيتة التي تعرف اليوم بأسم ''المندوس'' وكان الناس يطلقون عليها ''صروتي'' وهي من أثمن وأغلى ما يمكن أن يقدم للعروس بعد الذهب، وتستخدم كبديل عن دولاب الملابس، وتتراوح اسعار هذه الصناديق اليوم بين 3000 آلاف إلى 10,000 آلاف درهم· مخلفات العسكر انتقل محمد بعد ذلك إلى (المحطة) وهي المكان الذي أتخذه الجيش البريطاني مقرا له، فراح يجمع منهم المعدات التي لا يرغبون في العودة بها إلى بلدهم، فحصل حتى على الصناديق التي كانت تستخدم لحفظ العدة المستخدمة في تصليح الأجهزة، كما استطاع الحصول على مدافع كانت تستخدم في الحرب العالمية الثانية ومنها مدافع محفور عليها تاريخ الصنع وهو 1840م وتتراوح أسعارها مابين ال 10,000 آلاف إلى 50,000 ألف درهم· ومحال محمد ناصر ليست الوحيدة المختصة بـ ''بيع التاريخ'' في الشارقة فقد جهزت الحكومة سوق العرصة ليكون مكانا لبيع المقتنيات الأثرية وكل مايتعلق بالتراث أيضا· وفي فروع محال محمد وجدنا الصواني النحاسية والحديدية التي لطالما دارت بين الضيوف في بيوت الشيوخ والأثرياء خلال الولائم، كما أصطفت في محله الجرار الفخارية التي حصل عليها لتكون شاهدا على أكثر من مائتي عام حين كانت تلك الجرار بمختلف أشكالها وألوانها أواني لحفظ الحليب واللبن واللبن الرائب، بالاضافة إلى أكواب لشرب الحليب وحفظ العسل وأوعية لحفظ الحبوب من قمح وشعير ودخن، وأوانٍ لدبس النخل ولحفظ التمور والسمن، وهناك قدور لطهي الطعام، وأباريق تعجز اليد عن حملها كانت تستخدم قبل مائة عام لتسخين الماء أو الحليب· حين تمعن النظر في تلك القطع التي تخص المطبخ فأنت تمعن النظر في مشاهد لقوم كانت تلك الأواني والأوعية هي الأدوات التي تعينهم على الحياة، فتعود بك مخيلتك إلى سنوات لم تعشها لتتخيل كيف كانوا وكيف كانت هيئتهم، وكم كابدوا، وكيف كانت كانت العلاقات الأجتماعية فيما بينهم· السياح أولا يقول محمد أن من يعرفون قيمة هذه القطع هم السياح من مختلف دول أوروبا وأمريكا، ولكن توجد الآن في الإمارات عشرات البيوت التي تضم بين جنباتها قطعا أثرية ثمينة تم أقتناؤها لتجعل من البيوت والقصور متاحف، فهناك جدران أصبحت مزينة بالحلي الفضية العتيقة كلوحات فنية، واحتلت المدافع الصغيرة الأثرية ممرات بعض القصور، وهناك من يهوى جمع الجرار والأواني الفخارية· ويوجد لدى بوأحمد أول آلة لصنع مايعرف بـ (النامليت) وهو مشروب غازي كان كمرطبات اليوم، ولأنه كان يطفح من فوهة العبوة عند فتحتها ويصدر رغوة وصوتا فقد سمي أيضاً (طاش)، فكان الناس يتبارون على من يكون طاش ومن لا يخرج المشروب من القنينة يقال له (ماطاش) وهكذا سمي (طاش ماطاش) أيضا· كما توجد لديه أجهزة رصد الجهات التي كانت تستخدم على البوارج الحربية، وأصطفت في محله أوعية وأكواب وأباريق تحمل صور لملك العراق فيصل عندما كان مراهقا يافعا· هناك الكثير مما يستحق المشاهدة أو الاقتناء حيث يمكن شراء قفل لأحد الأبواب الأثرية التي ربما تتحول لتحفة غالية الثمن توضع داخل إطار لتصبح لوحة، كما يمكن أن يتحول ميزان أثري إلى ما يجعل الركن الخاوي مكانا يذكر بالعدل والحق، ومن على الأرفف الملآى بالغبار تقف دلال القهوة التي لطالما شهدت على مجالس الكرم، أو أستمعت إلى تحاور المجتمعين لتكون أثمن ما يعيد إلى ذاكرة من ستهدى إليه عبق البن والهيل والطيب· وتوجد العشرات من فناجين القهوة وأكواب الحليب وعشرات من الكؤوس التي أستخدمت للماء في الأربعينات أو الخمسينات، وهناك أيضا خزائن يمكن أن تجدد لتصبح قطعة فريدة من نوعها ويمكن لمقتنيها أن يعرض من خلالها قطعا ثمينة· ويقول أبو أحمد أن معظم ما لديه أصلي وأثري، وهناك مقتنيات حصل عليها من دول مجاورة، وبالإضافة لما يوجد في محاله الثلاثة في سوق العرصة وأيضا في السوق المركزي فإنه يحتفظ في منزله بقطع ثمينة لا يستطيع أن يعرضها في هذه المحال كالبنادق والمسدسات الأثرية وأيضا الخناجر التي قد يصل سعر بعضها إلى خمسة آلاف درهم وربما أكثر، كما توجد صناديق صروتي مباعة· وقال محمد ناصر إنه نقل الكثير من الآثار إلى بعض المتاحف في الدولة بناء على طلب المسؤولين، ولكنه لا يزال يحتفظ بالكثير من الثمين والنفيس سواء كان في محاله الثلاثة أو في منزله، ورغم أن هناك المئات من المواطنين الذين يحرصون على شراء القطع النادرة الثمينة، إلا أنه يجد أن الأجانب من أوروبا أكثر اهتماما بإقتنائها· ويعتقد أن الآلاف من القطع قد انتقلت إلى خارج الدولة على مر السنوات الماضية وهي تباع بمئات الآلاف من الدولارات في الخارج، وفي الدولة البعض يعتقد أنها مجرد سلع قديمة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©