الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المسيحيون.. وضغوط الفوضى العراقية

24 سبتمبر 2014 23:40
شفي ذلك الجزء من الخطاب الذي ألقاه أوباما حول مواجهة «داعش» في 10 سبتمبر الجاري والذي لم يحظَ إلا باهتمام محدود، خصص الرئيس الأميركي فقرة منه للحديث عن ضرورة مساعدة المسيحيين وبقية الأقليات التي تم طرد أتباعها من مدنهم وقراهم بشمال العراق للعودة إلى مناطقهم، قائلا «لا نستطيع السماح بأن يُطرد هؤلاء الناس من أماكنهم الموغلة في القدم»، لكن أوباما كان مخطئاً في اعتقاده أن المسيحيين الذين لجأ نحو 120 ألف منهم إلى منطقة كردستان العراق سيعودون إلى مدنهم، بل وحسب ما أكدوا هم أنفسهم لن يرجعوا إلى العراق حتى بعد زوال الفوضى وعودة الهدوء واندحار المتشددين. فقد أمضيت عشرة أيام أتحدث إلى اللاجئين المسيحيين في أربيل، عاصمة إقليم كردستان، حيث أبدوا تصميماً لافتاً على عدم الرجوع إلى الموصل، أو البلدات المجاورة التي تقع في سهل نينوى. وليس السبب راجع فقط إلى المعاناة التي كابدها المسيحيون والآلام التي مروا بها أثناء زحف «داعش» على المناطق الشمالية للعراق، بل وليس أيضاً لأنهم خسروا كل شيء بما في ذلك بيوتهم وأعمالهم واضطروا أحياناً لقضاء أيام محتجزين، مخيرين بين اعتناق الإسلام، أو الموت، وليس حتى لأن جيرانهم في الموصل، وخصوصاً في المناطق الريفية، رحبوا بالعناصر المتشددة ودلوهم على بيوت المسيحيين والأغنياء منهم خاصة، بل لأن ما عاشه المسيحيون خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة ما هو سوى تتويج لإحدى عشرة سنة من الجحيم المتواصل. ولمن لا يملك ذاكرة قوية من المفيد التذكير هنا أن مشاكل المسيحيين بدأت مباشرة بعدة سقوط صدام حسين في 2003، فمنذ ذلك الوقت وهم يتعرضون لمشاكل على يد السُنة التواقين لعودة سيطرتهم على العراق، أو على أيدي الشيعة الذين لم يمنع تقاتلهم مع السُنة استهدافهم للمسيحيين، وكانت أولى الهجمات التي تعرضت لها الأقلية المسيحية في العراق استهداف المحال التي تبيع الكحول، ثم في 2004 زرعت قنابل متفجرة في خمس كنائس في بغداد والموصل أدى انفجارها إلى مقتل خمسة أشخاص، لتتلاحق عمليات تفجير الكنائس وليشرع المسيحيون في مغادرة مناطقهم والهرب نحو كردستان والأردن وسوريا، ومنذ ذلك الوقت فجر ما لا يقل عن ستين كنيسة، كان آخرها في بغداد خلال يوم الاحتفال بأعياد الميلاد المسيحي في السنة الماضية، وبعد استهداف الكنائس تحول الكهنة والقساوسة إلى أهداف سهلة بغرض إيصال رسالة أنه لا أحد منهم في مأمن حتى من يُصنفون في خانة رجال الدين. وهكذا أطلق مسلحون في 2007 بالموصل النار على كاهن كلداني ليقتل على الفور، وفُتح النار أيضاً على ثلاثة من «الشمامسة» لرفضهم الدخول في الإسلام، وخلال السنة التالية اختطف «بول راهو» أسقف الكنسية الكلدانية ، حيث وضعه مختطفوه في صندوق السيارة ليتمكن حينها من الاتصال بهاتفه النقال بالكنيسة ويمنع افتداءه بالمال ليُعثر لاحقاً على جثته ملقاة في قبر حفر على عجل. ولم يقتصر استهداف المسيحيين على رجال الدين، بل امتد أيضاً إلى الأهالي، حيث تلقت النساء تهديدات تطلب منهم عدم الخروج للعمل، فيما تعرضت الأسر لضغوط وتلقت تهديدات بالقتل إن هي لم تدفع المال، وفي بعض الأحيان اختطف الأطفال لابتزاز العائلات، وكل هذه الضغوط والإكراهات التي كابدها المسيحيون في العراق سبقت مجيء تنظيم «داعش». والحقيقة أن هجرة مسيحيي العراق وتدفقهم خارج مناطقهم لم يتوقفا، ولعل ما يدل على ذلك التناقص الكبير في أعدادهم، ففيما كان عدد المسيحيين في العراق يصل في 2003 إلى أكثر من مليون نسمة بات عددهم اليوم لا يتجاوز 300 ألف، هذا في وقت اختفى فيه المسيحيون من مناطقهم التقليدية في الموصل، أو سهل نينوى. لذا كلما توجهت بالسؤال إلى اللاجئين المسيحيين في كردستان عن خططهم المستقبلية يأتي الجواب موحداً هو مغادرة العراق، وهي الرغبة التي تناقض التوجه الغربي والدولي عموماً بالحفاظ على الوجود المسيحي في المشرق العربي وفي مناطق وجودهم التاريخية، حيث ظلوا يعيشون في المنطقة منذ أكثر من ألفي سنة، ومع أن الأمر يدعو للأسف تبقى الحقيقة أن المسيحية في العراق قد انتهت وهو ما عبر عنه أحدهم، قائلاً «نحن نريد العراق، لكنه لا يريدنا». وبرغم استمرار الحاجة إلى المساعدات الإنسانية التي تحدث عنها أوباما في خطابه تبقى المشكلة الأوسع التي يواجهها اللاجئون والمتمثلة في عدم رغبتهم في العودة مجدداً إلى العراق خارج نطاق البحث والمناقشة، وإذا كانت القوانين الأميركية والأوروبية توفر الحماية المؤقتة للاجئين، إلا أنها لا ترقى إلى تقديم حق اللجوء، لكن وفي جميع الأحوال يمكن للغرب توفير المساعدات الاقتصادية التي قد تدفع مسيحيي العراق، وإن كان هذا الأمر غير مرجح، للتفكير يوماً في العودة إلى وطنهم الأصلي، وفي حين استقبلت فرنسا على سبيل المثال عدداً من المسيحيين اللاجئين في كردستان، يبقى على الدول الأخرى القيام تكثيف جهودها لاستقبال المسيحيين ودعمهم. ومع أن هذه الجهود قد تسرع من إخلال العراق من مسيحييه وتؤدي إلى اختفاء المسيحية تماماً من الشرق، علماً أنها لعبت دور حائط الصد ضد التطرف، إلا أنه وفي جميع الأحوال ومهما حصل لتنظيم «داعش» فإنه على الأقل يتعين إنقاذ مسيحيي العراق حتى لو غادروه إلى الأبد. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©