الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المنسوجات الإسلامية تغزل الأسماء والألقاب على نول التاريخ

المنسوجات الإسلامية تغزل الأسماء والألقاب على نول التاريخ
6 سبتمبر 2013 19:55
حظيت المنسوجات بمكانة رفيعة بين منتجات الفنون التطبيقية كافة التي ازدهرت في العالم الإسلامي، لأن إهداء الخلع كان من رسوم البلاط في الممالك الإسلامية كافة مثل تقليد النياشين والأنواط في عصرنا لكل من تريد الدول أن تعبر له عن تقديرها لشخصه أو لأدواره في خدمة المجتمع والدولة. د. أحمد الصاوي (القاهرة) - من المعروف أن الحكومات في عهود الخلافة الإسلامية كانت تمتلك المناسج التي تقوم بنسج أقمشة الخلع وتطريزها أيضاً بالكتابات التي تضم دائماً اسم وألقاب الخليفة وقد تحتوي أيضاً أسماء الأشخاص المراد تكريمهم وإظهار رضاء الخلافة عنهم بتشريفهم بهذا النوع من الخلع وتعرف هذه المناسج الحكومية باسم دور الطراز. أما السبب الآخر لاحتلال المنسوجات مكانتها الرفيعة بين الفنون الإسلامية فعائد إلى عناية المسلمين عبر العصور بكسوة الكعبة المشرفة بحلل سنوية من الأقمشة الفخمة المطرزة بالكتابات والزخارف استمرارا للعادات السابقة على الإسلام في ستر بناء الكعبة بأستار وكسوات كانت دوماً موضع اهتمام المسؤولين عن خدمة البيت الحرام. الكسوات الجديدة وكسوة الكعبة كانت واحدة من بين كسوات عدة اعتنى المسلمون تقليدياً بإرسالها إلى الأراضي المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة حتى أن كسوات شريفة عدة كان بعضها يرسل سنوياً والبعض الآخر يرسل كل سنوات عدة بحسب الحاجة. ونظراً للقداسة الخاصة لكسوات الكعبة كان القائمون على سدانة البيت العتيق يضعون الكسوات الجديدة فوق القديمة واحدة فوق الأخرى إلى أن خُشي في العصر العباسي على بناء الكعبة من ثقل هذه الكسوات المتراكمة فوق بعضها فسُمح بنزع الكسوة القديمة لوضع الكسوة الجديدة، وكان ذلك وما زال يتم في أوقات محددة من كل عام وفي احتفال مهيب. المتاحف العالمية ونظراً لتحكم سدنة البيت في إدارة البيت العتيق صار هؤلاء لردح طويل من الزمن المتحكمين في الكسوات القديمة بعد تعرية البيت منها، ويبدو أنهم كانوا يحتفظون بالبعض منها فيما يقومون بتقسيم البعض الآخر وتوزيعه كهدايا لبعض قصاد البيت والحجاج على سبيل التشريف والتبرك، وهو ما يفسر وصول أجزاء من كسوات الكعبة للمتاحف العالمية، بل ولبعض المجموعات الخاصة مثل مجموعة ناصر الدين خليل للفنون الإسلامية التي آلت إليها عن طريق الشراء أجزاء مهمة من بعض الكسوات الشريفة. وتقاليد نسج الكسوات استقرت من الناحية الزخرفية منذ عناية دولة المماليك بمصر والشام بانتظام إرسال الكسوة للكعبة في مواسم الحج، وطبقاً للمصادر التاريخية قام سلاطين المماليك بوقف إيراد ثلاث قرى بريف مصر للإنفاق على عمل الكسوة وزيدت هذه القرى إلى عشر في عهد سلاطين آل عثمان. دار الكسوة وقبل أن تخرج الكسوات من دار الكسوة بالقاهرة صحبة محمل الحج عقب عيد الفطر من كل عام كان الناس يتوافدون على هذه الدار، خاصة أيام شهر رمضان لنيل شرف نسج ولو خيط واحد في زخرفتها المنسوجة بخيوط الذهب في نسيجها الأسود الحريري، وكان الحجاج المغاربة الأشد حرصاً على نيل هذا الشرف. والكسوات الشريفة تشمل منذ العصر المملوكي كسوة الكعبة السوداء التي تكسى من ظاهر البيت الشريف وكسوة حمراء لداخل الكعبة المشرفة، ثم كسوة خضراء للحجرة الشريفة النبوية ومكتوب على هذه الكسوات جميعها شهادة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله على هيئة خطوط منكسرة تشبه حرف الدال، وقد تضاف آيات قرآنية مناسبة، فضلا عن أسماء الصحابة في بعض الأحيان. أستار وكسوات ثم أضيف لتلك الكسوات الثلاث أستار وكسوات أخرى، شملت المقصورة المعمرة في الحرم الشريف والمنبر المنيف به ومحراب التهجد والأستار الأربعة لأركان الكعبة ومحراب ابن عباس وقبره وقبر عقيل بن أبي طالب وحضرة الحسن بن علي وسيدنا عثمان بن عفان وفاطمة بنت أسد، فضلاً عن حزام الكعبة المطرز بخيوط الفضة. وكانت كل تلك الأجزاء تحمل تقليدياً من مصر وفقاً لأوقاف سلاطين المماليك والعثمانيين على نفقتها، ثم قام محمد علي بالاستيلاء على القرى العشر الموقوفة واعتبر ذلك إنفاقاً حكومياً ثابتاً، وظل الأمر على ذلك حتى ستينات القرن الماضي عندما اضطلعت الحكومة السعودية بأمر الكسوات في المصانع الحديثة التي أنشأتها لهذا الغرض في مكة المكرمة، والتي ما زالت تلتزم بالأشكال القديمة التقليدية ذاتها لزخارف الكسوات. خيوط الحرير ومن أجمل الأمثلة التي تعرض اليوم بالمتاحف والمجموعات الخاصة من الكسوات الشريفة القديمة أجزاء من الكسوة الداخلية الحمراء للكعبة المشرفة، منها قطع يعود نسجها لعصر السلطان عبد المجيد خان العثماني، ومنها قطع صنعت غالباً في الهند في الثلث الأول من القرن العشرين، فضلاً عن كسوات صنعت في العصر الحديث بمكة المكرمة، وهي جميعاً تتفق في مادتها الحريرية وألوانها وكتاباتها. وحسب الأوصاف القديمة في أوقاف الكسوة الشريفة، فهي من قماش الأطلس الحريري الأحمر اللون، والذي نسجت به بخيوط الحرير الأبيض شهادة التوحيد كاملة بهيئة دالات مستمرة. ونظراً لأن بعض أجزاء من هذه الكسوات القديمة كانت تهدى لبعض الحجاج، فهناك بالمتحف الإسلامي بكوالا لمبور عاصمة ماليزيا قطعة من إحدى الكسوات القديمة الحمراء قام صاحبها بحياكتها على هيئة قميص مالاوي تقليدي وربما كان يلبس هذا القميص في المناسبات دلالة على نيله شرف الحج لبيت الله الحرام، وملامسة جسده لكسوة ظلت ملتصقة بجدران الكعبة الداخلية لحول كامل. ومن مجموعة ناصر الدين خليل نجد بعض أجزاء من كسوة الكعبة، منها حزام يحمل اسم السلطان العثماني سليم الثاني، وهي من الحرير الأسود والأحمر الموشى بخيوط الفضة، وكذلك بعض حشوات منسوجة، كانت وما زالت توضع بأركان الكسوة، وتضم سورة الإخلاص. وهناك أيضاً بعض أستار الكعبة، منها واحدة صنعت بمصر عام 1263هـ باسم السلطان العثماني عبد المجيد خان، وهي من خيوط الحرير، ومثلها أيضا ستارة باب التوبة التي صنعت بمصر عام 1311هـ. ومن المعروف أن الكسوات كانت تشمل أيضاً الأكياس الحريرية لحفظ مفاتيح الكعبة، ومن أهمها كيس من الحرير الأخضر، صنع في عام 1137هـ، وعليه اسم السلطان العثماني أحمد الثالث بن محمد. ساترة المحراب الشريف من أشهر كسوات الحرم النبوي، ستارة للمحراب الشريف على هيئة محراب، تعود إلى عهد السلطان العثماني سليم الثالث وزخارفها المنسوجة على أرضية من الحرير الأحمر والأزرق. والاهتمام بالكسوات الشريفة امتد أيضاً لرايات قوافل الحج التي كانت تتقدم مسيرتها للأراضي المقدسة، ومنها راية من الحرير الأحمر، يحتفظ بها متحف جامعة هارفارد، وهي من صنع المغرب في عام 1094 هـ . الحرير الأحمر وخيوط الذهب من أجمل المنسوجات المصاحبة لإرسال الكسوات الشريفة تلك التي يغطى بها المحمل أو الجمل الذي قدر له أن يحمل كسوة الكعبة. وتحتفظ مجموعة ناصر الدين خليل بكسوة هودج كاملة من الحرير الأحمر الموشى بخيوط من الذهب والفضة، وقد ثبتت الكسوة على هودج من الخشب، وتحمل هذه الكسوة توقيع السلطان العثماني عبد العزيز خان، وكذلك توقيع الخديو إسماعيل الذي صنعت في عهده عام 1867م.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©