الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سِقْط اللِّوَى···نحن والحداثة

سِقْط اللِّوَى···نحن والحداثة
21 فبراير 2008 01:31
نودّ أن نثير اليوم بعض المساءلات عن قضيّةٍ لم تزلْ تُسيل كثيراً من الحبر، ألا هي الحداثة وعلاقتها، أو عدم علاقتها بالتراث· فأيّ شيء، إذن، هي هذه الحداثة التي أسالتْ كلّ هذه البحار من المداد، وضرّمتْ كلّ هذا النقاش؟ أهي إعلانُ القطيعة المعرفيّة على الماضي الغابر؟ إنّ ذلك يقول به كثير من كُبراء هذه الحداثة والمنظّرين لها· أم هي دراسة التّراث بمناهجَ جديدة، أو الاِنطلاق من هذا التّراث من أجل تمثّل هذه الحداثة الغربيّة واستِيعابها ومُدَارَسَتِها؟ إنّ ذلك هو ما فتِئْنا ننادي به نحن في كلّ نادٍ· إنّ حداثتنا لا تدعو إلى القطيعة المعرفيّة، ولا ترفض التّراث أو تزدَريهِ؛ بل تدعو إلى إحيائه، ولكنْ بقراءته بإجراءات جديدة، وأدوات من المنهج حداثيّة؛ لمحاولة ربْط الحاضر بالماضي··· ذلك بأنّ التّراث العربيّ الإسلاميّ، كما نتصوّره، نحن على الأقلّ، ونفهمه: عظيمٌ خصيب، ومُوحٍ مُلهِمٌ، ونافع مُنْتج، إلى درجة أننا نلفي لكثير من المفاهيم الحداثيّة الغربيّة: النقديّة واللّسانيّاتيّة والسّيِمَائيّة، الراهنةِ، جذوراً لها في هذا التّراث الذي تزْخَر به مؤلَّفات ابن جنّي، وعبد القاهر الجرجانيّ، وعليّ بن عبد العزيز الجرجانيّ، وأبي عثمان الجاحظ، وابن قتيبة، وحازم القرطاجنّي، وابن خلدون وسواهم من كبار النقّاد والمفكّرين العرب··· فما من رأْيٍ يبدو لعاشقِ بَهْرَجِ الحداثة الغربيّة أنّه مبتكَرٌ أصيل، وأنّ صاحبَه لم يُسبَقْ إليه: إلاّ وقد نُلفي له مصدراً أو إشارةً أو بداية في هذا التّراث الزّاخر بالمعرفة· وكلّ ما في الأمر أنّ كثيراً من هذه الآراء ذُكِرتْ، ربّما، عَرَضاً؛ ولم تُحلَّلْ ـ نعترف بذلك من دون عقدة نقص ـ باحترافيّة ترقَى بها إلى مستوى النظريّة· بيْد أنّ الذي يعنينا، هنا والآن، هو أنّ كثيراً من تلك الآراء كان ممّا خطر على خَلَدِ النقّاد والمفكّرين العرب الأقدمين، على نحو أو على آخر··· وعلينا نحن بلورة تلك الأفكار، وصَقْل تلك الآراء، والاِنطلاق منها لدى التّأسيس لنظريّة من نظريات المعرفة والعلم··· وعلى أنّنا لا نريد أن ندّعيَ لهذا التّراث الكمال المُطْلَقَ فنَضِلَّ ضلالاً بعيدا؛ ولا أن نُحمّله أكثر ممّا يحتمل في أصله؛ ولكنّنا نُنَبِّه، فقط، إلى أنّ انعدام قراءتنا له، أصلاً؛ أو إلى أنّ قراءتنا إيّاه كثيراً ما تكون على عَجَل، أو على نقص في الوعي لدى بعض النّاس؛ أو على غير احترافيّة وممارسة طويلة؛ قد تجعل بعضَنا يعتقد عن خطأ، أنّ تراثنا هذا ضحْل من المعرفة العليا، وفقير من نظريات العلم القادرة على مغالبة الزمن، ومقارعة الدّهر··· إنّ الحداثة الغربيّة نفسَها لا ترفض، في حقيقة الأمر، التّراث العربيّ، ذلك بأنّنا ألفينا طودوروف وقريماس وبارط وسواهم من المنظّرين الفرنسيّين مثلا، يضاف إليهم كبار المستشرقين المُنصفين للحضارة العربيّة الإسلاميّة: يعترفون، بل ينوّهون سرّا وعلانية، ببعض ما في تراثنا العربيّ الإسلاميّ من أصالة، وإشراق، ورُواء، وبريق، وإشعاع·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©