الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

حارث الضاري.. نصر بلا حرب

29 نوفمبر 2006 00:17
بغداد - حمزة مصطفى: قبل سقوط نظام صدام حسين لم يكن يعرف عن الشيخ حارث الضاري -الذي درس الفقه والذي ينتمي الى الفلوجة مدينة المآذن- أي نشاط كبير في صفوف المعارضين للنظام، كما لم يعرف عنه أيضا أي صلة خاصة تربطه بصدام أو نظامه· بل كان يعيش خارج العراق متنقلا بين العواصم العربية أستاذا للفقه في عدد من الجامعات، ولكن بعد سقوط نظام صدام أصبح للرجل شأن آخر!! بعد الحرب على العراق عام 2003 أسس الدكتور حارث الضاري (هيئة علماء المسلمين) مع مجموعة من علماء الدين وأساتذة الفقه من العرب السنة، وباشرت الهيئة عملها بوصفها مرجعية سنية وهو ما أثار جدلا واسعا حتى في أوساط السنة على أساس انه لا توجد للسنة مرجعية دينية مثل تلك التي توجد عند الشيعة والمتمثلة بـ( الحوزة الدينية )، والتي لها امتدادات تاريخية ودينية تعود قرونا الى الوراء· فالحوزة الدينية تتصل بطبيعة المذهب الجعفري والفقه الشيعي بصورة عامة، وهو ما يعطي رجل الدين آو المرجع أولوية في كل شيء، بل أنه بموجب ذلك فإنه يتعين على كل مواطن شيعي أن يكون له رجل دين يقلده، وعلى أساس عدد مقلدي رجل الدين تتحدد منزلته وفقا لدرجات دينية تبدأ بحجة الإسلام وتنتهي بآية الله العظمى التي يحتفظ بها عادة عدد محدود من كبار رجال الفقه والدين الشيعة الذين يبرز من بينهم المرجع الأعلى· هذه التراتبية المذهبية الفقهية غير موجودة عند السنة، ليس في العراق فحسب بل عموم السنة في العالم الذين يأخذون تعليماتهم عادة من الأزهر في مصر أو من مفتي الديار في كل بلد عربي او إسلامي على حدة·، ولذا فقد أثارت هيئة علماء المسلمين جدلا في الأوساط الدينية والسياسية معا· غير أن ذلك اللغط بدا يثار بشأن دورها السياسي الذي راح يتعدى دورها الديني، سيما وان العديد من المؤسسات والشخصيات السنية وجدت أن الأوان قد آن فعلا لوجود مكون مذهبي يلتف حوله السنة، طبقا لما يحصل عند الشيعة الذين طوروا من آليات عملهم الديني والمذهبي، حيث لم يكتفوا بالدور الفاعل للحوزة الدينية أو المراجع بل أسسوا ما أسموه البيت السياسي الشيعي· ورغم ذلك ظل دور الهيئة ملتبسا، خاصة مع تنظيم حملة إعلامية قاسية ضدها بسبب وقوفها ضد الاحتلال الأمريكي للعراق، سيما بسبب تأييدها الواضح لأسلوب المقاومة المسلحة، على العكس من الحوزة الدينية الشيعية التي لم تتخذ مثل هذا الموقف حتى بعد انقسامها على نفسها من خلال انشقاق رجل الدين الشاب مقتدى الصدر الذي أسس ما اسماها بـ ( الحوزة الناطقة ) بالضد من حوزة السيستاني الصامتة· غير انه ومع كل ما يحظى به تيار الصدر من جماهيرية، إلا انه لم يتمكن من تخطي مكانة السيستاني بوصفه المرجع الأعلى الواجب الطاعة على الجميع بمن فيهم مقتدى الصدر نفسه طبقا لتقاليد هذه المؤسسة المغلقة منذ قرون· هيئة مسلمين أم خاطفون ؟ الحملة الإعلامية ضد هيئة علماء المسلمين تجاوزت كل الحدود عندما راحت العديد من وسائل الإعلام تطلق عليها تسمية هيئة علماء الخاطفين محملة إياها مسؤولية خطف الأجانب في العراق، أو الإفراج عنهم من قبل الهيئة مما أعطى الانطباع أن الهيئة هي المسؤوله عن ذلك، في وقت تنفي مصادر الهيئة مثل هذه التهم وتشير فقط إلى أن الدور الاعتباري للهيئة لدى بعض الجماعات الإسلامية التي تتولى عملية خطف الأجانب هو الذي يجعل تدخلها حاسما في كثير من الأحيان· من الأمور الأخرى التي تؤخذ على الهيئة أيضا من قبل خصومها، هو أنها تؤيد القاعدة وكل الجماعات التي تتولى قتل العراقيين، وأنها لم تصدر ما يؤكد موقفها الواضح من هذه الأعمال، في حين تصدر الهيئة باستمرار بيانات تؤكد فيها أن ما يجري هو مسؤولية الاحتلال المباشرة وترى أن هناك ميليشيات مسلحة ينبغي محاسبتها والإشارة إليها بوضوح· بيد أن التطور المهم في وضع الهيئة -وهو ما يجعلها بمنأى عن كونها مرجعية سنية فقط- هو استمالتها تيارا شيعيا عريقا هو تيار الخالصي المناوئ للوجود الأميريكي في العراق · بل في مرحلة من المراحل استمالت حتى مقتدى الصدر نفسه· ولا يزال لدى الهيئة تنسيق مع مرجعيات شيعية مرموقة من بينهم اية الله محمود الحسني البغدادي واية الله حسين المؤيد· ان هذا التطور في موقف الهيئة جعلها تقف عند حافة حرجة بين كونها هيئة سنية تريد أن تنافس الحوزة العلمية الشيعية لكنها تحظى بدعم عربي واضح وبين كونها هيئة مقاومة للاحتلال من خلال تنسيقها مع كل أطياف الشعب العراقي بمن فيهم مراجع وشخصيات شيعية لهم وزنهم في الشارع الشيعي، غير أنهم لا يستطيعون منافسة السيستاني أو الصدر· شخصية جدلية بيد أن النقطة الحاسمة هنا هي شخصية الشيخ الدكتور حارث الضاري الذي يكاد يكون الشخصية الأبرز والأكثر تأثيرا وحضورا وفاعلية من كل القوى والشخصيات والجهات المنضوية تحت لواء الهيئة أو المؤيدة لها· ولذلك فإن سهام النقد كانت تطاله شخصيا أكثر من أية شخصية او جهة أخرى، الى الحد الذي جعل الرئيس العراقي جلال الطالباني يدخل على خط الهجوم على الضاري، وكذلك مسؤولون آخرون فضلا عن شخصيات وصحف ومواقع الكترونية وغيرها، وصولا الى إصدار مذكرة اعتقال بحقه من قبل وزير الداخلية العراقي بتهمة التحريض على الإرهاب · وكأن هذه المذكرة جاءت هبة من السماء بالنسبة للشيخ الضاري الذي وجدها فرصة ثمينة لتصفية حساباته مع الحكومة العراقية التي قامت هي بنفسها بفتح جبهة معه في وقت غير مناسب تماما· ودون أن يطلق الضاري طلقة واحدة في هذه الحرب فقد كسبها منتصرا في وقت تراجعت الحكومة فيه بعد نحو ساعة من إعلان وزير الداخلية العراقي جواد البولاني انه أصدر مذكرة اعتقال بحق الشيخ حارث الضاري · وما أن بدأت أولى بوادر الضجة من قبل جهات عديدة -خصوصا الجهات السنية التي وحدت لأول مرة موقفها من هذه القضية بصورة لافتة للنظر مع أن الضاري نفسه يعتبرهم جزءا من مشروع الاحتلال- حتى أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة علي الدباغ أن ما صدر ضد الضاري ليس مذكرة اعتقال بل مذكرة تحقيق على خلفية ادوار معينة لعبها في الآونة الأخيرة· بيد أن الأمر لم ينته عند هذا الحد، حيث ظهر الانقسام الحكومي على أشده، فنائب رئيس الوزراء برهم صالح دان هذا التصرف الذي يصب الزيت على النار وهو ما جعل الضاري يوجه له الشكر شخصيا· أما رئيس الوزراء نوري المالكي فقد نفى علمه بذلك، أما الشيخ الضاري الذي جلس متفرجا فقد أكد انه مستعد للمثول شريطة أن يمثل معه الرئيس العراقي جلال الطالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي · لقد كانت جبهة قتال غير متكافئة تماما في وقت تحتاج فيه الحكومة العراقية الى إلقاء القبض على من ينتهك القوانين والإجراءات وضح النهار، لاسيما أن العملية حصلت بعد يوم واحد من قيام أجهزة من الداخلية العراقية باعتقال نحو 150 شخصا من دائرة تابعة لوزارة التعليم العالي العراقية· الضجة التي أثارتها المذكرة لم تهدأ بعد حتى بعد قرار الحكومة سحبها، ذلك أن الأطراف السنية المشاركة في العملية السياسية وجدت أن التجرؤ على شخصية بمنزلة حارث الضاري برغم كل خلافاتهم معه، يعني أن المسالة قد لا تقف عند هذا الحد· ولذلك فإنه في الوقت الذي كسب فيه الضاري المعركة فإن الأوضاع في العراق تتجه الآن نحو منعطفات خطرة قد تعيد كل شيء الى المربع الأول·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©