الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

التهويل والتهوين

التهويل والتهوين
3 سبتمبر 2015 22:49
اللائق بالعقلاء أن يعطوا كلَّ ذي قدر قدره، فلا يتهاونوا بالعظائم، ولا يعظِّموا الصغائر، قال تعالى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3]، إلا أن طائفةً من الناس فقدت الاتزان، فرفعت أموراً فوقَ قدرها، وخفضت أموراً دون قدرها، وتساهلت في أمور كان حقها الإجلال. ومن حصل له هذا الاختلال في الميزان اضطربت أموره، وهذا النوع من التفكير يحصل في تقدير القضايا الاجتماعية والاقتصادية والدينية، وسوف أتكلم عن الجانب الديني على وجه الخصوص. فأحكام التكليف في الشرع الشريف خمسة، أولها الواجب، وهو الذي طلبت الشريعة فعله طلباً مُؤكَّداً ورتبت الشريعة الثواب على فعله والإثم على تركه، وثانيها المستحب، وهو الذي طلبت الشريعة فعله طلباً غير مؤكَّدٍ، ورتبت الشريعة الثواب على تركه ولا إثم على تركه، وثالثها الحرام، وهو الذي طلبت الشريعة تركه طلباً مُؤكَّداً، ورتبت الثواب على تركه والإثم على فعله، ورابعها المكروه، وهو الذي طلبت الشريعة تركه طلباً غير مُؤكَّدٍ، ورتبت الثواب على تركه ولا إثم على من فعله. وخامسها المباح، وهو الذي لم تطلب الشريعة فعله ولا تركه، ولا ثواب ولا إثم في فعله أو تركه. فالجهل بهذه الدوائر الخمس يجعل الإنسان يهتم بسنة أو نافلة اهتماماً يطغى عليه حتى يؤثر ذلك على واجباتٍ مؤكَّدات، أو يتساهل في واجبات مهمة لعدم إدراك أهميتها، أو يحذر من فعل بعض المكروهات مع أنه يرتكب محرمات بكل برود. فالحسد والكبر والغرور والكذب والظلم والغيبة والنميمة، ذنوب مهلكات يهملها بعض الناس، ثم تراهم يهتمون بسنن اللباس، ويهتم آخرون بتحفيظ أبنائهم القرآن، وذلك خير وفضل بلا شك، ولكنهم يهملون ما هو أكبر مِنْ غرس أخلاق القرآن وتعاليمه. يهتم بعضهم بمعرفة اسم نملة سليمان وهدهد سبأ، وهي معلومات (العلم بها لا ينفع والجهل بها لا يضر)، وهو في الوقت نفسه لا يعرف أركان الصلاة ودواعي سجود السهو، وبعضهم لا يمكن أن تفوته صلاة العيد وهي سنة عند أكثر العلماء، ولكنه يفرط في صلاة الجمعة، وهي فرض نصَّ عليه القرآن. يصلي بعضهم خلاف الإمام، ويجلس بسبب طول القراءة، ولو صلى منفرداً لصلى قائماً، فيحرص على سنة الجماعة ويُضَيِّع بسببها فرضاً متفقاً عليه من فروض الصلاة. سألني شخص وهو متلهف للجواب، فقال: ما شكل رِجْلِ زوجةِ إبليس، فقلت له ممازحاً: ذاك زواجٌ لم أكن شاهداً فيه. داعية يقبل على شاب لا يصلي ليرشده إلى نزع خاتم الذهب الذي في يده قبل أن ينصحه بالمحافظة على الصلاة. إن بعض الناس تدفعهم الغيرة والحماسة التي لم تنضبط بميزان العلم، ولم تتهذب بقوانينه ومعاييره ومناهجه ومسالكه إلى تضخيم الأمور، والمبالغة والتشدد في الدين، فيقعون بسبب ذلك في فساد عظيم، فالخوارج لم يقنعوا بحكم الله على مرتكب الكبيرة بكونه (عاصياً) حتى حكموا عليه بالكفر والردة، ثم لم يتوقفوا هنا حتى استباحوا الدماء وأزهقوا الأنفس. فالطاعات مراتب، فمنها الفرض والواجب والسنة، والفروض نفسها ليست على مرتبة واحدة، بل هي مراتب أيضاً، والمعاصي مراتب، فمنها الصغيرة، ومنها الكبيرة، وقد أفرد العلماء في ذلك مؤلفات ككتاب (الزواجر عن اقتراف الكبائر) للعلامة أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي. د. سيف علي العصري المفتي في المركز الرسمي للإفتاء
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©