الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

زيد بن ثابت.. ترجمان الرسول

3 سبتمبر 2015 22:52
أحمد مراد (القاهرة) عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، كان الصحابي الجليل زيد بن ثابت ما زال صبياً صغيراً لم يتجاوز عمره 11 عاماً. ومنذ صغره عرف زيد بالذكاء والنجابة، وكان حافظاً لبيباً عالماً عاقلاً، وثبت عنه في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود ليقرأه على النبي إذا كتبوا إليه، فتعلمه في خمسة عشر يوماً، وفي هذا الشأن يقول زيد: ذهبوا بي إلى رسول الله، فقالوا يا رسول الله هذا غلام من بني النجار معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك رسول الله وقال: «يا زيد تعلم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمن يهود على كتابي»، وقال: فتعلمت كتابهم ما مرت خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب. ذات مرة سأله النبي صلى الله عليه وسلم: «أتحسن السريانية؟» قال: لا، قال: «فتعلمها فإنه تأتينا كتب بها»، قال زيد: فتعلمتها في سبعة عشر يوماً، قال الأعمش: كان الرسول صلى الله عليه وسلم تأتيه كتب لا يشتهي أن يطلع عليها إلا من يثق به، من هنا أطلق على زيد بن ثابت لقب ترجمان الرسول. وكان الصحابي الجليل زيد بن ثابت أحد أبرز كتبة الوحي القرآني، وقد كتب بعض رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام. ذكر الحلبي في السيرة بأن زيداً ومعاوية ملازمان للكتابة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوحي وغيره، لا عمل لهما غير ذلك. وقد روى أنس بن مالك عن رسول الله أنه قال: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأقضاهم علي بن أبي طالب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأعلمهم بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح». ورغب زيد بن ثابت في الجهاد منذ صغره، وقد صحبه أهله معهم إلى غزوة بدر، لكن الرسول رده لصغر سنه وجسمه، وفي غزوة أحد ذهب مع جماعة من أقرانه إلى الرسول يرجون أن يضمهم للمجاهدين وأهلهم كانوا يرجون أكثر منهم، ونظر إليهم الرسول شاكراً وكأنه يريد الاعتذار، ولكن رافع بن خديج وهو أحدهم تقدم إلى الرسول وهو يحمل حربة ويستعرض بها قائلاً: إني كما ترى، أجيد الرمي فأذن لي، فأذن الرسول له، وبقي ستة من الأشبال منهم زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر، بذلوا جهدهم بالرجاء والدمع واستعراض العضلات، لكن أعمارهم صغيرة، وأجسامهم غضة، فوعدهم الرسول بالغزوة المقبلة، وهكذا بدأ زيد مع إخوانه دوره كمقاتل في سبيل الله بدءاً من غزوة الخندق، سنة خمس من الهجرة، وبعدها شارك في كل غزوات الرسول. في يوم تبوك كانت راية بني النجار مع زيد، وكانت في البداية مع عمارة بن حزم، فأخذها النبي منه فدفعها لزيد بن ثابت فقال عمارة: يا رسول الله بلغك عني شيء؟، قال الرسول: «لا، ولكن القرآن مقدم، وزيد أكثر أخذاً منك للقرآن». وقرأ زيد القرآن على رسول الله في العام الذي توفاه الله فيه مرتين، وسميت هذه القراءة «قراءة زيد بن ثابت» لأنه كتبها لرسول الله وقرأها عليه، وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بها حتى مات. وبعد وفاة الرسول شُغل المسلمون بحروب الردة، وفي معركة اليمامة كان عدد الشهداء من حفظة القرآن كبير، فما أن هدأت نار الفتنة حتى فزع عمر بن الخطاب إلى الخليفة أبي بكر الصديق راغباً في أن يجمع القرآن قبل أن يدرك الموت والشهادة بقية القراء والحفاظ، واستخار الخليفة ربه، وشاور صحبه ثم دعا زيداً وقال له: «إنك شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه»، ونهض زيد بالمهمة وأبلى بلاء عظيماً فيه، يقابل ويعارض ويتحرى حتى جمع القرآن مرتباً منسقاً، وقال زيد في عظم هذه المسؤولية، والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه، لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن، وقال: فكنت أتبع القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال، وقد أنجز المهمة على أكمل وجه وجمع القرآن في أكثر من مصحف. في خلافة عثمان بن عفان كان الإسلام يستقبل كل يوم أناساً جدداً عليه، مما أصبح جلياً ما يمكن أن يفضي إليه تعدد المصاحف من خطر حين بدأت الألسنة تختلف حتى بين الصحابة الأقدمين والأولين، فقرر عثمان والصحابة وعلى رأسهم حذيفة بن اليمان ضرورة توحيد المصحف، فقال عثمان: من أكتب الناس؟. قالو: كاتب رسول الله زيد بن ثابت، قال: فأي الناس أعرب؟، قالو: سعيد بن العاص، وكان سعيد بن العاص أشبه لهجة برسول الله، فقال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد، فجمع زيد أصحابه وأعوانه وجاؤوا بالمصاحف من بيت السيدة حفصة بنت عمر وباشروا مهمتهم الجليلة، وكانوا دوماً يجعلون كلمة زيد هي الحجة والفيصل، حتى قال عنه ابن عباس: لقد علم المحفظون من أصحاب محمد أن زيد بن ثابت كان من الراسخين في العلم. وتوفي زيد سنة 45 هجرية في عهد معاوية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©