الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

جناح «صربيا».. موروثات شعبية وعلاجات بالعسل والحجارة

جناح «صربيا».. موروثات شعبية وعلاجات بالعسل والحجارة
31 ديسمبر 2018 02:23

محمود إسماعيل بدر (أبوظبي)

يستقطب مهرجان الشيخ زايد التراثي 2018، الآلاف من الزوار يومياً، في إطار احتفالية ثقافية تراثية، تعد الأكثر تأثيراً ونمواً في العاصمة أبوظبي، لتعزيز أمثل لحوار الثقافات والحضارات والأديان، ومن بين الإضاءات الجميلة التي نركّز عليها في هذا الحدث الفريد، جناح «جمهورية صربيا» الذي يقدّم لجمهور المهرجان رحلة غنية ما بين المعروضات التراثية والفلكلور، والموسيقى التقليدية، والمنتجات القادمة من مدن وقرى وجبال صربيا، تعكس جانبا من ثقافة هذا البلد السياحي من الدرجة الأولى، حيث تعتمد السياحة أساساً على الريف الصربيّ بما فيه من قرى وجبال، خاصة جبال التارا، والكوباونيك، وجبال الزلاتيبور والتي تعد من أهمّ الجبال السياحيّة في البلاد، كما تقدم للعالم أجمل وأروع عسل ملكي نادر، وتضم ينابيع المياه الحارّة والتي تشكّل عاملاً من عوامل زيادة السياحة العلاجيّة فيها، كينابيع أوفتسار بانيا، وفرنياتشكا بانيا، وغيرها.
أمّا أهمّ المدن الصربيّة التي تجذب السيّاح فهي العاصمة بلجراد، ومدينة كراغوييفاتس، ومدينة نوفي ساد، حيث إنّ هذه المدن تمتاز بصخبها المعاكس لمناطق الريف الهادئة، حيث تقام فيها الكثير من المهرجانات العالمية كمهرجان العزف على البوق، وغيره من النشاطات، التي بدت ظلالها واضحة في الجناح الصربي، الذي يحظى بإقبال جماهيري غفير، للاطلاع على منتجات ومعروضات وثقافة ومعالم هذه القرى والمدن التي تمتاز بجمال مناظرها الطبيعيّة، وتعدّد مظاهر الثقافات والنصب التاريخيّة فيها ما يجعل منها عاملاً جاذباً للملايين من السيّاح، وبالتالي يجعل منها مصدر بحث واهتمام وشغف لمعرفة المزيد عن صربيا وما تمتلكه من مخزون ثقافي وإنساني.

فنون شعبية
عندما تلج إلى جناح صربيا تبدأ الاحتفالية، بترحيب «فرقة كوتو روفيتش للفنون الشعبية الوطنية»، التي تمثل التقاليد والعادات والرقصات الصربية التقليدية في البلاد والمهرجانات الدولية، وتقدم هذه الفرقة العريقة التي يعود تأسيسها إلى عام 1950 يوميا، عرضا فلكلوريا أخاذا من التقاليد الصربية في مجال الرقص الشعبي الوطني، الذي يعد تقليدا قديما وعنصرا قويا في ثقافة هذا البلد، وجزءا من الأحداث التاريخية، والحياة الاجتماعية، وتستخدم في أداء رقصات الفرقة آلات موسيقية تعكس روح الموروث الشعبي الموسيقي وتصاحب الراقصين ألحان بديعة، تحمل صفة الثنائية، ومنها: النوع التقليدي من آلة الفلوت، والأكورديون، هارمونيكا، وآلات عديدة تعكس مدى وأصالة الإبداعات الشعبية، ويقدم في هذا العرض نحو 12 فتاة وشابا من الراقصين المهرة رقصة بعنوان «كولو» وهي رقصة تقليدية شعبية ذات طابع جماعي، يمسك فيها الراقصون أيادي بعضهم البعض والأذرع متجهة إلى الأسفل ويشكلون سلسلة تدور حول نفسها كالحلقة، وتمارس هذه الرقصة بمصاحبة الموسيقى في الحفلات والتجمعات الخاصة والعامة ويشارك فيها جميع أفراد المجتمع المحلي.
ولرقصة «الكولو» وظيفة اجتماعية جامعة وتكاملية مهمة، حيث تعزز الهويات على مستويات مختلفة في المجتمعات المحلية، وهي رمز للهوية الوطنية وتحمل السمة المحلية والإقليمية للهويات المجتمعية، وما يعزز الحضور القوي لهذا العنصر ويجعله مستداماً على كافة المستويات، الاعتماد على رقصة الكولو أثناء الاحتفال بأهم المناسبات والأحداث في المجتمعات المحلية، وأكثر الأساليب شيوعاً في عملية نقل المهارات الخاصة بهذه الرقصة هو التعلم من خلال المشاركة المباشرة فيها، كما يحفز الراقصون المهرة الآخرين، ويحركون لديهم الرغبة في التعلم وتحسين أدائهم، وتُكتسب المعرفة أيضاً من خلال نظام التعليم النظامي ومدارس الباليه والموسيقى.
كما تقدم الفرقة للجمهور رقصة أخرى تحمل عنوان «سويو توتسيا» وترافقهما أغان شعبية من الفلكلور الصربي الممتد منذ القرن التاسع عشر، ويختلف الفلكلور الصربي عندما يتعلق الأمر بالإيقاع، وخطوات وطريقة الرقص والحركة، وصورة الرقص الذي يمكن أن نصفه بـ«الحي» و«الودّي»، مع الأزياء الشعبية المبهرة ذات الزخارف الهائلة والتطريز الفريد من نوعه، وغالبا ما تصنع هذه الأزياء من نسيج الصوف المعروف باسم «سلافينا».

العلاج بالعسل
وفي الجناح الصربي لابد من التوقف عند دكان الشابة «ماريا نوكليج»، التي تعرض جملة من منتجات صربيا والبوسنة والهرسك، وقالت: أفضل ما يقبل عليه الزوار بشكل لافت هو «عسل جبال البوسنة» حيث يشتهر باستخدامه كمساج في العديد من المناطق الصربية، ومن أنواعه: عسل الصنوبر، وعسل السدر، وعسل الجوز، واللوز، وغيرها، أما العلاج بهذا العسل كما ذكرت لنا ماريا فهو إحدى أهم الصناعات الطبية، ومتوافر في الصيدليات في أشكال مختلفة، ودخل الصناعات الكيميائية والبيولوجية، وكذلك الطب الطبيعي أو البديل، ومن الأمراض التي تعالج بالعسل أمراض الحلق، والعنق، وأمراض المعدة، والعيون، ومعالجة الارتعاش، وتنشيط الدورة الدموية، والروماتيزم، والعلاج بوخز النحل، والتدليك بالعسل. كما تعرض أنواعا من القهوة البوسنية الشهيرة المعروفة باسم «كنكة القهوة البوسنية»، ونخبة من المنتجات الصربية من البسكويت المصنوع من القمح الصافي، والمخللات، والمربى المحلّي من تمر الورد والمشمش.

العلاج بالحجارة
أما كل ما يبحث عنه زائرو المهرجان من الراحة والإفادة فسيجدونه خلال رحلتهم بدكان السيدة «زوري نساه»، التي تعرض أنواعا من الحبوب الخالية من السكر، وتسمى «أورجانيك كلاين»، وهذه الحبوب كما ذكرت لنا هي نوع من الأطعمة العضوية، المجهزة بأساليب الزراعة الآمنة، مؤكدة أن هذا المنتج البسيط يلقى إقبالا كبيرا من زوار المهرجان، حيث تبيع أكثر من 100 عبوة في اليوم، أما الأكثر أهمية في دكان «زوري»، فهي تلك الحجارة الصخرية الصغيرة المصقولة، والتي يزيد عددها عن 150 حجرا، داخل كيس قماشي غير قابل للاحتراق، وتستخدم كما قالت بعد تسخينها لدرجة حرارة معينة، بوضعها على الأجزاء المتعبة من جسم الإنسان، ليشعر بعدها بالراحة بعد امتصاص الرطوبة، وخيّل إلينا بأن هذه الحجارة الصربية لا تختلف كثيرا عن عملية «الحجامة» العربية في مجال الطب الشعبي.

شالات ومعاطف
وفي دكان يعرض مجموعة من الشالات والمعاطف الراقية من الفرو، أخبرنا «تكسي هو»، عن معروضاته، التي تتضمن مجموعة من الشالات النسائية المطعمة بالفرو وخاصة بالسهرات، وأيضا شالات فرو أبيض بديعة الصنع والتصميم والحياكة، إلى جانب المعاطف من الصوف والفرو الطبيعي من الثعالب، وفرو المنك، للوقاية أثناء الطقس البارد.
كما تُعرض أنواع صوفية من أحذية الأطفال، والحقائب الجلدية، وجملة من الحلي والمجوهرات التقليدية من معدن الفضة، مع زخارف وتصميمات بديعة.

زيوت طبية
وفي زيارة إلى دكان السيدة «بارينا بيورس»، وجدنا نوعا من الشاي الممزوج بأعشاب طبية، وتذكر بارينا أنه مناسب لتقوية المناعة للإنسان، كما أن تناول فنجان أو أكثر في اليوم يساعد في إنقاص الوزن، كما يعالج أمراض السكر والكبد والعظام والمفاصل والبروستات، لكن ربما تكون أهم من هذا الشاي، تلك الزيوت العطرية الطبية التي جذبت عددا كبيرا من الزائرات، لمعرفة أسرارها ومن ثم شرائها، حيث علمنا من بارينا أنها بمثابة وصفات طبية لعلاج أمراض المعدة، القلب، وضغط الدم، بجانب أنها تجهز كشراب لعلاج التهابات القصبات الهوائية وبعض الأمراض الجلدية، وأكثر من ذلك فإن لديها على سبيل المثال مضادا حيويا عشبيا مكونا من أفضل ما يستخرج من عسل النحل الطبيعي مع خلطات خاصة، لعلاج الأسنان والتهابات اللثة وإصلاح البشرة التالفة، وذكرت أنها ورثت هذه المهنة المتخصصة في بيع منتجات الطب الشعبي من عائلتها التي امتهنتها منذ نحو 100 عام، ونعتقد أن هذه المهنة لا تبتعد كثيرا عن «العطارة» في بلادنا، وهي مهنة رائجة في مشروع الطب البديل.

عسل ملكي جبلي
محل «الملكي الجبلي للعسل»، والذي تديره الأثيوبية الشابة «ريحانه كابد»، هو حالة خاصة أيضا، فهو يعرض مجموعة من منتجات العسل من البوسنة والإمارات «ليوا، رأس الخيمة، العين»، وقيرغيزستان والبوسنة والمغرب والأردن، ونيوزيلاندا، وغيرها من البلدان، وتذكر ريحانه أن الزبائن يهتمون بشراء عسل الصنوبر الملكي النّقي، نظرا لجودته العالية، بعد أن يتم جمعه من خلايا النحل الموضوعة بجانب زهور شجرة الصنوبر، فهو يمتاز بأنه غني بكافة المكونات الغذائية وطعمه اللذيذ، كما انه يقدم عددا من الفوائد الصحية، فهو خير من يحمي من البكتيريا، ويدعم ويقوي الجهاز المناعي.
وأشارت ريحانه إلى أهمية عسل الشمع الجبلي من قيرغيزستان، والمستخرج من النحل الذي يتغذى على زهور نرجس وبتونيا وبفتة، وهناك أيضا العسل الأبيض الحليبي ذي النكهة الخفيفة والشمعية، فهو يعالج أمراض القلب والشرايين بصفة خاصة، كما يعتبر علاجا مهما لهبوط ضغط الدّم، ويقي من حدوث الذبحة الصدرية، واختتمت ريحانه حديثها عن عسل السمر الجبلي ذي اللون الأحمر من رأس الخيمة، والذي يجد اهتماما خاصا من زوار المهرجان، إضافة إلى العسل المستخرج من جبال منطقة الريبية القريبة من سيح الحرف، ويعد من أجود أنواع العسل الإماراتي، ويمتاز بالصفاء والنقاء، كما أن جمعه من قبل العسالين، يعتبر نوعا من إعادة الاعتبار للتراث المحلي.
في دكان ريحانه أيضاً ثمة لقاحات أو نوع من الحبوب الصغيرة المصنعة في سراييفو، والتي تلقى رواجا استثنائيا، وتذكر أنها تُستخدم لتقوية الجسم، ومعالجة السعال، لكن لا تنتهي الرحلة في هذا الدكان دون تذوق رشفة من عسل «مانوكا» النيوزيلندي، وهو داكن اللون مع خصائص عالية مضادة للأكسدة، وهو يُنتج بواسطة النحل الذي يتغذى على الزهور من الأدغال، والمعروف أيضا باسم «شجرة الشاي» في نيوزيلندا وأستراليا، فهو يعالج الكثير من الأمراض، وبخاصة الالتهابات بأنواعها، ومضاد للبكتيريا والجراثيم وللحد من ارتفاع الكوليسترول في الدم، وأخيرا لعلاج اضطرابات الجهاز الهضمي.

جماليات الخط العربي
نعتقد أن أجمل ما في رحلتنا عبر جناح صربيا هو التوقف مليا عند محل لعرض التحف النادرة من لوحات فن الخط العربي، حيث قالت لنا المشرفة على هذا المكان ذي النفحات الروحانية «بيان ناصر» إن هذه الأعمال يدوية بالكامل ومكتوبة بخطوط: الرقعة، الثلث، النسخ، الديواني، وتم إنجازها في إيران، وتشتمل على نوعين من الكتابة، الأول الكتابة على قماش الحرير، مع نسخ الخطوط الحريرية، وفيها كتابة أسماء الله الحسنى، سورة الفاتحة، المعوذات الثلاث، أدعية دينية، ومقتطفات من السور القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، في إطار ينتمي إلى المدرسة الحروفية الإسلامية التي تؤكد عظمة وقيمة تشكيلات الخط العربي في مثل هذه الكتابات المستوحاة من كتاب الله عز وجل.
أما النوع الثاني من الكتابة، فهو بطريقة النقش أو الحفر على الخشب، متمازجا مع فن التخريم، لنجد في النهاية لوحات أقرب إلى الجداريات وفن الأرابيسك، ومزينة من الحواف برسوم ومنمنات بديعة، وبداخلها نقشت الآيات القرآنية، وأكدت بيان أن معظم الزوار لهذا المكان يشعرون براحة وسعادة ومشاعر روحانية جميلة، وهم يرون هذه اللوحات ذات الألوان البديعة، ومهارة فن الكتابة وإحياء الخط العربي في عصر التحديات لكل ما هو موروث وإنساني أصيل، فمثل هذه الأعمال مقدسة على حد تعبيرها، كما أنها آية في الجمال والإبداع، نظرا لما تحمله من جلال ودقة وإتقان وفن.

صربيا في سطور
تقع صربيا في غرب وسط البلقان، يحدها من الشمال المجر، ومن الجنوب مقدونيا وكوسوفو، ومن الجنوب الغربي الجبل الأسود، ومن الشرق بلغاريا ورومانيا، ومن الغرب المنطقة السلافية في جمهورية كرواتيا وجمهورية البوسنة والهرسك، ولقد كانت صربيا جزء من دولة يوغوسلافيا منذ عشرينيات القرن الماضي، واُعترف بصربيا كدولة مستقلة في عام 2006م بعد حرب أهلية خاضتها نتج عنها الانفصال عن يوغوسلافيا.

سروج الخيول
«نيكولا جوران»، صربي خبير في مهنته ذات الصلة بالصناعات الجلدية المخصصة للفروسية والخيول، وكما يذكر فقد ورث هذه المهنة عن أسرته منذ نحو 50 عاماً، وفي دكانه الصغير بالجناح يقوم نيكولا بصناعة مجموعة من الأدوات الجلدية المستخدمة لتجهيز الخيول، أمام الجمهور مباشرة، فقد جاء كما قال بكامل عدته من ورشته العائلية في بلجراد العاصمة لإسعاد جمهور المهرجان، وللترويج لمهنته التي تقوم على الجلود الطبيعية في صناعة سروج الخيول، فهو يبرع في صناعة السروج المذهبة والمزركشة بنقوش عريقة، تتجسد فيها كل معاني الأصالة والعراقة.
كما يصنع نيكولا يدويا هدايا تذكارية من الجلد، وحقائب، وحافظات كاميرات تصوير، وميداليات على أشكال خيول أو فيلة أو زرافات، وغيرها، لكن في النهاية يرى الزائر في هذا الدكان المثير للاهتمام أنواعاً من السروج المختلفة الأنواع والأحجام والقياسات وأطواق الخرز التي تتوسطها أجراس، ويغلب عليها اللونان الأزرق والفيروزي اللذان يحفظان الخيل، كما يعتقد في الموروث الشعبي الصربي، من العيون الحاسدة.

صابون طبيعي
رحلتنا تتواصل في الجناح الصربي بزيارة دكان السيدة «فاسنا رادوبيتتش»، المتخصصة في صناعة الصابون الطبيعي من الزيوت، ومن اللافت أن يشاهد جمهور المهرجان فاسنا وهو تقوم بإعداد الصابون الطبيعي أمامهم مباشرة، باستخدام مواد أحضرتها معها خصيصاً لتوفير المعلومات والطريقة في إنجاز هذا النوع من الصناعات التقليدية في بلدها، وتقول فاسنا، إن ما تعرضه للجمهور من منتجات الصابون الطبيعي يعود بفوائد عديدة على الإنسان، فمثلاً الصابون الأبيض الحليبي المضاف من بعض الزيوت الطبية مفيد في إكساب الجسم رائحة طيبة زكية تدوم لساعات، أما الأخضر فمفيد في علاج حب الشباب والهالات السوداء تحت العين، والأسود الممتزج بالفحم مفيد لعلاج الأمراض الجلدية مثل الصدفية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©