الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

"الحرَّاقة".. صداع في رأس السلطة الجزائرية

27 نوفمبر 2006 01:39
الجزائر- حسين محمد: تعيش الجزائر منذ أشهر على وقع ''هروب جماعي'' للمئات وربما الآلاف من شبابها إلى إسبانيا ومنها إلى دول أوروبية أخرى عبر البحر، فلا يكاد يمر يوم إلا وتتحدث الصحف المحلية عن إلقاء القبض على شبان حاولوا ركوب قارب قصد شق البحر به إلى أوروبا، أو عن شبان ألقى عليهم حرس السواحل الإسبان القبض واحتجزتهم أو عن آخرين انقلب بهم ''قارب الموت'' وغرقوا· وتزايدت أعداد هؤلاء في الأسابيع الأخيرة بشكل ملفت للانتباه، ما يدفع إلى طرح أسئلة عديدة عن أسباب تفاقم الظاهرة ودوافعها وعما إذا كانت هناك شبكات منظمة تقف وراءهم مستفيدة من تواطؤ جهات تتقاسم معها الأرباح· ''حرّاقة''! الواقع أن ظاهرة الهجرة السرية للشبان الجزائريين عرفت منذ الثمانينات بعد أن حاول الكثير منهم الهجرة إلى أوروبا خفية للهروب من البطالة وتحقيق أحلامهم بالثراء· فلجأ العديد منهم إلى التسلل خفية إلى البواخر الأجنبية الراسية بمختلف الموانئ الجزائرية، والاختباء في الأجنحة المخصصة للسلع، قصد الرحيل إلى أي بلد أوروبي· وسُمي هؤلاء بـ''الحراقة'' وهي تسمية مشتقة من ''حرق ثمن السفر''؛ أي عدم دفع ثمن السفر· وقد نجح العديد من ''الحراقة'' بتحقيق حلمهم بالهجرة بهذه الوسيلة، إلا أنها شاعت فكثر ''الحرّاقون'' ولفتوا انتباه السلطات وأطقم البواخر الأجنبية معا فأصبح الطرفان يشددان في التفتيش سواء على مستوى الموانئ أو داخل البواخر· ومنذ عامين، اكتشف 12 بحارا أوكرانيا ثلاثة ''حراقة'' جزائريين مختبئين داخل أحد أجنحة باخرتهم فقاموا برميهم في عرض البحر دون رحمة واكتفوا بدفع صدريات النجدة لهم ليتمكنوا من السباحة، إلا أن اثنين منهم هلكا بينما كان الثالث محظوظا فأبصره طاقم سفينة مرت بالمكان بعد مدة فأنقذته وهو على مشارف الموت جوعا وعطشا وتعبا· وفي يوليو الماضي، أصدرت محكمة وهران (410 كلم غرب الجزائر) حكما غيابيا بالإعدام بحق البحارة الأوكرانيين ال·12 الآن لم يعد الشبان الحالمون بالهجرة يفكرون في إتباع نفس الوسيلة بعد أن تم تشديد الحراسة على البواخر، بل لجأوا إلى تقليد المهاجرين السريين الأفارقة الذين غالبا ما ينطلقون من مضيق جبل طارق إلى إسبانيا في ''قوارب الموت ''الشهيرة· وشرع مئات الجزائريين فعلا في انتهاج نفس الوسيلة، حيث يقوم 5 إلى 8 شبان راغبين بالهجرة، بشراء قارب صغير ذي محرك تابع لأحد المتاجرين بـ''تهريب الحراقة''، ثم يتجهون برفقة دليلِ إلى أقرب شاطئ إسباني إنطلاقا من أحد شواطئ الولايات الغربية في رحلة تستغرق ساعات، إلا أن المغامرة غير محمودة العواقب ومحفوفة بالكثير من المخاطر وفي مقدمتها الغرق، فضلا عن اكتشاف أمرهم من طرف حراس السواحل الجزائريين أو الإسبان وإفشال محاولتهم، مما يوقعهم في خسائر مالية ''فادحة'' تتراوح بين 100 ألف إلى 150 ألف دينار جزائري(ما يعادل 10 آلاف إلى 15 ألف يورو)· أعداد كبيرة تقول تقديرات رسمية إن 250 شابا حاولوا الهجرة السرية عن طريق القوارب منذ يناير 2006 حتى الآن إنطلاقاً من شواطىء وهران وحدها، إلا أن مصادر مستقلة تتحدث عن أضعاف هذا الرقم، وقالت المنظمة الجهوية للمحامين بتلمسان غرب الجزائر إن أكثر من 800 شاب تم القبض عليهم أو انقاذهم بشواطئ ''الغزوات'' وحدها منذ بداية السنة الجارية، كما فُقد مئتاَ شاب وأنتشلت جثث 15 آخرون، بينما يتم إعادة 20 مهاجرا سريا من مدينة ألميريا الإسبانية أسبوعيا بعد أن يُلقى عليهم القبض· كما قدم نفس المصدر رقما ''مهولا'' يتعلق بعدد الشبان الذين هاجروا من ولاية تلمسان وحدها عن طريق قوارب الموت، حيث تجاوزوا الـ3 آلاف شاب حتى أن بعض القرى الفقيرة أصبحت خالية من شبانها! وربما كان في ذلك نوع من المبالغة والتهويل، ولكنه يعد إشارة تحذير للسلطات المعنية بضرورة استدراك الأمر وإقامة برامج تنموية قوية بإمكانها امتصاص البطالة وإلا إضطر ملايين الشبان إلى الهجرة· يدرك ''الحراقة'' تماما أنهم يغامرون بأرواحهم حينما يركبون قاربا صغيرا ويمخرون به عباب البحر رغبة في الوصول إلى الضفة الأخرى؛ غير انهم لم يعودوا ينتظرون فصل الصيف ليبحروا، بل أصبحوا يمتطون قوارب الموت في كل الفصول غير مكترثين بالبرد الشديد والرياح والعواصف· وهو ما يؤشر إلى أن هؤلاء قد ضاقوا ذرعا بظروفهم الاجتماعية المزرية فأصبحوا لا يتورعون عن ركوب أخطار البحر وأهواله مهما كانت نتائج رحلاتهم، أملا بإنهاء معاناتهم الاجتماعية وتحقيق أحلامهم بالثراء· وتؤكد مصادر مستقلة أن ثلاثة أرباع ''الحرّاقة'' عاطلون ويعيشون فقرا عائليا مدقعا مما يدفعهم دفعا للهجرة لتحسين الظروف المعيشية لعائلاتهم· بينما لم يرض الباقون بمستواهم المعيشي العام لضعف أجورهم فقرروا الهجرة السرية لمضاعفة مداخيلهم، لاسيما وأن الحد الأدنى للأجر في الجزائر لا يتجاوز ما يعادل 100 يورو مقابل ألف يورو بأوروبا· وتتراوح معظم أعمار ''الحراقة'' بين العشرين والثلاثين،إلا أن هناك ''حراقة'' في الأربعينات والخمسينات أيضا ومنهم فتيات ونساء· ويرد هؤلاء على كل من يحذرهم من أخطار البحر بالقول'' يأكلني الحوت ولا يأكلني الدود'' و ''كرتونة في روما ولا فيلاّ في خزرونة''! حالة استنفار أمنية إزاء تزايد عدد المهاجرين السريين الذين يُعادون من إسبانيا، كثفت السلطات من إجراءاتها الأمنية لإجهاض الهجرات الجماعية للشباب؛ وبنت عدة مفارز أمنية على الشواطئ الغربية لرصد تحركات القوارب والزوارق كما جندت فرقا بحرية تتنقل باستمرار على طول الشواطئ وخاصة التي دأب ''الحراقة'' على الإنطلاق منها إلى السواحل الإسبانية، ومنها 30 شاطئا بولاية عين تيموشنت التي لا تبعد عن ألميريا الإسبانية سوى ب94 كلم فضلا عن شواطىء وهران ومستغانم وأرزيو وبني صاف، وتساعد هذه الفرقَ حواماتٌ عسكرية تطوف الشواطئ المشتبه بها وخاصة المهجورة منها بغية رصد تحركات القوارب وإفشالها في الوقت المناسب، كما يتم التركيز حاليا على تفكيك شبكات الهجرة السرية بإعتبارها أهم من ملاحقة شبان يائسين من أوضاعهم ولا يترددون في تكرار محاولة الهجرة في كل مرة· ولم تكتف السلطات بالتصدي الأمني للظاهرة، بل أنشأت ''خلايا للمتابعة''وكلفتها بمهمة دراسة الظاهرة وجمع أكبر عدد ممكن من المعلومات من ''الحراقة'' المقبوض عليهم: أعمارهم، مستوياتهم الدراسية، ظروفهم النفسية، طريقة تفكيرهم، مشكلاتهم العائلية، المستويات المادية لعائلاتهم، البلدات التي جاؤوا منها··· وغيرها من النقاط قصد التعمق في دراسة الظاهرة ووضع الحلول المناسبة لها· حرج كبير ويرى متتبعون أن الظاهرة سببت حرجا كبيرا للسلطات الجزائرية على غرار الحرج الذي شعرت به في أبريل 2006 حينما طالب ملايين الجزائريين شيراك بمنحهم الفيزا للهجرة· آنذاك، إنبرت المعارضة لتنتقد السلطات بعنف وتعتبر ما حدث في الجزائر العاصمة ووهران فشلا ذريعا لها وهي التي بدأت خزائنها تمتلئ باحتياطات الصرف الناجمة عن الارتفاع المستمر لأسعار النفط منذ 6 سنوات على الأقل· واليوم تغتنم المعارضة الفرصة وتوجه سهامها للسلطات مجددا متهمة إياها بالعجز عن استغلال العائدات المرتفعة لمداخيل المحروقات إلى مشاريع استثمارية ناجحة من شأنها امتصاص معدلات البطالة المرتفعة ومكافحة الفقر وإقناع مئات الآلاف من الشبان الراغبين بالهجرة، بالبقاء في بلدهم· وترد السلطات بالقول إن آلاف الشبان الجزائريين يرفضون العمل في الورشات المفتوحة إلى درجة أن هناك 13 ألف عامل صيني يعمل بورشات البناء التي يعزف الشبان الجزائريون عن العمل بها، وقد انتقدهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على هذا السلوك ودعاهم إلى القبول بأي عمل يعرض عليهم باعتباره شريفا وعدم المبالغة في وضع الشروط· وتأمل الجزائر بأن ينجح مخططها للإنعاش الاقتصادي الذي رُصدت له 80 مليار دولار إلى غاية 2009 لتوفير ملايين الوظائف ومن ثم التخفيف من حدة هجرة شبابها، الشرعية منها وغير الشرعية، واقناعهم بالبقاء والعمل في بلدهم· إلا أن النتائج الأولية للمخطط لا تزال محدودة ويتعين انتظار بعض الوقت لتفعيل المشاريع وتحول الجزائر إلى ''ورشة كبرى'' مفتوحة كما يقول المسؤولون· وإلى أن يتحقق ذلك، يبقى الآلاف من الشبان الجزائريين العاطلين يمخرون عباب البحر المتوسط بإتجاه إسبانيا رغبة بتحقيق حلمهم بالهجرة والثراء، وهو ما يشكل صداعا مزمنا آخر للسلطات التي ستجد أنفسها أمام ضغوط إسبانية متزايدة تطالبها بعمل المزيد لإيقاف هجرة أبنائها إليها·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©