الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألمانيا ...عناصر التميز الاقتصادي

ألمانيا ...عناصر التميز الاقتصادي
25 يناير 2012
دون لي إلز، ألمانيا في كل عطلة فصل صيف، يقضي "فولكمر وفيرا كروجر" ثلاثة أسابيع في جنوب فرنسا أو في منتجع دافئ في الدانمارك. أما بالنسبة للثلاثة أسابيع الأخرى من الإجازة السنوية، فيمضونها في ممارسة أعمال البستنة أو السفر خارج مدينتهم لبضع ساعات من أجل تشجيع فريقهم المفضل في أكبر ملعب لكرة القدم في ألمانيا. الزوجان، وهما في أوائل عقدهما الخامس، ليسا متقاعدين أو غنيين. فهما يعيشان في منزل صغير في هذه البلدة التي ينتمي جل سكانها إلى الطبقة الوسطى وتقع على بعد نحو 30 ميلاً إلى الشمال الغربي لفرانكفورت. هو رئيس عمال في مصنع للزجاج، وهي تعمل بدوام جزئي في شركة تقوم بالجرد والإحصاء لحساب متاجر البيع بالتجزئة. أما راتبهم المشترك، فلا يتعدى 40 ألف دولار سنوياً. غير أن عائلة "كروجر" تعيش مستوى معيشة مرتفعاً مقارنة مع أميركيين عديدين يتقاضون ضعف ذلك الراتب. سرهما: ديون قليلة، وعادات تتحاشى الإنفاق بإفراط ، وحكومة تركز على رفع الإنتاج وخفض التضخم وتقوية الخدمات الاجتماعية. وهو ما وفر لهم أمناً وظيفياً ورعاية صحية جيدة إضافة إلى طرق وقطارات ومسالك خاصة للدراجات تخضع لصيانة جيدة. ابناهما اللذان بلغا سن الرشد يعيش كل واحد منهما بمفرده خارج المنزل العائلي، ويعود الفضل في ذلك جزئياً إلى نظام التدريب المهني ودعم كبير للتعليم الجامعي في ألمانيا. وعلى سبيل المثال، فإن نصيب "فولكمر" من تكاليف جراحة أجراها على المعدة و10 أيام في المستشفى بلغت 13 دولاراً فقط لليوم، هذا في حين تبلغ رسوم دراسة ابنهما في الجامعة حوالي 260 دولاراً للفصل الدراسي. ويمكن القول إن ألمانيا اليوم، بقاعدتها الصناعية وتفوق صادراتها، هي "أميركا أمس": قوة اقتصادية مختلفة عن أي من جيرانها الأوروبيين. وباعتبارها رابع أكبر اقتصاد عالمي، فقد نمت وازدهرت بفضل مبادئ يبدو أن الولايات المتحدة قد تخلت عنها تدريجياً. ذلك أن ألمانيا وضعت ميزانية "ضيقة" وتبنت إصلاحات – مثل رفع سن التقاعد – لم تبدأ بلدان أخرى من منطقة "اليورو" اتخاذها سوى الآن مرغَمة، وقلة قليلة من البلدان تستطيع مضاهاة قدراتها بخصوص إنتاج وتصدير الآلات ومعدات أخرى، أو من حيث بناها التحتية الخاصة بالبحث والتدرب على المهن والتمويل الداعم للصناعة. ويقول "فولكمر"، متحدثاً بلغة إنجليزية مكسرة في وقت يتوقف فيه بين الفينة والأخرى للبحث عن ترجمات في حاسوبه المحمول: "إن الصناعة الألمانية قوية"، مضيفاً "فالناس يعملون بجد. ولذلك، فإن الاقتصاد الألماني هو الأقوى في أوروبا". وبالفعل، فألمانيا هي الدولة الكبيرة الوحيدة في منطقة "اليورو" التي نجت من عمليات خفض التصنيف الائتماني التي طالت جيرانها. ومازالت البلاد تقود اقتصاد القارة. غير أن ألمانيا لديها نصيبها من التحديات. فالتفاوت في الدخل، وإن كان أقل حدة مما هو موجود في الولايات المتحدة، آخذ في الارتفاع. كما أن معظم العمال، بمن فيهم عائلة "كروجر"، لم يروا ارتفاعاً في الأجور خلال السنوات القليلة الماضية. وعدد سكان البلاد آخذ في الانخفاض. واليوم، وفي وقت توجد في أوروبا على حافة الهاوية، تواجه ألمانيا سوقاً آخذة في التراجع بالنسبة لصادراتها، واحتمال الاضطرار إلى توفير عشرات المليارات الإضافية من الدولارات من أجل المساهمة في إنقاذ مالي للجيران الذين يواجهون مشاكل مالية في منطقة "اليورو". ومع ذلك، فإن الشركات الألمانية وثقة المستهلكين بها بخير عموماً، حيث انخفض معدل البطالة في البلاد الشهر الماضي إلى أدنى مستوى له منذ عقدين إذ بلغ 6?8 في المئة، وهو معدل أدنى مقارنة مع معظم أوروبا والولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن إنتاجها الصناعي أخذ يفقد زخمه نسبياً، فإن ألمانيا عرفت حتى الآن كيف تحافظ على فائض تجاري مبهر مع بقية دول العالم، بما في ذلك الصين. والواقع أن الاقتصاد الألماني يبدو شبيهاً باقتصاد الولايات المتحدة قبل بضع عقود. ففي 1975، كانت الصناعة تمثل حوالي 20 في المئة من الإنتاج الاقتصادي للولايات المتحدة، أو الناتج المحلي الإجمالي، وهي النسبة نفسها تقريباً التي تحققها ألمانيا اليوم. ولكن منذ ذلك الحين، تراجع نصيب الصناعة الأميركي من الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 12 في المئة. وفي 1975، كان عجز الميزانية الأميركية يبلغ 1 في المئة من الاقتصاد، على غرار ألمانيا اليوم. غير أنه في العام الماضي بلغ العجز الأميركي حوالي 10 في المئة. وفي السبعينيات وبداية الثمانينيات، كان متوسط العائلات الأميركية توفر نحو 10 في المئة من مدخولها، وهي النسبة نفسها تقريباً المسجلة اليوم في ألمانيا. أما اليوم، فإن معدل الادخار الأميركي تراجع إلى أقل من ذلك بكثير. ألمانيا، وعلى غرار الصين، تروج لصادراتها بشراسة وتتردد في زيادة الإنفاق الداخلي، وهو ما يحبط واشنطن التي تريد بيع مزيد من السلع الأميركية في الخارج. وقد يكون ذلك شيئاً جيداً بالنسبة لألمانيا، ولكن العديد من المنتقدين يقولون إن قلة الاستهلاك في البلاد تتسبب في اختلالات غير صحية بالنسبة للاقتصادات الإقليمية والعالمية، وذلك على غرار إفراط أميركا في الاستهلاك والاقتراض. بيد أن الممارسات الاقتصادية لألمانيا ونمط عيشها لديهما علاقة وثيقة بثقافة تخشى الديون والتضخم. فمن عدة نواح، مثلاً، تحجم البلاد عن التشجيع على الثقافة الاستهلاكية. ذلك أنه تندر في شوارعها اللوحات الإعلانية التي تنتشر بكثرة في أميركا، والضرائب على السلع والخدمات مرتفعة، والعديد من المتاجر والمطاعم في ألمانيا تغلق أبوابها أيام الأحد. بل إن العديد من المتاجر الصغيرة لا تقبل بطاقات الائتمان. وهنا ضحك فولكمر على كيف أن المستهلكين في بلدان أخرى يستعملون بطاقاتهم الائتمانية حتى من أجل أصغر المشتريات إذ قال: "في فرنسا يمكنك أن تشتري رغيفاً باستعمال بطاقة الائتمان. أما في ألمانيا، فإن الناس لا يحبونها". ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©