الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صورة سردية للناس والأمكنة

صورة سردية للناس والأمكنة
4 سبتمبر 2013 20:49
أصدر الكاتب والروائي الدكتور عبدالله المدني روايته الموسومة “محمد صالح وبناته الثلاث” في 141 صفحة من القطع المتوسط، راصداً ملمحاً “مهملاً” من التاريخ الإجتماعي والمتمثل في هجرة عرب فارس إلى دول الخليج، حيث يهاجر (محمد صالح) بلدته (كَرمُستَج) في الطرف الشمالي من الخليج بحثاً عن الرزق، ويُقابل برحابة وتكريم في مدينة الشارقة وينال ثقة من تعاملوا معه، ويكتسب جنسية الإمارة عام 1945. وينشئ تجارة ناجحة تضعه في مصاف التجار المرموقين في الإمارة. قليلون تطرقوا (روائياً) إلى موضوع (الهولة) في الأدب العربي، نظراً لحساسية الموضوع ودلالاته السلبية على حياة الكثيرين. ولقد اختار الدكتور عبدالله المدني هذا الموضوع بشكل إيجابي ومتزن ودون مغالاة وهذا ما أثرى العمل وأعطانا معلومات جديدة عن الموضوع. وأحسنَ تقريب الأحداث إلى الحس الإنساني، ما جعل من العمل إنسانياً في المقام الأول. من خلال قراءاتي للأعمال الروائية للدكتور عبدالله الأربعة وجدتُ أنه يحاول تأريخ المكان والزمان، كما يقدّم شروحات (في الهامش) عن الكلمات غير المتداولة، أو الشعبية التي تُشكلُ على القارئ العربي. وفي هذا نلاحظ (موسوعية) الكاتب، فهو يغوص في السياسية والانثروبولوجيا واللغة والعادات والتقاليد. ظهر ذلك جلياً في رواية “محمد صالح وبناته الثلاث” و”بولقلق” و”من المُكلا إلى الخبر” و”مذكرات حاوية مخلفات”. وبرأيي أن هذا الاتجاه يعطي الرواية عمقاً معلوماتياً إضافة إلى القيمة الرواية. كما يُقدّم الكاتب شهادات لأحداث سياسية ـ في زمن الرواية ـ قد تكون غير حاضرة في مخيال القارئ. وقد عمدَ المدني في العديد من رواياته لتقديم المادة الإثرائية في السرد الروائي، فعلى سبيل المثال: نلاحظ سَبرَهُ للأحداث السياسية في جنوب شرق آسيا من خلال رواية “بولقلق”، وكذلك حضور اليمنيين في المملكة العربية السعودية من خلال رواية “من المُكلا إلى الخبر” وطرق معاشهم وعلاقاتهم مع المواطنين السعوديين، وكذلك الأحداث السياسية وروح البساطة لدى حكام الإمارات، كما هو في رواية “محمد صلاح وبناته الثلاث” وإتيانه بالشواهد الشعرية دون إقحام واضح. كما أن الكاتب يُحيل القارئ إلى المصادر التي تشرح مواقف محددة في التاريخ. كما أنه يُذكّرنا ـ في هذه الرواية التي نحن بصددها ـ بالحالة السياسية في الشارقة سواء عام 1951 أو ما قبلها. تميل لغة المدني إلى البساطة الواقعية وقلة الاستعارات وعدم لجوئه إلى البديع أو البيان في معظم أعماله، وهذا شأن الرواية التي تُسجّل أحداثاً تاريخية، وإن كانت الرواية مُتخلية. ومن خلال رواياته الأربع وجدتُ لديه ميلاً نحو السرد الواقعي ـ واستخدامه العديد من المفردات المحلية عربية كانت أم أجنبية ـ بحيث ابتعد عن لغة الوصف إلى حد كبير. بعض النقاد يرون في خلو الروايات من البديع والبيان نقصاً في الرواية، ذلك أن المشهد الموصوف يجب أن يحفل بما يمُكّنُ القارئ من التجوال إلى عوالم أوسع من محدودية الكلمات الصارمة والمباشرة، لكنني أعتقد أن كل موضوع روائي له خصوصيته اللغوية، كما أن شكل الموضوع يفرض اللغة الملائمة له. كما أن إحاطة د. المدني باللغتين (الإنجليزية والفارسية) أعانته في دقة الوصف وتحديد الأسماء والأماكن. ولا يغيب عن بال المدني دور الجغرافيا في إثراء الرواية، سواء في معاناة بطل رواية (بولقلق) في التنقل بين فيتنام وتايلاند والفلبين، أو في رواية “مذكرات حاوية نفايات”، حيث خصوصية كل منطقة من مناطق البحرين، وسلوكيات قاطني كل منطقة وحياة أهلها، ودلالات ما يرمونه في الحاوية أو ما يقومون أمامها من تصرفات تكشف أثر الجغرافيا في حياتهم. في الرواية التي نحن بصددها نلاحظ حضور الجغرافيا بشكل مكثف، حيث سكن (الهولة) في الساحل الإيراني، نوعية البيوت التي يحتمها المكان، واختيار أسماء الأبناء، وسياسة واقع الحال التي تفرضها الجغرافيا على الناس، خصوصاً (الهولة) من أتباع المذهب السني/ الشافعي، والممارسة غير السوية، التي يلقاها هؤلاء من ذوي الأصول العربية، من قبل السلطات الإيرانية. وللدكتور عبدالله المدني اهتمامات كثيرة بالفلكلور، حتى في أحاديثه العادية!. ونلاحظ حتى في رواية “بولقلق التي تبدو، جغرافياً، بعيدة عن واقع الخليج، لم تخلْ من إشارات فلكلورية مثل: البدرة، صح، بلشة، إذلف، ونلاحظ في رواية “مذكرات حاوية مخلفات” ذكر: الفرجان (الأحياء) البحرينية مثل: الفاضل، العوضية، رأس رمان، الدوخي، وكذلك نوعية الأطعمة والمشروبات، دور السينما. وفي رواية “محمد صالح وبناته الثلاث” نجد ملامح من الفلكلور مثل: شكل البيوت، الأطعمة (القند، البلاليط، المهياوة) والمقتنيات (الكدو، الملفع، البرنوص، الكاز، البادحير، الليوان، الحفيز، الرسته، العيّالة، دسمالبازي، وعادة تناول الشاي مع قطع البسكويت والفطائر مساءً، التي أخذها الإنجليز معهم إلى الهند) وغيرها.. وهذا برأيي يُضيف إلى الرواية؛ خصوصاً إذا لم يتجاوز الكاتب خط الاعتدال في استخدام تلك الكلمات الشعبية أو المظاهر الفلكلورية. يلتفت د. المدني ـ خلال سرده لأحداث الرواية ـ إلى الأحداث التاريخية التي مرت بها المنطقة خلال فترة السرد، مثل: العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، والمظاهرات التي خرجت في الشارقة وبقية الإمارات، وأزمة (البريمي) عام 1955، وافتتاح أو مدرسة نظامية ابتدائية للبنات في الشارقة عام 1945، وتأسيس أول ناد ثقافي في الشارقة عام 1945 على يد (ابن عم الحاكم آنذاك) حاكم الشارقة الحالي صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي. وافتتاح سينما (المحطة) كأول سينما في الشارقة عام 1945، وكذلك تطوّر مدينة (دبي) كمركز تجاري وتوسع السوق وانتشار البنوك وحركة الدواب والسيارات. وكذلك ظهور الشعارات القومية وأخبار تأميم قناة السويس، وظهور النفط في الشارقة، وانجذاب بعض الشباب المسلم للقتال في أفغانستان، وانضمام (عبدالقادر) ابن محمد صالح إلى جماعة (الإخوان المسلمين) في مصر وانقطاعه عن الجامعة وانضمام ابنته إلى (البعث)، وانضمام أحد أحفاده إلى الشيوعيين والآخر إلى السلفيين. يختتم الكاتب روايته بنهاية دراماتيكية؛ حيث ثراء محمد صالح وتحول الشارقة من قرية صغيرة عندما وصلها (محمد صالح) وغادرها وقد صارت جزءاً من دولة إتحادية مستقلة وطيدة، تنعم بالرخاء والازدهار وذات أياد بيضاء على الجميع، وقد كانت وطناً لصاحب طموح استطاع أن يكوّن ثروة و يقيم عائلة ممتدة، إلا أن محاولته بناء أمجاد تجارية وسمعة حسنه قد نجحت في الوقت الذي فشل في تربية ولده وابنته الصغرى كما ينبغي، ليغادر الدنيا في فجر يوم غائم من عام 1975، وهما يقبعان في السجون إثر انجرار الإبن إلى (الإخوان المسلمين) وتركه للدراسة في القاهرة، وتأثر البنت بحزب البعث، وترحليها إلى بغداد لتواجه الاستجوابات الشرسة كونها ليست من أصول عربية. بينما فرع من العائلة (راشد) ينجح في الدراسة في نيويورك، ويصبح خبيراً استراتيجياً في الحزب الجمهوري الأميركي، يشدد على ضرورة دعم (المجاهدين) ضد السوفييت، وأخر (إبراهيم) يلتحق بالحزب الشيوعي في الهند ويصبح عضواً في البرلمان ويدعو إلى دعم سياسات موسكو لدحر (المجاهدين) المدعومين من الغرب. من المقاربات الغريبة خروج (عبدالقادر) من السجن في مصر ولا يعود إلى الشارقة بل يظل مختبئاً لحين إعلان (الدولة الإسلامية) على يد (الإخوان المسلمين)، ولكأن المؤلف قد تنبأ بما يجري حالياً في مصر. * أكاديمي وروائي قطري ‏‏Hamsalkhafi57@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©