الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تراسُل الحضارات

تراسُل الحضارات
2 سبتمبر 2015 23:25
أنهار الهند الكبرى هي (السند، الغانج، كريشنا، دامودار، نارمادا، براهما بوترا، جود، فاري، يمنا) ظهرت الحضارات الأساسية للهند على أحواض الأنهار الثلاثة الأولى، فكانت حضارة السند أقدم هذه الحضارات وآثارها الآن في دولة باكستان وكانت تمثل حضارة الشعب الأصلي الذي سكن الهند وهو الشعب الدرافيدي (الدراويدي) الأسمر اللون، قبل أن يهاجر لها الآريون في حدود 2000 ق.م . يجري نهر السند في الجزء الغربي من البنجاب ويبلغ طوله ألف ميل، وبسبب عراقة الحضارة التي نشأت على ضفافه وفي واديه فقد اكتسبت الهند اسمها منه، حيث الاسم (سندو) في لغة أهله يعني (نهر). وهي المفردة التي لفظها الفرس بلغتهم وحوروها إلى (هندو) والتي أطلقوها على الهند الشمالية التي سميت (هندوستان) عندهم وتعني (بلاد الأنهار) ومن هذه المفردة (هندو) صاغ الإغريق كلمة (هند) الدالة على بلاد الهند التي نعرفها. لم تظهر الحضارة الأولى في كل بقاع الهند بل في وادي السند حصراً وتسمى هذه الحضارة بـ (حضارة هرابا) التي أخذت اسمها من مدينة (هرابا) الواقعة في وادي السند في الباكستان الحالية، وتسمى عموماً بحضارة وادي السند أو الحضارة السندية . كان هناك نهران كبيران هما (السند وهاكرا) ولكن نهر هاكرا (الذي يسمى أيضاً غاغار وساراسفاتي) اندثر الآن، وكان فيضانهما هو الذي جعل الوادي خصيباً. الحضارة الأولى نسميها الحضارة الأولى في الهند لأنها اخترعت الكتابة الصورية المقطعية التي يمكن أن نسميها بالكتابة السندية، والتي يرى بعض الباحثين أنها ظهرت بتأثير الكتابة الصورية السومرية فيما يرى آخرون أنها ظهرت دون تأثير من مكان آخر. ونسميها الحضارة الهندية الأولى لأنها أظهرت المدن الهندية الأولى وأهمها ثلاث هي (موهنجو-دارو، هرابا، لوتهال). عدما انتهت عصور ما قبل التاريخ في الهند كانت هناك ثلاثة مواقع أثرية تهيء لبدء العصور التاريخية وتشكل جذور الحضارة الهندية، وكانت هذه المواقع تقع في حوض وادي السند الذي يجري فيه نهر السند، ولأجل تقريب الصورة نقول أن هذا الوادي يشبه وادي الرافدين ووادي النيل كرحم لحضارات تاريخية قادمة. ضمّ هذا الوادي أكثر من 24 موقعاً أثرياً كانت لقرى متطورة أو لمدنٍ صغيرة شكّلت انطلاقة العصور التاريخية وحضارة الهند. وأشهر هذه المواقع ثلاثة هي: (موهنجوا دارو، هرابّا، لوتهال). حضارة (هرابا) تنقسم مراحل حضارة وادي السند التي تسمى أيضاً (ثقافة هرابا) الى ثلاث مراحل أساسية هي: هرابا (المبكرة ، الناضجة ، المتأخرة ) ، وتنقسم فيها ثقافة هرابا إلى خمس مراحل، كما في الجدول الآتي: مدينة موهنجوا – دارو Mohenjo- Daro بينما كان الآثاري الهندي (نبيرجي) يقوم بحفرياته، حول معبد بوذي، عثر، بالصدفة ، عليها وقد هاله ما كانت عليه هذه المدينة من تطور رغم قدمها العميق، ثم ظهرت التنقيبات الموسعة للمدينة بإشراف جون مارشال 1922 ثم مورتيمر ويلر 1947 ثم ديلز 956 وظهر بوضوح أن هذه المدينة هي أولى مدن الحضارة في الهند التي ازدهرت بين أعوام (3200- 1700) ق.م كانت المدينة الأثرية تقع على الضفة الغربية لنهر السند وتبعد نحو 225 كم شمال شرق مدينة كراجي الباكستانية الحالية ومساحتها تبلغ نحو (80) هكتاراً. مكونات المدينة يعتقد، اليوم أن موهنجوا – دارو ربما كانت هي مدينة ملوخا Muliuha التي ذكرتها النصوص المسمارية وهي تتحدث عن التجارة الواسعة معها، فقد كانت سفن ملوخا ترسو في الموانئ السومرية والأكادية بشكل دائم وتجلب لها الفضة والذهب والعاج والعقيق والأخشاب. تقع المدينة في منطقة (لارنكا) في وادي السند في الباكستان، على تلّة أثرية قديمة تحيط بها السهول التي كان يفيض بها نهر السند الذي يقع شرق المدينة. تبدو المدينة وكأنها بُنيت على ضوء تخطيط حضري مقصود على تلةٍ واسعة تبدو مثل مرتفع تحيطه مياه فيضانات السند من الأسفل وتتكون المدينة من قسمين: = القلعة: وهي تلٌّ من الطابوق ارتفاعه 12 متراً ويحتوي على الحمامات العامة والمجمع السكني لأهل المدينة بسعة تصل إلى 5000 مواطن، وهناك قاعتان كبيرتان. وفي القلعة شوارع متعامدة مرصوفة بدقةٍ بطريقة متصالبة ومنتظمة تحيط بها بيوت السكن مبنية بقطع القرميد المشوي المتساوي الحجم والسعة وكانت مجهزة بأنابيب فخارية مبطنة بالقرميد تحمل الماء من أحواض الغسيل والمراحيض إلى خارجها وهناك أنابيب لرمي الفضلات وجمعها، وكانت أغلب البيوت مكونة من طابقين. هذه المنازل كانت علامة فارقة في هذه المدينة في هذه المدينة بتنظيمها المدهش وليست هي الوحيدة في هذا المكان فالمدينة السفلى التي تحيط بالقلعة كانت تضم بيوتاً أكثر لكنها أقل نوعية من بيوت القلعة. = المدينة السفلى: وهي المدينة الكبرى التي تضم آلاف البيوت تحتوي على بعض البنايات الخاصة بالاجتماعات والمعابد والحمّامات والمخازن والسوق المركزي، ويحيط بها سورٌ بسيط وأبراج حراسة وتحصينات دفاعية. تعرضت مدينة موهنجو- دارو للتدمير سبع مرات وكان يعاد بناء المدينة الجديدة فوق المدينة القديمة. آثار المدينة أظهرت الآثار المنقولة للمدينة مجموعة هائلة من الآثار المهمة منها الحليّ الذهبية والخرز والعقيق المنقوش، وظهرت تماثيل الملوك والكهنة المميزة وكذلك المواد النحاسية المنزلية والحربية (وهو ما يشير إلى تعدين النحاس في المدينة أو في مدن قريبة منها). كان فخار موهنجو – دارو مميزاً (مصنوعاً بدولاب فخار متحرك) ومطلياً باللون الأحمر المزين بزخارف سوداء لحيوانات ونباتات محلية. ولعل أهم ما عثر عليه من آثارها هي النصوص الكتابية الصورية والأختام المدونة بخط محليّ لم ينتشر خارج وادي السند، وهناك ما يدعم نظرية بعض العلماء من أن هناك الكثير من النصوص السندية التي تلفت لأنها كتبت على الجلود والأخشاب ولم تبق سوى النصوص التي نقشت على الطين والفخار. تميزت الأختام السندية بأنها أختام منبسطة مربعة الشكل وتضمّ أشكالاً وصوراً ورسوماً. الفنون الصغرى للحضارة السندية اشتملت على أدوات وفنون النحاس والبرونز والمرايا وجرار الفخار ومقالي المعدن واستخدموا العاج والأصداف والعظام في صناعة الحليّ والآثاث والألعاب. علاقة المدينة بالرافدين والخليج هناك من يرى أن بداية الحضارة في وادي السند كانت بحافز حضاري من وادي الرافدين وبشكل خاص في مجال الكتابة والعمران والتجارة وهذا مرجح بسبب السبق الحضاري لحضارة وادي الرافدين زمنياً، ويؤيد هذا تواصل الرحلات التجارية بينهما على مدى التاريخ القديم. وهناك سكان سنديون هاجروا إلى سومر وأسسوا فيها قرى سميت لاحقاً بـ (قرى ملوخا) ويرجّح أن يكون هذا الاسم هو الاسم الحقيقي لحضارة وادي السند القديمة (ملوخا). أثرت حضارة السند مباشرة أو من خلال سكان قرى ملوخا في وادي الرافدين في حضارات وثقافات الخليج العربي، وكانت مع التأثيرات المباشرة لحضارات وادي الرافدين مساهمة في حفز الحضارات في الخليج، ولعل اهم تلك الاسهامات وأولها هي الأختام الدلمونية المبكرة التي كان بعضها ذات طراز سندي واضع والتي ظهرت في حدود 2100- 2050 ق.م. وقد قام باربولا (ParPola) بتقسيم هذه الأختام إلى ثلاث مجموعات (هرّابية، حاوية على الرموز السندية، نسخ عن الأختام السندية). توصل الآثاريون إلى أن حضارة دلمون (مركزها البحرين) كانت تستخدم الأوزان الخاصة بالحضارة السندية من حيث شكلها ونظام وزنها وتقسيمها فقد كانت الأوزان مكعبة وكروية وتتدرج في أوزانها حسب نظام الوزن الجاري في مدن مثل (موهنجو- دارو وهرّابا) والتي كانت تتضاعف حسب متوالية عددية (1: 2: 4: 8... 3000) بحسب مشتقات العدد (80). وكانت دلمون تستخدم بدرجة أقل الأوزان الرافدينية (البرميلية والمغزلية) السوداء اللون ولكن نظام الوزن كان يجري بحسب نظام وادي السند في الأوزان. هناك ما يشبه الإجماع، اليوم، على أن حضارات الخليج العربي القديمة تأثرت بحضارة وأدوات وادي السند من خلال طريقين هما: = سكان قرى ملوخا في وادي الرافدين أو الذين هاجروا إلى مدن وحواضر الخليج العربي منذ 2100 ق.م = أدوات وأختام وآثار ثقافة (بكريا – مارجينا) التي هي امتداد للحضارة السندية في إيران فقد أثرت في حضارات الخليج عموماً وفي حضارة دلمون بشكل خاص للفترة من 2200- 1800 ق.م. هرابا - Harappa تقع هرّابا في البنجاب وهي في وادي السند الطويل شمال موهنجو- دارو بحوالي 650 كم، شمال دولة باكستان في ولاية البنجاب، اكتشف في جنوبها وعند المجرى القديم لنهر رافي موقع أثري مهم يعود للألف الثالث قبل الميلاد أي لبداية العصر البرونزي وأظهرت آثاره وجود مدينة قديمة لا يعرف اسمها فسميت باسم الموقع الحالي (هرّابا) وهو أكبر حجماً من موقع موهنجو – دارو. بنجاب هي إحدى أقاليم باكستان الأربعة. عاصمة الإقليم هي مدينة لاهور والتي تعد ثاني أكبر مدن البلاد. يجاور الإقليم من الشمال آزاد كشمير ومن الجنوب إقليم السند، أما من الشرق فتجاورها الهند. وهي أرض الشيخ التاريخية حيث ولد فيها معلمهم الأول (غورو ناناك) مؤسس الديانة السيخية وفيها أيضاً نشأ المعلمون التسعة بعد المعلم الأول ومن جاء بعدهم من الزعماء. استطاع مورتمير ويلر عام 1946 أن يكشف تنقيبات قلعة المدينة. وتتكون المدينة من: = القلعة وهي أعلى منطقة فيها وتقع جنوب غربي المدينة يحيطها سور من الآجر عرضه 12 متراً يظهر آخره المشوي من خارجه ويوجد داخل القلعة أبنية إدارية وصوامع ومجمع سكني لعمال هذه الصوامع والأبنية. = الشوارع الرئيسية المتعامدة غير المبلطة وهناك شوارع ثانوية تتفرغ منها. = البيوت السكنية التي تتفاوت بين قصور كبيرة وبيوت بغرفة واحدة. تتكون البيوت من حمّام وأنظمة تصريف مربوطة بشبكة قنوات عامة من المجاري تمر تحت الشوارع الرئيسية ثم تصرف خارج المدينة. = المقابر وهي على نوعين؛ الأول: مقابر كبيرة منتظمة فريدة من نوعها تقع جنوب المدينة، ومقابر الدفن ..... لدفن بعض الأعضاء البشرية والتي لم تعرف الغاية منها. وكان أهل المدينة يدفنون موتاهم في أغلب الأحيان في توابيت خشبية مع الأواني الفخارية والأوعية الأُخرى. لم يعثر على معابد أو مزارات واضحة المعالم رغم العثور على ما يشبه الآلهة نحتاً ونقوشاً. أما آثار هرّابا فهي مكونة من مصنوعات نحاسية رديئة الصنع ونصال حجرية من لبّ الصوان وخرز عقيق محزز ودمى طينية لآلهة وبشر وحيوانات ونباتات، وأختام منبسطة وأختام أسطوانية يتضح فيها أثر منقوشات وادي الرافدين. وهناك فخار مصنوع على دولاب الفخار أحمر اللون ومنقوش بالأسود. الكتابة السندية (كتابة هرابا) ظهرت كتابة هرابا الصورية المقطعية كحدٍّ فاصلٍ بين عصور ما قبل التاريخ الحجرية والعصور التاريخية ، وكانت ترسم وتُخط على أختامٍ حجرية مربعة تضم في الغالب صوراً لحيوانات، وظهرت كتابات أخرى على شقف الفخار، وقد ظهرت محاولات لفكّ رموز هذه الكتابة لم تنجح كلياً في معرفة معانيها الدقيقة، والصور المنشورة هنا تظهر بعض رموزها المرسومة. الحضارة أو الثقافة التي ظهرت في هذه المدينة تسمى عند العلماء حضارة ثقافة هرابّا Harappa وهو اسم المدينة في وادي السند أيضاً. حضارة هرابّا هي حضارة وادي السند الأولى التي ستؤسس للحضارة الهندية عموماً بعد أن يجتاحها الآريون، لكن حضارة السند حضارة محلية أصيلة يمكن أن نقول إن شعوب الهند الأولى الأصيلة مثل (الدرافيدون) هم الذين أسسوها، وأصبحت مدينة موهنجوا – دارو هي الأكثر تطوراً وتطبيقاً لحضارة هرابّا. يُعتقد أن هذه الحضارة انتهت في حدود عام 1700 ق.م بعد أن ظهر الاجتياح الآري لمدن حضارة السند. انتشرت هذه الحضارة في الاتجاهات الأربعة فقد ظهرت آثارها شمال وغرب الهند، وانتشرت باتجاه الغرب نحو إيران عند باختريا وجنوباً نحو لوثال وسواحل بحر العرب المحاذية لها. لوثال (لوتهال) - Lothal المدينة الثالثة في حضارة السند هي (لوثال) التي يعني اسمها (جبل الموتى) وموقعها الأثري اكتشف في 1954 من قبل الدكتور س . راو. تعرف أيضاً بـ (سندو- سراواتي Sindhu- Sarawati) وانتشرت فيها ثقافة هرابا وكانت مركزاً لإنتاج نوع خاص من الخرز والمواد النحاسية وكانت تنعم بنشاط تجاري كبير. وتضم المدينة قلعة وبيوتاً ومقابرَ تشبه ما كانت عليه مدن الحضارة السندية مثل دارو وهرابا. ولعل أهم ما عثر عليه من آثار في لوثال تلك الأختام التي تتضح فيها حركة الصليب المعقوف (السواستيكا). نهاية حضارة وادي السند ( هرابا المتأخرة) بحلول عام 1700ق.م. بدأت حضارة وادي السند بالانحلال وتحولت إلى ثقافات أصغر، سُميت (ثقافات هارابا الأخيرة) أو (ما بعد ثقافات هارابا) ، وكانت هناك أسباب كثيرة يرجح العلماء أن تكون وراء هذا الانحلال منها تقلبات أحوال مياه النهر. وشملت تلك التقلبات جفاف مياه نهر هاكرا، والتغيرات التي طرأت على مجرى نهر السند. وهو ما سبب في ظهور اضطرابات في الأنظمة الزراعية والاقتصادية، ورغم أن الناس غادروا الكثير من المدن الواقعة في منطقة وادي السند لكن بعض فنون حضارة وادي السند وزراعتها استمرت في الثقافات الصغيرة التي أعقبتها. وأصبح بعض تلك الجوانب مدمجاً في الحضارة الموحدة التي بدأت تنمو على نطاق المنطقة في نحو عام 600 ق.م. ولكنها لم تعد كافية لنهوض جديد لحضارة السند الأولى. حلت تدريجيا بعد الحضارة السندية ما يعرف بالحضارة الفيدية التي صنعها الغزاة الآريون من خلال ديانةٍ خصبةٍ وغنية أنتجت كتب الفيدا المقدسة الأربعة التي هي عماد الديانة الهندوسية. * «حضارة هرابا» هي الحضارة الأولى في الهند وتسمى عموماً بحضارة وادي السند أو الحضارة السندية * ضمّ وادي نهر السند أكثر من 24 موقعاً أثرياً شكّلت انطلاقة العصور التاريخية وحضارة الهند * ثمة من يرى أن بداية الحضارة في وادي السند كانت بحافز حضاري من وادي الرافدين * «موهنجوا – دارو» هل هي «ملوخا» التي ذكرتها النصوص المسمارية وتحدثت عن تجارة واسعة معها؟ * ساهمت حضارة السند مع وادي الرافدين في حفز الحضارات في الخليج وأهم تجليات هذا الإسهام هو الأختام الدلمونية المبكرة في البحرين * كتابة هرابا الصورية المقطعية حد فاصل بين عصور ما قبل التاريخ الحجرية والعصور التاريخية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©