الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سلام مع الفضاء

سلام مع الفضاء
2 سبتمبر 2015 21:50
قضت الرحلة 11 شهراً قبل الوصول إلى هدفها وقطعت حوالي 666 مليون كلم. المثير في هذا الإنجاز هو انخفاض تكلفتها مقارنة مع نظيرتها الأميركية، فقد كلفت حوالي 74 مليون دولار، بينما كلف المسبار الفضائي الأميركي (مافن MVEN671) مليون دولار. وعلق الوزير الأول الهندي نارندرا مودي NArendraModiعلى هذا الأمر قائلاً إنه إنجاز أقل تكلفة من فيلم الخيال العلمي Gravityالذي كلف هوليود 100 مليون دولار وأضاف الوزير الأول: «شكراً لكم، شكراً لكل البلاد، التاريخ يكتب اليوم». فقر.. وتكولوجيا أن تتمكن الهند من إنجاز حدث ضخم كهذا بميزانية بسيطة جداً شيء غير مستغرب في هذا البلد الذي تنتشر فيه ثقافة (Low cost) بقوة والتي تقضي بصنع شيء بتكلفة وبوسائل بسيطة، شيء من لاشيء. سبق للهند أن اخترعت السيارة (TATANANO) الأرخص في العالم، إضافة إلى ثقافة التقشف هذه هناك أيضاً اليد العاملة الرخيصة التي تتقاضى مبالغ بسيطة مقارنة مع اليد العاملة في أميركا. لقد صرح إس أنونان مدير الرحلة الهندية بأن المريخ أن هذه المهمة أرخص بعشر مرات نظيرتها الأميركية. مع ذلك يتساءل المنتقدون لماذا المريخ وما ضرورة الاهتمام بالفضاء وإنفاق هذه الملايين من الدولارات، خصوصاً بالنسبة لبلد فقير كالهند. غير أن هذا الاعتراض يتراجع أمام المناقشة؛ لأن تكنولوجيا الفضاء تلعب دورا تنمويا كبير في اقتصاد أي بلد، وتحرك الكثير من القطاعات الصناعية. لقد ولى عهد الحرب الباردة، حيث كان الاهتمام بالفضاء محكوم بالغايات الدعائية الإيديولوجية وتحقيق الفخر والتباهي، أما اليوم فالاهتمام بالفضاء محكوم بغايات علمية وتنموية محضة. مثلاً وضع الأقمار الاصطناعية التي تساعد على تقديم المعلومات الخاصة بالأرصاد الجوية أو تنظيم حركة السير، أو وضع الخرائط إلى غيرها من المهام المدنية. ولا شك في أن الشعار الذي تحمله وكالة الفضاء الهندية له دلالة في هذا السياق، وهو: «تكنولوجيا الفضاء في خدمة الإنسان». ورغم وجود بعض الأقمار الهندية التي تقوم بمهام المراقبة والاستشعار، إلا أن البرنامج الفضائي الهندي يظل في الأساس برنامجاً سلمياً. إن انتقاد هذه التكنولوجيا بدعوى فقر البلد غير مبرر بتاتاً؛ لأن امتلاك قوة الدفع الصاروخي، تؤدي بالعديد من الدول إلى التعاقد مع الهند من أجل مساعدتها على وضع أقمارها الاصطناعية في مدراتها حول الأرض، وهذا التعاقد بطبيعة الحال له عوائد اقتصادية كبيرة على البلد. علينا إذن أن لا ننسى أن الأمر يتعلق بسوق تجارية عالمية لها مداخيل كبيرة، يقدرها بعض المتتبعين بحوالي 300 مليار دولار. وبالمناسبة فقد كانت ماليزيا واحدة من أولى الدول المتعاقدة مع الهند للاستفادة من خدماتها التكنولوجية في المجال الفضائي، إضافة إلى العديد من الدول الأخرى التي أبدت اهتمامها بمركبة الإطلاق الهندية مثل البرازيل والأرجنتين والغابون... لقد وضعت الهند لحد الآن أكثر من 40 قمراً اصطناعياً لدول أخرى أغلبها من العالم الثالث. ذرت عليها هذه العملية أكثر من 70 مليون دولار من الأرباح. هكذا بعد أن كانت الهند تتعاقد مع الشركة الأوروبية آريان Arianespace من أجل وضع أقمارها الاصطناعية في مدراتها - سبق لهذه الشركة منذ 1981 أن وضعت 15 قمراً اصطناعيا هنديا في مدراتها آخرها القمر (Gsat 8 وGsat10) ستتمكن من القيام بهذه المهام بقدراتها التكنولوجية الخاصة. أهم المحطات الكرونولوجية قد ينظر البعض إلى هذا الإنجاز الذي حققته الهند باعتباره مفاجئاً، لكن المتتبعين للاهتمام الهندي بالفضاء يعرفون أنه ليس أمراً طارئاً، فعلاقة الهند بالفضاء تعود إلى سنة 1961، منذ ذلك الحين وهي تطور أجهزة إطلاق أكثر قوة، وتعمل على تطوير كفاءتها التكنولوجية الفضائية سواء بالتعاون مع وكالة الفضاء الأميركية NSAأو الوكالة الفضائية الفرنسية CENS. منذ هذا التاريخ ظهرت العديد من مراكز البحث الفضائي، نذكر منها مركز علوم الفضاء والتكنولوجيا SSTCومراكز علمية أخرى في مناطق مختلفة من البلاد، قبل أن تظهر المنظمة العلمية لأبحاث الفضاء l›ISROسنة 1969 التي عملت على توحيد كل هذه المراكز ووضعها تحت إشرافها. يحتفظ تاريخ غزو الفضاء الهندي ببعض الأسماء المؤسسة لدينا مثلاً فيكرام سارابهي ViKramsarabhaiالذي يعد (أبو البرنامج الفضائي الهندي)، الذي أطلق اسمه على أهم مركز فضائي تابع لـ ISRO. هناك أيضاً راكيش شارما RakeshSharmaوهو أول رائد فضاء هندي. سنة 1972 قررت الحكومة الهندية الذهاب بعيداً في برنامجها، وذلك ببناء صاروخ إطلاق، وهكذا ظهر الصاروخ SLV3 غير أن الهند لم تدخل رسمياً نادي الدول الفضائية إلا ابتداءً من سنة 1980 بعد نجاحها في أول عمليات الإطلاق. سنة 1999 أصبحت الهند دولة تسوق للدول الأخرى خدماتها في إطلاق الصواريخ ووضع الأقمار الاصطناعية في مداراتها المحددة. في 22 أكتوبر 2008 تمكنت الهند من وضع قمر اصطناعي يقوم بمهام علمية حول القمر وفي 5 نوفمبر 2013- كما ذكرنا سابقاً- كان الحدث الأكبر في تاريخ الملاحة الفضائية الهندية، وهو الوصول إلى المريخ. صراع الفيل والتنين رغم الطابع السلمي لبرامج الفضاء الهندية، إلا أننا لا يمكن أن نغفل المنافسة الشرسة بين هذا البلد والصين حول زعامة المنطقة. الفيل والتنين معاً وصفا على أنهما أكبر قوة اقتصادية نامية في القرن الـ 21، لكن العلاقات بين البلدين معقدة بالنظر إلى الوضع الجيوسياسي هناك مشكلة التيبت، ومشكلة المياه، إضافة إلى التقارب الصيني - الباكستاني من ناحية، ومن ناحية أخرى التقارب الهندي الأميركي الذي تنظر إليه الصين بعين الريبة، ثم التفجيرات النووية التي قامت بها الهند سنة 1998 التي اعتبرت أنها موجهة لجارتها الصين. مع ذلك وابتداءً من سنة 2000 بدأت العلاقات الصينية تتطور تدريجياً بعد اللقاءات التي حدثت بين العديد من المسئولين من كلا الطرفين، خصوصاً اللقاء بين الوزير الأول الصيني هوجينطاو Hujintaoوالوزير الأول الهندي فيجبايي Vijpayeeسنة 2003. هذا الصراع يتخذ اليوم نوعاً من الطموح للهيمنة على المنطقة، لكنه لم يتحول إلى مواجهة مباشرة باستثناء المواجهة القديمة في 1962. المتتبعون لحركة التاريخ يرون أنه ما من قوة صاعدة إلا وترافقت مع الطموح العسكري الذي ينتهي أحياناً بكارثة، ينطبق هذا على ألمانيا واليابان والولايات المتحدة. نأمل في حالة الصين والهند أن يتغلب الموروث البوذي والغاندي مع الفلسفة الطاوية السلمية لمنع حدوث حروب مجانية جديدة. مثل هذا النمو المتصاعد للهند يجعلها كذلك في حاجة إلى المزيد من الطاقة، وهذا هو ما يفسر اهتمامها من ناحية بالطاقة النووية السلمية، ومن ناحية انفتاحها على دول الشرق الأوسط، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة. تستورد الهند 70% من النفط من الشرق الأوسط ومن المنتظر أن يتضاعف احتياجها للطاقة نتيجة وثيرة النمو المتزايدة. كان الصراع ينحصر خلال الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية. أما اليوم، فنحن نعيش فترة جديدة تعرف صعود فاعلين جدد على الساحة، ويبدو أننا نتجه تدريجياً نحو عالم متعدد الأقطاب بدل نظام أحادية القطب. هناك اهتمام متزايد من طرف العديد من الدول خاصة العالم ثالثية بالمجال الفضائي. لم يعد غزو الفضاء حكراً على الدول الصناعية الكبرى التقليدية. لقد مجالاً للتطور التكنولوجي والبحث العلمي والاستثمار الاقتصادي والبحث عن معادن يمكن جلبها للأرض. الهند بلد المفارقات والتي وصلت سنة 2000 إلى عتبة المليار نسمة ثلتهم يعيشون تحت عتبة الفقر، 18 لغة رسمية والعديد من المعتقدات الدينية والأعراق الإثنية. رغم كل هذه الأوضاع تعرف جيداً كيف ترفع التحدي وتصنع المعجزات. ها هي ذي تصل إلى المريخ بمسبار فضائي وبتكنولوجيا محلة الصنع، وتعتزم القيام بأول رحلة فضائية مأهولة سنة 2016. يحكى عن الفيلسوف الإغريقي أمبادوقليس Empédocle أنه كان يتأمل في السماء فإذا به يسقط في حفرة. اليوم نعتقد أن العكس هو ما ينتظر حدوثه، بمعنى تأمل السماء والاهتمام بها هو ما يجعلنا نسير جيداً فوق الأرض. * هل يتغلب الموروث البوذي والغاندي مع الفلسفة الطاوية السلمية لمنع حدوث حروب مجانية جديدة ................ النمو المتصاعد للهند يفسر اهتمامها بالطاقة النووية السلمية وانفتاحها على دول الشرق الأوسط لا سيما الإمارات 5 نوفمبر 2013؛ تاريخ لن تنساه الهند لأنه يؤرخ لعلاقتها بالمريخ، ففيه نجحت عملية إطلاق المسبار (مانغليان - Mangalaan)، وهي كلمة هندية تعني «مركبة المريخ» في الوصول إلى الكوكب الأحمر ووضع القمر MOM(مهمة مدار المريخ- Mars OrbiterMission)، وذلك من محطة سريهاريكوتا في ولاية أندهر ابراديش الواقعة جنوب الهند أي في خليج البنغال. إنها أول مركبة فضائية يطلقها هذا البلد باتجاه المريخ - بعد رحلة سابقة إلى القمر سنة 2008 - وبذلك تدخل الهند النادي الضيق الذي استطاع أن يزور هذا الكوكب، وهو نادٍ يضم الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا والاتحاد السوفييتي سابقاً. لقد أصبحت الهند بهذا رابع دولة تصل إلى المريخ والأولى آسيويا. لكي نعرف قيمة هذا الإنجاز يكفي أن نعلم بأن الصين واليابان قد فشلتا في آخر محاولتهما للوصول إلى المريخ. فالنجاح حيث فشل الآخرون له طعم خاص. اللغز الأحمر الكوكب الأحمر لا يزال لغزاً محيراً أمام العلم، كما أن الرحلات إليه نصفها عرف الفشل. لذلك أن تتمكن الهند من تحقيق النجاح من عملية الإطلاق الأولى، فهذا في حد ذاته إنجاز غير مسبوق. استطاع القمر MOM بالفعل من إرسال مجموعة من الصور التي التقطها بعد دخوله مدار الكوكب الأحمر، غير أن مهمته لم تنحصر فقط على مجرد التقاط صور، بل دراسة الغلاف الجوي للمريخ واستكشاف مدى حضور غاز الميثان فيه، لأن هذا سيكون دليلاً قاطعاً على وجود الحياة فوق هذا الكوكب. نعرف جميعاً أن الميثان هو واحد من العناصر الكيميائية الأساسية التي أدت إلى ظهور الحياة فوق الكوكب الأرضي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©