الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مدينة الأكتاف الكبيرة!

مدينة الأكتاف الكبيرة!
6 يناير 2016 21:14
كارل ساندبرغ استوقفني الشاعر وكاتب السيرة الأميركي، كارل ساندبرغ، (1967-1878)، لأول مرة، عندما قرأت قصيدة له «مقتبسة» لدعم أطروحات أحدى الكتب المعرفية. كانت متموضعة بين الصفحات بلا عنوان، لكنها ساهمت في إثارة فضول البحث نحو ما يمكن أن نستشفه من إيقاعاته الشعرية ذات التنامي الساحر للمكنون الإنساني، فالقصيدة ــ التي عمد فيها الشاعر إلى تسريد حوار بين أب وابنه، طارحاً سؤاله: «ماذا سيقول لهذا الابن؟» ــ خرجت إلى فضاءات من المواجهة بين المفهوم المجتمعي، والتأمل الفلسفي للحياة، يجدها القارئ في تفاصيل القصيدة: كُن أحمق/‏ ولا تخجل من حماقاتك/‏ تعلّم أن تستخرج شيئاً من كلّ حماقة/‏ على أمل عدم تكرار ذلك/‏ واذهب/‏ إلى اتصال عميق مع العالم، الذي فيه الكثير من الحمقى./‏ يقول: كُن وحدك أكثر من ساعة واحدة/‏ وتواصل مع نفسك، ولكن قبل كلّ شيء/‏ لا تكذب على نفسك/‏ مهما كان الكذب المضطر لقوله /‏ من أجل الآخرين، أو من الآخرين./‏ يقول له: إنه في الوحدة إبداع/‏ إذا كنت قوياً/‏ يتم أخذ القرار النهائي في الصمت./‏ يقول: إنّه مُختلف عن الآخرين/‏ إذا خرج هذا على نحو طبيعي./‏ دعه يمضي أياماً كسولاً/‏ في البحث عن دوافع أعمق./‏ وينظر باحثاً في عمق أصوله. /‏ عندها يستطيع فهم «شكسبير»/‏ الأخوان «رايت»، «باستور»، «بافلوف»/‏ «مايكل فاراداي» ولعبة الخيال/‏ لإحداث التغيير في العالم، الذي لا يتغير». وإثراءً للقصيدة أعلاه، لا بد من معرفة الشاعر كارل ساندبرغ المولود في ولاية إلينوي، عام 1878، عن قرب. بحسب الموقع الإلكتروني لدار «تدوين» للنشر، فإن كارل عمل في وظائف عدة: بواب صالون حلاقة، سائق شاحنة توزيع حليب، عامل في مصنع الطوب، وحاصد للقمح. وتطوّع في قوة المشاة السادسة في إلينيوي حين نشبت الحرب الإسبانية الأميركية سنة 1898. وفي سنة 1913 انتقل إلى مدينة شيكاغو، ليتوَّج بعدها ضمن مجموعة الكتّاب الذين لعبوا دوراً في «نهضة شيكاغو» فنياً وأدبياً. وجاء نجاحه الأول كشاعر بعد نشر قصيدة «شيكاغو» في مجلة شعر (بويتري) سنة 1914، والتي نشرت في كتاب سنة 1916 بعنوان «قصائد شيكاغو». في السنوات الست التالية نشر ثلاث مجموعات أخرى: «قاشرو الذرة» (1918)، «دخان وفولاذ» (1920) و«ألواح الغرب الذي أحرقته الشمس» (1922). وتعكس هذه المجموعات وعي ساندبرغ لأميركا كأمة مدينيَّة على نحو متزايد. في ديوان «قصائد شيكاغو» التي ترجمها عن الإنجليزية «أسامة إسبر»، مجموعة مختارة عن إعادة الاكتشاف الشعري للحياة الصناعية وآثارها الإنسانية.. وفيها وصف سرمديٌّ موسوم بـ (مدينة الأكتاف الكبيرة!). شيكاغو يا قصّابةَ لحْم الخنزير للعالم يا صانعةَ الأدوات، وجامعةَ القمح، أيتها الخبيرة في سكك الحديد، ومُعالِجَة الشحْن في الوطن، أيتها الجامحةُ الفظّةُ المشاكسةُ يا مدينة الأكتاف الكبيرة *** سعادة سألتُ أساتذةً يدرّسون معنى الحياة أن يعرّفوا لي السعادة. وذهبتُ إلى مديرين تنفيذيين مشهورين يرأسون عملَ آلاف الرجال. فهزّوا رؤوسهم جميعاً وابتسموا لي كما لو أنني كنت أحاول خداعهم. ثمّ في أصيل أحد أيام الأحد تجوّلتُ على ضفة نهر ديسبلينز فرأيتُ حشداً من الهنغاريين تحت الأشجار مع نسائهم وأطفالهم، وبرميل من البيرة وأكورديون. *** الطريق والنهاية يجب أن أسير عليه، على الطريق المعبّد في الغسق، حيث تتجوّل الأشكال الجائعة ويمرّ الهاربون من الألم. يجب أن أسير عليه في صمْت الصباح وأرى الليل وهو يذوب في الفجر، وأسمع الريح البطيئة العظيمة تهبّ حيث الأشجار الطويلة تحفّ بالطريق. وترتفع شاقة طريقها نحو السماء. إنّ جلاميد الصخور المحطمة على جانب الطريق لن تُحيي ذكرى حطامي. سيكون الندم حصىً تحت الأقدام. سأراقبُ الطيورَ النحيلة سريعة الجناح التي تذهب إلى حيث تدفع الرياح وجيوش الرعد، المواكب الوحشية للمطر. غبار الطريق الذي اجْتيزَ سيلمسُ يديَّ ووجهي. *** متعة أَحِطْ نفسكَ بالمتعة. مدَّ يديك وأمسكْ بها حين تجري قربك، كما يمسك راقص الأباتشي امرأته. رأيتهما يعيشان طويلاً ويضحكان بصخب، يغنيان، ويغنّيان وقد حطّمهما إلى القلب تحت الأضلاع حبٌّ رهيب. المتعة دوماً، المتعة في كل مكان دعْ المتعة تقتلك! ابتعد عن الميتات الصغيرة. *** لغات لا يوجد مقابض للغة يُمسكُ بها الرجال منها ويعلّمونها بعلامات لتذكّرها. إنها نهرٌ، هذه اللغة، تشقُّ مرة كلّ ألف عام مجرى جديداً مغيّرة طريقها إلى المحيط. إنها رائحة جبل تنتقل إلى الأودية ومن أمة إلى أمة عابرة الحدود ومختلطة. تموت اللغات كالأنهار. إن الكلمات الملفوفة حول لسانك اليوم والمحطمة إلى صيغة فكرية بين أسنانك وشفتيك تتحدث الآن واليوم ستكون حروفاً هيروغليفية ذاوية بعد عشرة آلاف سنة من الآن. غنِّ وفيما تغنّي تذكّرْ أغنيتك تموت وتتغيّر ولن تكون هنا غداً كالريح التي تهبّ منذ عشرة آلاف عام. *** سياج انتهى بناء المنزلُ الحجريُّ المطل على البحيرة الآن وها هم العمال يبدؤون ببناء السياج. الأوتاد مصنوعةٌ من قضبان حديديّة برؤوس فولاذيّة قادرة على قتل أيّ شخص يقع عليها. إنه عمل رائع كسياج، سيصدُّ الرعاع والمشرّدين والجائعين وجميع الأطفال المتجوّلين الذين يبحثون عن مكان يلعبون فيه. لن يمرّ أيّ شيء عبر القضبان والرؤوس الفولاذيّة المدبّبة إلا الموت والمطر، والغد. *** حديد مدافع، مدافع طويلة، فولاذية، مسدّدة من السفن الحربية، باسم إله الحرب. مدافع مستقيمة، لامعة، ومصقولة، يتسلقها أستراليون محليّون في بلوزات بيضاء، مجد الوجوه السمراء، الشعر الأشعث، الأسنان البيضاء، أشخاص رشيقون ضاحكون في بلوزات بيضاء، يجلسون على المدافع وينشدون أناشيد الحرب، ترانيم الحرب. مجارف، مجارف عريضة، حديدية، تحفر مدافن مستطيلة وتسوّي الأرض العشبية. أطلب منكم أن تشهدوا: أنّ المجرفة شقيقة المدفع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©