الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

منيرة فخرو .. ووعد جلجامش

25 نوفمبر 2006 01:14
السعد عمر المنهالي: في أول قصة كتبها الإنسان في تاريخ البشرية، -كما يرى البعض-، لم يجد ''جلجامش'' ملك مدينة ''اوروك'' السومرية سوى الجارية ''شامات'' ليهزم بها رجل الغابة ''انكيدو''، وإن كان الهزيمة التي قصدها الملك والتي سجلت في ملحمته هي تحويل ''انكيدو'' من حياة البرية والوحشة والحيوانات إلى الحياة المدنية، إلا أنها نقلت جلجامش نفسه الذي انشغل بعالم الرذيلة إلى عالم آخر تماماً، بحث فيه عن الخلود في أرض ''دلمون'' بعد أن فقد صديقه ''انكيدو'' ولم يرض بقبره طويلاً· والمرأة التي غيرت حياة ''جلجامش'' بنجاحها في خلق صداقة بينه وبين ''انكيدو''، تعود اليوم من ''دلمون'' ارض الحياة وفردوس الخلود -البحرين- لتقدم إضافة جديدة في عالم اختلطت فيه عيوب ''جلجامش'' بعيوب ''انكيدو''، في رحلة لا تقل أهمية عن رحلة البحث عن الخلود، فهل ستصل إلى غايتها، أم أن الحية التي سرقت نبتة الخلود من ''جلجامش'' -بعد رحلته الطويلة- لا تزال تعيش في جحور الظلام تتربص بأي نبته تبعث الحياة؟!! ''شامات'' اليوم لم يرسلها ''جلجامش'' إنما عبرت وحدها إلى ''انكيدو'' بكل تفاصيله المتوحشة، تضع عباءتها على كتفها لتحمل له من الأفكار التي تستطيع إقناعه بها، لتعيد للبحرين وجهها الدلموني الفردوسي· هكذا تحركت المرشحة البحرينية ''منيرة فخرو'' بكل جرأة لتغيير وحشة الغابة، بهدوء وثقة·· ثقة الشخص الراغب والقادر بما يمثل من ميراث نضالي على تجاوز كل معوقات الواقع، فما مضى كان أكثر وطأة!! بين الحشود في مقرها الانتخابي بالمنطقة الوسطى التي رشحت عنها، لم تفزع ''منيرة احمد يوسف فخرو'' من حشود الحاضرين، فقد اعتادت الحشود منذ صغرها، إذ ولدت في كنف إحدى الأسر الممتدة التي كان الجد يحتفظ بأبنائه وأحفاده تحت كنفه، فامتلأ منزلها الذي لم تتركه إلا في سن متأخرة من الطفولة بحشود الاخوان وأبناء العموم· ولدت ''منيرة فخرو'' عام 1941 لإحدى الأسر الثرية العريقة في حي ''الصنقل'' بمدينة المحرق بالبحرين، اشتغل جدها يوسف فخرو بالتجارة، فكان من اثرياء ذلك الزمان والمكان· لم يكن الثراء وحده ميزة ذلك المكان، فقد خرج من جنبات منزل الجد من أبناء فخرو العديد من الأسماء اللامعة والمثيرة من عائلة فخرو، أسماء لا يختلف حول أهميتها البحرينيين· في بيت جدها تلقت تعليمها المحافظ الذي كان الدين عصبه، وفي مدارس البحرين أنهت دراستها الثانوية ثم توجهت كالكثير من بنات عائلتها للدراسة في الجامعة الأميركية في بيروت· شكل هذا التحول الجغرافي والثقافي إضافة لا يمكن المرور عليها اعتباطاً في حياة ''منيرة''، ففترة الستينات التي درست فيها في بيروت كانت ولا تزال من أكثر العقود التي شهدت حراكاً فكرياً وسياسياً صاخباً في المنطقة العربية، هذا الحراك اصطدم بالطبيعة المحافظة لنشأة ''منيرة'' التي ما أن عادت بعد حصولها على شهادة البكالوريوس حتى اضطرت لمواجهته مع والدها الذي رفض رغبتها في العمل بالقطاع الحكومي، غير أن إرادة الفتاة كانت أكبر من موروث والدها الثقافي الذي رضخ أخيراً بعد إضرابها عن الطعام لثلاثة أيام· عملت ''منيرة فخرو'' معلمة في إحدى مدارس البحرين الحكومية، ثم انتقلت منتصف السبعينات للعمل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وفي عام 1976 شاركت في برنامج دولي فغادرت إلى الولايات المتحدة الأميركية لمدة أربعة اشهر، وبعد عودتها قررت إكمال تعليمها العالي فعادت لتحصل على درجة الماجستير من جامعة ''كولومبيا'' في العلوم الاجتماعية عام ،1979 وفي عام 1986 حصلت على الدكتوراة في السياسة الاجتماعية في الجامعة نفسها· عادت للتدريس من جديد، غير أن هذه المرة كان في جامعة البحرين كأستاذة في علم الاجتماع، لتعمل في فترة لها أهميتها في الحراك الفكري والسياسي في منطقة الخليج على وجه الخصوص، لاسيما بعد غزو الكويت، وما تبعه من مطالبات داخلية بعودة الحياة النيابية وإطلاق الحريات في بعض دول الخليج، فشاركت ''منيرة'' فخرو'' التي كانت قد جاوزت الخمسين بالتوقيع على عريضة شعبية طالبت أمير البحرين آنذاك الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة بعودة البرلمان ودستور عام ،1973 كما كانت من أوائل الموقعات على عريضة أخرى تضمنت 350 امرأة طالبن فيها بإنهاء التعذيب وإعادة البرلمان، وعندما رفضت سحب اسمها من القائمة فُصلت من عملها في الجامعة وهي في الثالثة والخمسين من عمرها· غادرت ''منيرة فخرو'' البحرين إلى الولايات المتحدة -اعتبره البعض منفى اختيارياً- فعملت في جامعة ''كولمبيا'' كأستاذ زائر عام ،1997 وعلى الرغم من هذا البعد الجغرافي، صحبت همها الوطني معها إلى هناك، فأجرب الدراسات والبحوث حول المجتمع المدني في دول الخليج وغيرها من البحوث المتعلقة بشؤون المرأة والمُواطنة التي شاركت بها أيضا في مركز الدراسات الشرق أوسطية في جامعة ''هارفارد''· من عهد إلى عهد في عام 2001 عادت ''منيرة فخرو'' إلى البحرين بعد عفو عام صدر من الملك ''حمد بن عيسى آل خليفة'' شمل السجناء السياسيين والمنفيين، ونفذ بعدها عدداً من الإصلاحات السياسية التي أعادت الحياة النيابية، وجرت أول انتخابات برلمانية تشهدها المملكة منذ أكتوبر عام ،2002 وعلى الرغم من حدوث الانتخابات في ظل مقاطعة عدد من الجمعيات السياسية المؤثرة في الحياة السياسية في البحرين، إلا أن اغلبها قرر أخيراً خوض الانتخابات التشريعية الجارية، لاسيما وأن سبب المقاطعة قد استنفد، وأن هناك رؤى شعبية يمكن للمعارضة أن تحققها في حال وصلت البرلمان، لاسيما وأن صلاحيات المجلس المتاحة للنواب كتحديد ميزانية الدولة ومحاسبة الوزراء والحد من الفساد، -وإن لم تكن كافية من وجهة نظر المعارضة- غير أنها تتوافق إلى حد ما مع متطلبات الحاجة المجتمعية للبحرينيين· وحسب ما تراه المعارضة المتمثلة في عدد من الجمعيات السياسية ذات التوجهات اليسارية، أن التحالفات السياسية بين أقطاب المعارضة هو أمر ملح في هذه المرحلة، لاسيما وأن الشارع البحريني يتطلع بعد غياب أربع سنوات إلى مشاركة القوى السياسية صاحبة التاريخ النضالي، غير أن المثير هو الجمع الذي أنجزته جمعية العمل الوطني الديموقراطي، عندما استطاعت تحقيق المعادلة الصعبة باستقطاب وجوه ذات تاريخ نضالي لا يختلف حوله اثنان وبين وجوه نسائية ترضي إلى حد كبير قطاع الناخبات النساء التي تمثله المرأة البحرينية بواقع نصف الناخبين، فأصبحت ''منيرة فخرو'' هي المرأة الوحيدة الموجودة على قوائم الجمعية، فيما غابت غيرها عن باقي قوائم القوى السياسية· بالتأكيد استفادت الدكتورة ''منيرة فخرو'' من هذا التحالف مع الجمعية، غير الأكيد أن الجمعية التي تعد أول جمعية سياسية يتم إشهارها في دول مجلس التعاون الخليجي ككل، استفادت أيضاً من إضافة ''منيرة فخرو'' إلى أول قائمة لمرشحيها إلى المجلس التشريعي-بعد مقاطعة سابقة-· ولهذه الجمعية برنامج يساري علماني يمثل عدداً من التيارات السياسية المتنوعة على الساحة، وهو التوجه الذي التزمت به المرشحة منيرة فخرو، فحدد برنامجها الانتخابي ضمن إطار القائمة، والتي تنطلق من إطلاق الحريات وإيجاد قضاء عادل ونزيه، ونبذ الطائفية ومكافحة الفساد وإصلاح الإدارة العامة وغيرها من القضايا التي تهم المواطن البحريني· تبقى الخطوط العامة لبرنامج ''منيرة فخرو'' السياسي لا يختلف في عمومياته مع برامج باقي زميلاتها المرشحات واللاتي بلغ عددهن 19 مرشحة، غير أن ما تقوله الدكتور منيرة، يختلف عن ما تقوله غيرها، فتاريخها الطويل وموروثها النضالي لا يسمح بالتشكيك في سعيها لتحقيق ما ظلت لسنوات طويلة تدعو له، في رحلتها للبحث عن الحياة المختلفة لجنتها ''دلمون''،، واليوم بعد رفعت الصور الانتخابية وتوجه الجميع لصناديق الاقتراع ليصوت 295 ناخباً يبقى رهانها حاضراً، عندما قالت ''لا أستطيع أن أتلبس غير شخصيتي، ولا أستطيع تقديم نموذج مزيف مني لأسترضي غيري· الحقيقة الوحيدة التي أعرفها عن نفسي هي أنني قريبة جداً من الناس، ومشاعري ناحيتهم صادقة، هذا ما أستطيع أن أراهن عليه''، وهو رهان مربوط نجاحه ببقاء الأفاعي بعيدة في جحورها، تاركة ''منيرة'' تمضي في طريقها من دون أن تسرق نبتتها التي تحمل فيها أملها في بحرين مختلف، كما جاء في نص ''انكي'' السومري وصفا لأرض دلمون، بلد نقي، مشع بالنور، لا ينعق فيها الغراب، والأسود لا تقتل أحدا والذئب لا يلتهم الحمل···
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©