الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التفكر فريضة المسلمين الغائبة رغم الدعوة إلى التدبر والاعتبار

التفكر فريضة المسلمين الغائبة رغم الدعوة إلى التدبر والاعتبار
8 سبتمبر 2011 22:38
يظن كثير من الناس أن فرائض الإسلام قد حصرت في الصلاة والصيام والزكاة، وغاب عنهم أنه ينبغي أن يقف وراء هذه الفرائض فكر مستقيم يعمل على سبر أغوارها، وتدبر معانيها (ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها)، من أجل هذا كان التفكر هو فريضة المسلمين الغائبة والتي ذهل عن أهميتها كثير من خلق الله وعباده، في حين أن الإسلام أمر بها، والقرآن قد حث عليها. فينظر الإنسان بعيني رأسه ثم يجيل فكره وبصيرته فيما يقف خلف ما يشاهد من أسرار ومعان، ولعل هذا هو الغاية المستفادة من الضرب في الأرض والسعي في الحياة، يقول سبحانه (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا) فاطر 44. ويقول سبحانه (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) العنكبوت 19-20. ولعظم هذه الفريضة وأهميتها جمع الإمام الغزالي ـ كما ورد في الإحياء - تلامذته ومريديه فقال لهم: «لقد كثر الحث في كتاب الله تعالى على التدبر والاعتبار، والنظر والافتكار، ولا يخفى أن التفكر مفتاح الأنوار، ومبدأ الاستبصار، وهو شبكة العلوم، ومصيدة المعارف والفهوم، وأكثر الناس قد عرفوا فضله ورتبته، لكن جهلوا حقيقته ومصدره وثمرته». وفي هذا السياق تضافرت أقوال سلف الأمة في بيان فضل التفكر وبيان معناه وحقيقته، فيقول الحسن البصري «تفكر ساعة خير من قيام ليلة». ويقول أبو سليمان الداراني «إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة ولي فيه عبرة. التفكر والتأمل وهنا ينبغي أن نلحظ أن هذه المنزلة للتفكر والتأمل في أقوال علماء الأمة مصدرها تأكيد الإسلام على ممارسة هذه الفريضة وذم إهمالها، فمما ورد في فضلها والتأكيد عليها ما رواه ابن حبان عن عطاء قال: «دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها فقال عبيد بن عمير: حدثينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكت وقالت: لقد قام ليلة من الليالي، فقال يا عائشة ذريني أتعبد لربي، قالت: قلت يا رسول الله إني لأحب قربك، وأحب ما يسرك قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى بل حجره، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، وجاء بلال يؤذن للصلاة، فلما رآه يبكي، قال يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟! لقد أنزلت علي آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها، ثم تلا قول الله سبحانه وتعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) 190-191 آل عمران. وفي الوقت ذاته ذم الله سبحانه من أهمل فريضة التفكر حتى مرت عليه آيات الله في الآفاق وفي الأنفس دون أن ينتفع بها أو يأخذ منها العبرة والعظة، يقول سبحانه (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) يوسف 105-106. بل إن هذا الصنف من الناس اعتبره القرآن الكريم في مصاف الأنعام والدواب، إن لم يكن في المرتبة أدنى منها وأضل سبيلا، وما ذلك إلا لأنه رضي طوعاً واختيارا أن يتنازل عن جزئه الإنساني الذي يكون به التعقل والتفكر وشارك الدواب والأنعام حياتها محاكيا إياها عدم التعقل والتفكر والتأمل، يقول سبحانه (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف 179. ولعل من الملاحظ أن الإسلام عندما حدثنا عن فريضة التأمل والتفكر لم يسق الحديث حول ذلك في صورة هلامية مرسلة، وإنما وضعه في ضوء عدد من الضوابط والأطر لكي تؤتي هذه الفريضة أكلها وتنضج ثمارها، من ذلك: 1- توجيه العقل البشري إلى التأمل والتفكر الصحيح وتخليه عن التفكر الذي لا يعود بالنفع عليه، نقرأ في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذات الله. وعلة ذلك أن التفكر في خلق الله وآلائه يحقق رسالة الإنسان في الكون والحياة والتي عبر عنها الحق سبحانه وتعالى بقوله (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) هود 61. أما التفكر في ذات الله فضرب من العبث والمحال الذي يمارس فيه الإنسان حركة عقلية حول ذات علية تعلو فوق المدركات والأفهام. 2- شمولية التفكر فيما يقع تحت دائرة وسع الإنسان وطاقته ليشمل الإنسان بتأمله وتفكره ذاته ونفسه ثم يتعدى ذلك إلى سائر الوجود والكون من حوله، يقول سبحانه (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فصلت 53. 3- أن الإسلام فيما يتعلق بمنهجية التفكر والتأمل فيه قد تعدى الإطار النظري لها ليصل بها إلى درجة الممارسات العملية، نلمح ذلك في قصة يوسف عليه السلام والتي ذاق فيها الإنسان روعة القصص ومتعة الحديث بيد أن القرآن الكريم تعدى كل ذلك ليصل في النهاية إلى روعة الفكر وجمال التأمل فقال سبحانه فيما اختتم به سورة يوسف عليه السلام (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ) يوسف 111. 4- مراعاة الزمان والمكان عند ممارسة هذه الفريضة، إن الأعرابي الذي اتخذ من البادية مستقراً ومقاما أتى إلى الوجود فأبصر فيه أرضاً تقله، وسماء تظله، وإبلاً يمتطيها، وجبالاً تحيط به، ومن ثم عندما أمره القرآن بالتأمل والتفكر راعى خصوصية الزمان والمكان لديه فقال سبحانه (أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ) الغاشية 17-21. ومن ثم أتى التطبيق العملي لهذه الفريضة من واقع بيئته في ظل هذه المظاهر الكونية، فعندما سئل هل رأيت الرب الذي تعبده؟ قال: يا قوم ألا تنظرون إلى الأرض وما عليها، والسماء وما فيها، والرياح وحركاتها، إن البعرة تدل على البعير، وأثر الأقدام يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، أفلا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟! د. محمد عبد الرحيم البيومي كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©