الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«التواصل الاجتماعي»: متابعون وهميون!

4 فبراير 2018 00:00
ضجة كبيرة أثارها تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» عن شركة «دوفومي» التي باعت أكثر من 200 مليون متابع مزيف إلى مشاهير و«أصحاب تأثير» من الطبقة الثانية. وأعلن المدعي العام لنيويورك «أريك شنايدرمان» أن مكتبه دشن تحقيقاً في «انتحال الشخصية والخداع» الذي ارتكبته دوفومي. لكن الشركة ليس لديها إلا مكتبا صغيرا فوق مطعم مكسيكي في منطقة «ويست بام بيتش» في ولاية فلوريدا. وما يتعين التحقيق فيه فعلا هو مدى الزيف في قواعد بيانات المستخدمين في شبكات التواصل الاجتماعي، وما النفع الذي تجنيه الشركات الكبيرة التي تمتلكها -فيسبوك وجوجل وتويتر- من الانتشار الواسع للتزييف. ورغم أن صحيفة «نيويورك تايمز» قامت بعمل كبير في التحقيق بشأن دوفومي، إلا أن الشركة الموجودة في فلوريدا ليست لاعبا بارزا بشكل خاص في السوق الكبير لتزييف مواقع التواصل الاجتماعي. وحصلت الشركة على فهرسة تويتر بالجملة عبر عمليات مشبوهة مثل «بيكير Peakerr» و«تشيب بانال Cheap Panel» و«يوتيبوت YTbot» ثم باعتها بالتجزئة بعد إجراء تعديل كبير عليها، إلى أشخاص يتكاسلون عن معرفة المصدر بأنفسهم. وهناك أسواق لمرات الإعجاب والتعليقات المزيفة على فيسبوك. وقد استكشف شهروز فاروقي من جامعة أيوا وآخرون سوقا كبيرة في ورقة بحثية صدرت في أبريل عام 2017. وفي أبريل من العام الماضي، وصف «خوان اتشيفيريا» و«شي جو» من جامعة كوليدج لندن شبكه تضم أكثر من 350 ألف برنامج تجسس على تويتر تنشر تغريدات مستقاة من سلسلة أفلام «حروب النجوم». كما أن برامج التجسس تلك التي لا يلتفت أحد إليها ساعدت كثيرا في تضخم عدد المتابعين على مدى سنوات. وتركز قصة دوفومي على تويتر وهي أسهل الشبكات في الاستغلال بسبب السياسات الفضفاضة المتعمدة للتعرف على الهوية. والمتابعات على تويتر هي الأرخص في السوق السوداء. وكانت دوفومي تحصل على 17 دولارا لكل ألف متابع وفقا لتقرير صحيفة «نيويورك تايمز»، وكان هذا السعر هو الأكثر غلاءً بين معظم المنافسين. والمشتركون على يوتيوب يطلبون أعلى الأسعار لأن يوتيوب هي الأكثر ربحية بفضل الطريقة التي تتقاسم بها عائدات الإعلانات مع منتجي المحتوى. والجزء الأصعب في تدشين أداة لرصد فهرسة مواقع التواصل الاجتماعي هو تسجيل حساب مزيف. وفي بعض الشبكات يتعين على برنامج التجسس أو أداة رصد الفهرسة أن يغش عملية اكتشاف الرمز التعريفي التلقائي. وفي شبكات أخرى يتطلب الأمر رقم هاتف داخل الخدمة وهو ما قد يتم تخطيه عبر آلية استخدام الصوت المسجل عبر الإنترنت. والحواجز التي تحول دون التسجيل لم تكن مرتفعة الكلفة قط لدرجة تحول دون تخطيها من مزارع برامج رصد فهرسة مواقع التواصل الاجتماعي. وبعد الفشل في وضع عوائق جدية على الدخول، تُظهر مواقع التواصل الاجتماعي نشاطا فيما يبدو في القدرة على استكشاف برامج الاختراق والتصدي لها. لكن بعض آليات الاختراق مثل شبكة «حروب النجوم» المنتشرة منذ عام 2013 تفادت عملية الاستكشاف لأن منتجيها يعرفون كيفية عمل اللوغاريتمات.والسؤال هو: ما سبب يسر سياسات تسجيل الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي؟ الحجة الاعتيادية هي أن هذا يجعل من السهل سماع أصوات المعارضين الذين يعيشون في ظل أنظمة حكم قمعية أو الذين يريدون الكشف عن مخالفات. والسؤال الثاني: لماذا تجعل منابر التواصل الاجتماعي أرقام متابعي المستخدمين والمشتركين وأيضا مرات الإعجاب والمشاركة سهلة المتناول للغاية؟ فحظر إمكانية الحصول العامة على هذه البيانات سيزيل إغراء تضخيمها من خلال الدفع لـ«المرتزقة» الروبوت ولن ينتقص من قدر المحتوى. ولماذا نحول حياة المرء على الإنترنت إلى مسابقة عامة؟ يجب أن يكون من الكافي لكل الأغراض العملية أن ننشر أرقام الجمهور للمستخدم وربما للمعلن لكن ليس للعالم كله. وسيكون من السهل التصدي للتزوير إذا أرادت منابر التواصل الاجتماعي ذلك حقا. ما الوقت الذي سيستغرقه شخص مثل النائب العام شنايدرمان لوقف تلاعب شركة مثل دوفومي -وهي ليست إلا ذرة تراب على قمة جبل الجليد- والبدء بالحفر عميقا في النماذج الاقتصادية لمنابر التواصل الاجتماعي؟ ليس من الصحيح أن التقديرات الوحيدة لعدد الحسابات المزيفة تأتي من المنابر نفسها. وليس من الصحيح أيضا أن يعتمد تقييم أسهم هذه الشركات وقدرتها على اجتذاب المعلنين على أرقام مستخدميها التي لم يجر تدقيقها. لقد سمحت السلطات بهذا حتى الآن، وبهذا تركت سوقا كبيرة للتزوير كي تنتعش. *كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©