الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

البنوك المصرية في «مهمة مستحيلة» لاستعادة القروض المتعثرة

البنوك المصرية في «مهمة مستحيلة» لاستعادة القروض المتعثرة
27 أغسطس 2012
محمود عبد العظيم (القاهرة) - بدأت البنوك المصرية خلال الأيام الماضية حملة موسعة تستهدف إعادة فتح ملفات العملاء المتعثرين بناء على تعليمات البنك المركزي وإشارات سياسية صادرة عن الحكومة. وتسعى البنوك، بقيادة بنوك مصر والأهلي والقاهرة التي تتركز فيها معظم القروض المتعثرة نسبة إلى إجمالي الائتمان الممنوح للعملاء، إلى تنظيف محافظها الائتمانية من العملاء المتعثرين بحلول ديسمبر المقبل لبدء سنة مالية مغايرة نظراً لمتطلبات حكومية التي تبدو راغبة في الاستعانة بالجهاز المصرفي في إحداث نقلة نوعية في أداء الأعمال بالسوق المصرية مع بداية العام الجديد. وحسب معلومات حصلت عليها “الاتحاد” فإن هذه الحملة تشمل كافة أنواع الائتمان الذي قدمته البنوك المصرية على مدى السنوات الأخيرة، سواء كان لحساب القطاع الخاص أو العام وسواء كان ائتمانا لشركات أو للأفراد وتسعى البنوك الدائنة إلى التوصل إلى جدولة وتسويات لهذه المديونيات، أو اتخاذ الإجراءات القانونية مع التزامها بتوفير مخصصات لتغطية القروض المشكوك في تحصيلها والتي سيجري إعدامها حال فشل التوصل إلى تسويات مع العملاء. وتقدر دوائر مصرفية أن نسبة التعثر المصرفي في مصر تتراوح بين 15و18% من حجم الائتمان الممنوح والبالغ حسب الأرقام الأخيرة للبنك المركزي نحو 498 مليار جنيه نهاية مايو 2012 وتعود معظم القروض المتعثرة الى أكثر من عشر سنوات مضت، حيث أفلست الشركات المدينة وخرجت من السوق أو هرب رجال الأعمال المقترضون لهذه الأموال الى خارج البلاد، مع تنامي ظاهرة التوقف عن السداد من جانب الأفراد الحاصلين على قروض تجزئة وبطاقات ائتمان أو تمويل عقاري، وغيرها من أشكال التمويل الشخصي مما زاد نسبة التعثر المصرفي في الفترة الأخيرة. ورغم أن معظم البنوك المصرية تطبق معايير “بازل 2” الخاصة بالملاءة المالية وتتشدد في منح الائتمان حسب تعليمات البنك المركزي، فإن حالة التباطؤ الاقتصادي خلال العامين الماضيين لعبت دوراً محوريا في زيادة عدد العملاء المتعثرين الى جانب تطبيق قواعد جديدة من شأنها سرعة إحالة العميل إلى خانة التعثر بعد مرور 30 يوما فقط على تاريخ التوقف من الدفع. وحسب هذه الدوائر فإن تطبيق قواعد الاستعلام الائتماني وتوافر بيانات هائلة للبنوك عن العملاء عبر شركة الاستعلام المملوكة للبنك المركزي ساهما في الدفع بآلاف العملاء إلى خانة التعثر، والتزام البنوك باتخاذ الإجراءات القانونية تجاه هؤلاء العملاء مما ألقى بظلال سلبية على سوق الائتمان في مصر. وبناء على تعليمات البنك المركزي بدأت البنوك العاملة في السوق المصرية مخاطبة العملاء والشركات المتعثرة لإجراء جولة من المفاوضات معهم، للتوصل إلى جدولة المديونيات والاتفاق على برامج زمنية للسداد بشرط تقديم ضمانات جديدة أو سداد جزء من هذه المديونيات مقدماً إثباتاً لحسن النوايا. وحسب هذه المعلومات فإن البنوك سوف ترفض الحصول على سداد عيني مقابل القروض مثلما كان يحدث في أوقات سابقة مثل مبادلة الأراضي والعقارات بالقروض المتعثرة، حيث ترتب على هذه الظاهرة ارتفاع كبير لأسعار الأراضي بناء على تقييمات غير واقعية للأصول التي كانت تحصل عليها البنوك من العملاء كسداد عيني، وسوف تقتصر عمليات السداد هذه المرة على السداد النقدي تجنباً لعمليات فساد شابت نظم السداد العيني ونتج عنها تراكم كمية كبيرة من الأراضي والعقارات لدى البنوك ووجدت صعوبة في تصريفها بسبب ركود السوق العقارية في السنوات الماضية. وترى دوائر مصرفية أن الحملة الجديدة لفتح ملفات الديون المتعثرة في البنوك المصرية ربما تسهم في خفض معدلات التعثر إلى ما دون عشرة بالمئة من الائتمان الممنوح بدلا من النسبة المرتفعة حاليا، ولكن هذه الحملة لن تعالج بشكل جذري قضية التعثر المصرفي نظرا لوجود حالات تعثر قهرية مرتبطة بظروف السوق وتراجع مبيعات الشركات وأرباحها خاصة بعد ثورة 25 يناير، وبالتالي سوف يظل هناك العديد من الكيانات الاقتصادية المتعثرة التي تستلزم معالجة مختلفة حتى لا تضطر هذه الكيانات للتصفية والخروج القسري من السوق. ويرى خبراء مصرفيون أن اضطرار البنوك إلى تقديم مخصصات كبيرة لتغطية هذه الديون المتعثرة سوف يؤدي إلى إعادة النظر في القوائم المالية للبنوك، خاصة بنوك القطاع العام التي كانت قد بدأت رحلة التعافي في الفترة الأخيرة وقفزت أرباحها لمعدلات كبيرة. وقال الخبراء إن تحويل جانب من المخصصات لتغطية القروض المتعثرة سوف يسهم في تراجع الأرباح المعلنة للبنوك، حيث سيتم توجيه جزء من هذه الأرباح وتحويله إلى مخصصات جديدة وسوف تتراجع أسعار أسهم البنوك المتداولة في البورصة وتلقي بظلال سلبية على بقية أداء القطاعات الاقتصادية نظراً للدور المؤثر للبنوك في الأداء الاقتصادي العام. ويقلل الخبراء من أهمية هذه الخطوة من جانب البنوك لأنها تتم في توقيت غير ملائم سواء للشركات المدينة أو الأفراد المتوقفين عن السداد، بسبب الركود الاقتصادي وتراجع الدخول وعدم وجود مساحة للحركة أمام الشركات المدينة لسداد جانب من مديونياتها نقدا في هذه الفترة الحرجة، وأن أقصى ما سوف تسفر عنه هذه الحملة هو التوصل إلى برامج سداد جديدة وجداول زمنية تتيح مزيداً من الوقت أمام الشركات المتعثرة لتدبير أوضاعها، سواء ببيع بعض الأصول لسداد مديونياتها أو الحصول على قروض من بنوك أخرى لسداد هذه المديونيات التاريخية خاصة في حالة قيام البنوك الدائنة بتقديم بعض التيسيرات لهؤلاء المتعثرين مثل إسقاط جزء من الفوائد مما يخفف أعباء هذه القروض. ويقول محمد بركات، رئيس بنك مصر، إن خطط معالجة الديون المتعثرة في البنوك بصفة عامة تمضي قدما منذ فترة طويلة بهدف تنظيف المحافظ الائتمانية من حالات التعثر واستيفاء حقوق البنوك، لأن هذه القروض هي في الأساس أموال المودعين والبنوك مؤتمنة عليها. وأكد بركات أن البنوك المصرية سوف تضطلع بمهمة كبيرة في المرحلة القادمة مع إعادة بناء الاقتصاد وإحداث تنمية شاملة، مما يستلزم ضخ ائتمان بأحجام كبيرة للشركات الجادة لمساعدتها على توسيع أعمالها والبدء في تنفيذ مشروعات جديدة، ومن ثم تسعى البنوك إلى توفير السيولة لعمليات التمويل المرتقبة عبر العمل على استعادة جانب من القروض التي توقف أصحابها عن السداد في الفترة الماضية. أما فاطمة لطفي، العضو المنتدب ببنك عودة، فتؤكد أن القطاع المصرفي المصري مقبل على مرحلة جديدة مع تطبيق معايير “بازل 3”، والتي تحدد قواعد جديدة للائتمان والملاءة المالية وقوة رأس المال وبالتالي فإن الحملة الأخيرة تأتي في إطار الاستعداد لهذه المرحلة، خاصة أن معظم القروض المتعثرة قروض تاريخية تعود لسنوات طويلة مضت وبالتالي يصبح من المهم التوصل إلى حلول جذرية لهذه الملفات حتى لا تستنزف جهود البنوك والإدارات القانونية بها. وقالت إن المرحلة المقبلة في حاجة إلى دور متنام للبنوك ولابد من الاستعداد لهذه المرحلة بقواعد عمل جديدة تقلل التعثر إلى أدنى معدل، خاصة في ظل تمتع السوق المصرفية في مصر حالياً بكوادر بشرية جيدة في مجالات الائتمان وتوافر قواعد بيانات عن العملاء من شركات وأفراد، وبالتالي يصبح قرار الائتمان مستندا للمعلومات والدراسات الوافية وتقييم قدرة العميل على السداد ومستوى تدفقاته النقدية المستقبلية مما يقلل معدلات التعثر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©