الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا والعرب: الاهتمام المستجد

1 سبتمبر 2015 22:21
استقبلت روسيا الأسبوع الماضي ثلاثة من القادة العرب (صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني)، في ما يشكل انفتاحاً عربياً غبر مسبوق على موسكو منذ نهاية الحرب الباردة. وبصرف النظر عن الموضوع السوري، الذي لا شك أنه شكل هماً محورياً في مباحثات القادة العرب والقيادة الروسية، فإنه من الجلي أن الزيارة الثلاثية تعبر عن تحول جوهري في إدارة العرب لعلاقاتهم الدولية، إثر انبثاق جملة من المستجدات الراهنة من بينها تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة وتزايد الحضور الروسي فيها وانكشاف الحاجة القوية إلى دور روسي في تسوية الأزمات الحادة المتفجرة في العديد من البلدان العربية. في العصر الشيوعي لم ينجح العرب الذين انحازوا للاتحاد السوفييتي في الصراع القطبي الأيديولوجي مع المعسكر الغربي في تحقيق محور التوازن المطلوب مع إسرائيل المدعومة أميركياً، وشكلت حرب 1967 شرخاً قوياً في العلاقات العربية- السوفييتية على الرغم من الدعم العسكري الروسي القوي الذي تلقته مصر وسوريا بعد الهزيمة، مما انعكس إيجاباً على الأداء العربي في حرب أكتوبر 1973. وبعد نهاية الحرب الباردة، مرت روسيا بمرحلة انتقالية حادة وعنيفة أضعفت وزنها الجيوسياسي العالمي، وأفضت بالتالي إلى تقليص حضورها ونفوذها في العالم العربي، بل إن إدارة موسكو للملف الشيشاني وللمسألة البلقانية خلفت نغمة عدائية لروسيا، حيث لوحظ تجدد النزعة القومية التقليدية بمضامينها الدينية المتعصبة. بيد أن صعود بوتين في العقدين الأخيرين واكبه عودة روسيا تدريجياً إلى قلب المعادلة الدولية، مع اهتمام قوي بالمنطقة العربية الإسلامية ناتج عن عاملين أساسيين: وجود مكون إسلامي قوي في تركيبة المجتمع الروسي، واستعادة روسيا هويتها الشرقية بعد مرحلة من التذبذب والحيرة في حقبة الرئيس الأسبق «بوريس يلتسن». ولا شك أن أحداث «الربيع العربي» وأزماته أسهمت في تجذير الاهتمام الروسي بالعالم العربي في اتجاهين أساسيين: الوقوف ضد التدخل الدولي في الأزمات الانتقالية العربية بما يفسر الموقف الداعم لنظام بشار الأسد في سوريا، وفي الآن نفسه الانفتاح على محور الاعتدال العربي الذي تراجعت ثقته في شريكه الأميركي. فضلاً عن المصالح المشتركة الراهنة بين روسيا والعالم العربي، تطرح التجربة الروسية أسئلة مهمة في الساحة العربية في مستويات عديدة من أبرزها: أولاً: إدارة المسألة الدينية في علاقتها بالنزعة القومية، في بلاد تشكل الهوية الأرثوذوكسية عنصراً حاسماً في الوعي القومي لم تستطع الحقبة الماركسية القضاء عليه. ما يؤكد عليه بوتين في مقاربته القومية الجديدة هو أن المسيحية الروسية لها طابعها الشرقي الذي يقربها من الإسلام، في الوقت الذي يقدم نفسه منقذاً لمسيحيي الشرق العربي الذين يعانون من مخاطر التصفية في المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المتطرفة. ثانياً: إدارة العلاقات الدولية ببروز مقاربة جيوسياسية روسية جديدة تنزع إلى تحويل موسكو إلى محور منظومة توازن فاعلة مع الولايات المتحدة وحليفها الأوروبي بالتركيز على المجال الآسيوي والقوى الصاعدة التي يمكن للعرب أن يكونوا طرفاً مؤثراً فيها. ثالثاً: إدارة تحدي التحديث السياسي بمحاولة استكشاف نموذج جديد للديمقراطية ضمن متطلبات الدولة القوية وبالاعتماد على المؤسسة العسكرية التي ظلت تاريخياً ضمانة استمرار الدولة وفاعلاً سياسياً مباشراً. التحديات الثلاثة مطروحة بقوة في العالم العربي الذي تداخل مساره التاريخي في روسيا عبر محطات مشتركة عديدة. د.السيد ولد أباه* *أكاديمي موريتاني
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©