الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تجارب إيرانية في الخط العربي

تجارب إيرانية في الخط العربي
7 سبتمبر 2011 23:56
أسهموا في تطويره وأبدعوا نماذج منه كانت إسهامات المبدعين المسلمين، من غير العرب، أساسية في بناء الثقافة العربية عموما، علما وشعرا وفنا، على مستويات الفن ومجالاته المختلفة، وفي الفن وحقوله كان للفنانين من وسط آسيا وغربها دورهم الأكبر في الابتكار والتطوير، وخصوصا في فن الخط العربي، وتابعه فن التذهيب، الفن الأكثر تميزا وحضورا في الحضارة العربية الإسلامية، وقد كان للفنانين في إيران وتركيا وباكستان وغيرها دور كبير في هذا السياق. فما طبيعة هذه المساهمة وحجمها، وما العناصر التي جرى التركيز عليها في هذا الإطار، وكيف امتزجت الخصائص العربية وغير العربية في التطوير الذي تم على مدى قرون. مناسبة هذا الحديث، وهو لا يحتاج مناسبة، هي كثرة المعارض التي تقام لهذا الفن في الإمارات عموما، وكثرتها في دبي خصوصا. معارض تقدم لنا عوالم من الفن لم نكن نعرف عنها شيئا سوى ما يكتب هنا وهناك، لكنها اليوم حاضرة بيننا. ومن خلال بعض هذه المعارض، ومنها معرض “لمسات إيرانية”، للفنانتين الإيرانيتين، الخطاطة صُغرى حسيني، والمذهّبة رفعت موسوي، تحديدا، وجدنا فرصة اللقاء الحميم مع هذه العوالم التي نلتقي معها حضاريا وثقافيا على نحو عميق. البدايات والقواعد منذ بدايات الحضارة الإسلامية، استوعبت هذه الحضارة في أحضانها الكثير من الثقافات والتجارب الإنسانية، حتى أن السريان الذين كانوا يعيشون في العراق، وكانوا مهرة في الكتابة بخطوطهم قد أدّوا دوراً في تطوير الكتابة الإسلامية أيضاً بعد دخولهم الإسلام، وأبدوا المهارة نفسها في الكتابة. إذ إن الكتابة العربية التي وضعت لها القواعد - إلى حد ما - حملت العديد من الأسماء إلى أن دخلت مدينة الكوفة فحملت هذه المرة اسم (الخط الكوفي) نسبة إليها، وبدأ هذا الخط يذكر بالاسم الجديد منذ ذلك التاريخ. وكذلك فقد كان لتركيا وإيران دور بارز في ذلك، وفي مجال التأثير على فن الخط العربي تحديدا نجد حضورا مهما وعميقا، وكما يقول الباحث علي آلب أرسلان فإن الخط الكوفي- مثلا- قد تعرض لتغيرات جذرية في بنيته، حيث نشأ منه ما يطلق عليها “الأقلام الستة”، وهي ستة أنواع من الخطوط: المحقق، والريحاني، والثلث، والنسخ، والتوقيع، والرقعة، منذ العهد الأول من العصر العباسي (132 ـ 656هـ/ 749 ـ 1258م). وبعد قرن من الزمان أصبحت الأقلام الستة تشابه شكلها الحالي نوعاً ما على يد خطاط بغدادي آخر هو ابن البواب (ت 423هـ/ 1032م). وبعد قرن آخر من الزمان، أي في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، دخلت مرحلة جديدة بظهور نشأة الخطاط العربي البغدادي ابن مقلة (ت 328هـ/ 940م). فقد قام هذا الخطاط - من خلال علمه بالهندسة - بوضع القواعد لستة أنواع من الخطوط، فحدد القياسات الأساسية لكل نوع منها. وبعد زوال العباسيين من على مسرح التاريخ في (عام656هـ/ 1258م) انتقل التفوق في الخط إلى الأتراك والفرس. فخلاصة القول: إن الخط العربي قد أخذ شكله الأول على يد الفنانين العرب. وبدءاً من القرن الرابع عشر الميلادي (القرن الثامن الهجري) تطور الخط على يد الخطاطين الذين نشأوا في الأناضول وإيران. وبالوقوف على التجربة المشتركة مع الثقافة فارسية، فهناك الكثير مما يستوقف الباحث في هذا المجال، حيث الكثير من العناصر المشتركة بدأت في وقت مبكر، وربما ما يزال الكثيرون منا يتذكرون تجربة إسلام الصحابي سلمان الفارسي “الباحث عن الحقيقة”، كما كتبها الروائي المصري محمد عبد الحليم عبدالله وقرأناها في السبعينات من القرن الماضي، وما أضافه هذا الصحابي في غزوة “الخندق”، حتى قال النبي محمد (ص) ما معناه “سلمان منا آل البيت”، ومنذ تلك التجربة دخل الفرس بثقافتهم وتجاربهم عالم حضارتنا العربية الإسلامية. أما على مستوى التأثير في مجال فن الخط، تجدر الإشارة أولا إلى التداخل بين ما هو تركي وما هو فارسي هنا، وعلى سبيل المثال يمكن القول إن هذا التداخل يتجلى في منجزات الخط الأساسي المرتبط بالتجربة الفارسية، وهو “النستعليق” (المركب من النسخ والتعليق)، حيث يبدو أن أسماء مهمة ممن حققوا تطوير هذا الخط منذ بدايته هم من أصول تركية، فالنماذج البدائية لخط النستعليق في القرن الثالث عشر الميلادي (القرن السابع الهجري). ثم بدأ هذا الخط يبرز أكثر في القرن الرابع عشر الميلادي (القرن الثامن الهجري)، وثمة من يرى أنه ظهر بجميع خصائصه وقواعده في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي (القرن التاسع الهجري)، وقد حدد قواعده مير علي التبريزي (ت 850هـ/ 1446م)، وهو من أتراك تبريز، تابعه ابنه مير عبدالله، وتلميذه ميرزا جعفر التبريزي (ت 856هـ/ 1452م) الذي بدأ يطوره، وسلك أزهر التبريزي (ت 880هـ/ 1475م) نهجهم، فدخل خط النستعليق طريق الجمال. كما أن مير علي الهروي (ت 951هـ/ 1544م)، قد أضفى على هذا الخط جمالاً وذوقاً. وأخيراً فإن مير عماد القزويني (ت 1024هـ/ 1615م) قد أوصل خط النستعليق إلى الذروة. لكن الخطاط عماد الدين الشيرازي الحسني هو الذي برع في هذا الخط وفاق به غيره، ووضع له قاعدة جميلة، تعرف عند الخطاطين باسمه، وهي (قاعدة عماد). شهرة عالمية هذا التطوير لم يقتصر على خط القرآن باللغة العربية فقط، بل ثمة غالبية ممن يستخدمون الحرف العربي للكتابة باللغة الفارسية، في مجالات مختلفة، دينية ودنيوية، وقد امتزج فن الخط العربي في إيران مع الزخارف والرسومات، وبذلك فهو لم يعد يقتصر على لوحات الخط بصيغتها الحائطية المألوفة، بل امتد إلى الحياة العامة، فهناك حسب المشاهدات الخطوط التي نقشت على القباب والمآذن تحكي قصة الإتقان والجودة. وقد أجاد الخطاطون في نقش الخطوط وزخرفتها على قطع السيراميك في شوارع المدينة على كثرتها، بحيث يرى السائر فيها أنه في متحف مفتوح للخط العربي. وفي المشهد الحديث، حقق الخط الفارسي شهرة عالمية إلى جانب الفنون المعمارية والمنمنمات، إذ لا تزال المتاحف الأوروبية تحتفظ بلوحات لكبار الخطاطين الإيرانيين أمثال: سلطان علي مشهدي وميرزا غلام رضا ومحمد رضا كلهر والأخوين مير خاني وأمير خاني، علي رضا عباسي ورضا عباسي ومير عماد حسني الذي أوصل خط النستعليق الفارسي إلى درجة راقية دفعت الكثير من الدول المجاورة إلى الاستفادة منه. ومنهم إسرافيل شيرجي الذي وجد نفسه كباقي الخطاطين الإيرانيين الرواد أمام كنوز ممتدة من الإبداعات الفريدة الممتلئة بالمعاني والحيوية. لمسات إيرانية حديثة معرض “لمسات إيرانية”، للفنانتين الإيرانيتين، الخطاطة صُغرى حسيني، والمذهّبة رفعت موسوي، يقدم صورة عما يحاول الخطاطون الإيرانيون فعله اليوم، يستلهم أعماله، من الحضارة الفارسية بأبعادها التأملية والفلسفية الجمالية، ويشق طريقه إلى وجدان المتلقي من خلال تقنيتين راحتا تتطوران حتى أصبحتا تعدان من أهم الفنون الشرقية، وهما فن الخط وفن التذهيب، اللذين يقومان على جماليات وتقنيات تستمد ألقها من روحانيات اشتهرت بها هذه المنطقة من العالم. وتضمن المعرض، أكثر من خمسين لوحة تأخذ بخطوطها وزخرفاتها ومنمنماتها المتلقي، في رحلة عبر نوعين من الفنون التي اشتهرت بهما إيران على مر العصور، وتستحضر آيات من الذكر الحكيم والأشعار والأقوال المأثورة لشخصيات ورجال دين وشعراء رحلوا وبقيت أعمالهم خالدة، مثل عمر الخيام وحافظ الشيرازي، اللذين خصتهما المذهبة صغرى حسيني بمجلدات تحولت فيها الكلمات والزخرفات والمنمنمات إلى لوحات فنية حقيقية تضاهي في جمالياتها حدود الأداء الوظيفي المطلوب من هذين النوعين من الفنون. وكانت لوحات حسيني عبارة عن خطوط إسلامية، منها أقوال مأثورة للإمام علي، رضي الله عنه، أو لمولانا جلال الدين الرومي، أو أشعار صوفية لشعراء فرس ومسلمين معروفين، أو لآخرين مجهولين، أو آيات قرآنية كريمة. وفي لوحات الفنانة موسوي التي اعتمدت على التذهيب، ظهر الحس الفني العالي، والولع بالحياة، والتفاؤل، من خلال حضور الورد والطير، في الدوائر التي ركزت عليها، في إطار رصد الكون والشمس والكواكب، بل ثمة لوحة من بينها تحمل عنوان “الكون يزدهر” تنم عن رؤيتها للعالم، والإنسان، ولوحظ أن الفنانة قد أسهمت في تذهيب نصوص شعراء كثيرين منهم: حافظ وسعدي الشيرازي وعمرالخيام.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©