الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أجندات الحملان والذئاب

أجندات الحملان والذئاب
7 سبتمبر 2011 23:55
العولمة حرب عالمية قادمة بين الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا حملت العولمة من الأسئلة أكثر مما قدمت من الأجوبة وكشفت عن مخاطر ومصادر قلق أشد من عوامل الاطمئنان التي بدت معها للوهلة الأولى. لذا هناك أصوات تحذر من العولمة وتنبه الى مخاطرها، ومن بينها كتاب دينيس سميث، الذي صدرت ترجمته العربية مؤخرا بعنوان “الأجندة الخفية للعولمة”. يعلن دينيس بوضوح أن العولمة إذا لم تغير اتجاهها ومسارها فإن الثمن المدفوع من صميم الحرية وحقوق الإنسان سيكون فادحا، وإذا مضينا على النحو الذي نعيشه الآن فإن عوامل الشر والصراعات قد تؤدي الى نشوب حرب عالمية كبرى بحلول منتصف القرن الحالي، والأمر هنا يتعلق بهوية الفائز في الصراع السياسي العالمي الآن. عن الحرب والديمقراطية لا يحدد المؤلف بين من ستكون الحرب، إذا نشبت، لكنه يتركنا نستنتج أنها ستكون بين دول الغرب، وغالبا بين الولايات المتحدة وأوروبا هو لا يستبعد ذلك فالحرب العالمية الأولى كانت بين طرفين أوروبيين وكذلك الحرب العالمية الثانية، والتي وصل ضحاياها الى اكثر من خمسين مليون نسمة، وقد يبدو للوهلة الأولى أن الصراع حاليا بين الغرب والإرهاب أو بين الغرب وبعض القوى المتشددة إسلاميا، لكن الصراع الأشد والأنكى من ذلك هو ما يدور داخل الغرب نفسه. هناك مؤيدون لما يسميه “الديمقراطية الراشدة” التي تعني الحفاظ على حرية الانسان وكرامته والإنصاف في التعامل مع جميع المواطنين، هذه الديمقراطية لن تجعل الأرستقراطيين يحصلون على امتيازات أو حقوق اكثر من غيرهم، وكذلك أصحاب النفوذ والمناصب، في المقابل هناك أنصار ودعاة “الرأسمالية المتحررة” التي تفرضها الدولة العظمى وتحتكر فوائدها لنفسها دون الكثيرين. الديمقراطية الراشدة أو الرشيدة يمثلها الاتحاد الأوروبي وهنا يصبح التساؤل الى أي مدى سيذهب الاتحاد الاوروبي في الدفاع عن “التزامه التاريخي” بالجمع بين تحقيق الرخاء بكل مظاهرة والوصول الى نصر راسخ لحقوق الانسان التي تهتم بالفقراء المحرومين؟ ويتساءل المؤلف: الى متى يتسامح الاتحاد الأوروبي مع خطة الولايات المتحدة لنشر “المنطق الغاشم” للسوق في أرجاء المعمورة من دون اكتراث برغبات وظروف الآخرين بمن فيهم حلفاؤها؟ وعلى هذا النحو تمضي التساؤلات ليصل في النهاية الى تصادم وصراعات مسلحة بين أوروبا والقوة المهيمنة؟ يعرف المؤلف أن ذلك التساؤل يبدو غريبا وربما مستهجنا من العقلاء، لكن لو أن أحدا تصور قبل الحرب العالمية أن يكون هناك صراع بين فرنسا وألمانيا لاعتبر مجنونا، لكنه حدث وقبل عام 1989 لم يكن أحد في العالم كله ولا في الولايات المتحدة نفسها يتصور العالم من دون وجود الاتحاد السوفييتي أو امبراطورية الشر كما كان يطلق عليه في الدوائر الاميركية تحديدا. ولم يكن أحد يتصور كذلك أن تعتنق الصين التي قاد ثورتها ماو تسي تونج الفكر الرأسمالي ويصبح اقتصادها هو اقتصاد السوق وليس الاقتصاد الموجه، أي الاقتصاد القائم على نظرية ماركس وإنجيلز. يضاف الى ذلك ان العالم قد انفتح فهناك بلاد آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية، وهذه الشعوب صاحبة الكلمة في المستقبل، ومن ثم إذا تحرروا من الديمقراطية الرشيدة لصالح الرأسمالية المتحررة أو المتوحشة كما يسميها بعض اليسار فإن هذه الشعوب لن تبقى مستكينة. تحكّم قوانين السوق الأجندة الواضحة او المعلنة للعولمة تقوم على أنها تركز على فرض السوق الاقتصادية والاستفادة من الموارد المادية الأساسية كالمياه والنفط والغاز، وهنا يرد الحديث الدائم عن مزايا الاستثمار الأجنبي المباشر، وكذلك ما يسمى “العقوبات الصحية” التي تفرضها جهات متعددة مثل صندوق النقد الدولي على بلدان بعينها، وجاء هجوم 11 سبتمبر 2001 على مركز التجارة العالمي ليضيف الى العولمة بندا آخر وهو “الحرب على الإرهاب” ولكن هذه الأجندة المعلنة تحت أجندة أخرى، يرى المؤلف انها ستبقى حاضرة حتى عام 2035 وتتمثل في تساؤلات عدة من أهمها كيف ستواكب الولايات المتحدة وغيرها من القوى العظمى الانهيار النسبي للنفوذ العالمي لأميركا وعندما يتردى النفوذ الاميركي كيف ستدار “الحوكمة العالمية”؟ وما هو نوع النظام مع تساؤل آخر عن مستقبل منظومة حقوق الإنسان وقوة الحقوق الاجتماعية. وفيما يتعلق بدول العالم الثالث فمع عام 2030 طبقا للتوقعات سوف يتمدن نصف سكان البلاد النامية، أي ينتقلون للعيش في المدن فكيف ستعيد اندماج هذه الكتلة البشرية الهائلة في الأنظمة السياسية والاجتماعية العالمية وما القوة التي ستتولى القيادة في هذه الحالة على مستوى العالم؟ الكتاب مليء بالمخاوف والقلق من العولمة بمسارها الحالي، فهو يتحدث في اكثر من فصل حول “الإذلال” وما يسميه “الإذلال الإقصائي” و”الهروب من الإذلال” و”فعاليات الإذلال” الذي تسببه العولمة لمجموعات بشرية ضخمة، ونلاحظ كذلك أن “شبح هتلر” يسيطر عليه، فالإذلال الذي تمارسه العولمة على الكثيرين سوف يدفعهم الى الفرار من خانة “الحملان” الى “الذئاب” أي يصبحون مثل هتلر، وتظهر أفكار وفلسفات القوة التي ستقود الى الحرب العالمية الجديدة، والحل لديه لتجنب هذا المصير هو أن يتولى الاتحاد الأوروبي دوره التاريخي في نشر الحرية والوعي بقيمة ومنظومة حقوق الانسان، ناهيك عن الحقوق الاجتماعية التي يجب أن يتمتع بها كل انسان من سكن ومأكل وبيئة صحية وفرصة عمل بأجر عادل. ويوجه الكاتب نقدا حادا لعدد من الكتاب والمفكرين الاميركيين مثل فوكوياما وتوماس فريدمان وغيرهما، أولئك الذين يرون هيمنة اقتصاد السوق وانتصار الرأسمالية المتوحشة وسيادة العولمة، ويقول ان الكثيرين من المحللين يصعب عليهم الاقتناع بأن منطق السوق يمكنه ان يجعل الأمور في العالم تسير نحو تحقيق الشفافية والرخاء والعقلانية والحرية، كما يصعب عليهم أن يصدقوا أن اللعبة انتهت لصالح العولمة، بل على العكس من ذلك أصبح العالم اكثر خطرا. ورغم ان الكاتب يتحدث عن رؤى مستقبليه ويحذر من مخاطر يتوقعها، لكنه حصر العالم كله في الإطار الغربي والتنافس أو التصارع الأوروبي ـ الاميركي ويفوته أن عوامل الاقتراب والتحالف بين الجانبين أكثر من عوامل الخلاف، وجدنا هذا التحالف في افغانستان، وفي العراق وفي ضرب القذافي في ليبيا مؤخرا والمشكلة الحقيقية هي في بلدان العالم الثالث، ومنطقتنا العربية تحديدا التي تدفع فاتورة هذا التحالف.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©