الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قراءة في أزمة الخطاب القومي

قراءة في أزمة الخطاب القومي
7 سبتمبر 2011 23:53
عبد الإله بلقزير يحاول تخليص البنيان النظري والمعرفي من أيديولوجيا الشعارات يذهب كثير من الدارسين والمفكرين إلى القول إن فشل الحركات القومية في تحقيق الشعارات والأهداف التي دعت إليها ووصلت إلى السلطة من خلالها دلالة على فشل تلك الأيديولوجيات في تحقيق مشروعها السياسي والاجتماعي، ولعل تعمق الانتماء القطري والدولة القطرية هو المثال الواضح على هذا الفشل، بل إن تراجع الاهتمام بالمسألة القومية، وعدم تطور الفكر القومي يشكل دلالة أخرى على الخيبة التي نتجت عن فشل الحركات القومية في تحقيق أهدافها. من هنا ينطلق الدكتور عبد الإله بلقزيز أحد المفكرين القوميين في نقده للخطاب القومي داعيا إلى التمييز بين الخطاب الفكري القومي الذي قدّمه مجموعة من المفكرين والمثقفين العرب باعتباره منظومة من المعارف تقوم على التماسك النظري والتأسيس المنهجي، والخطاب كمنظومة أيديولوجية ذات أهداف اجتماعية، الأمر الذي يجعل نقده يتوجه إلى نقد مجموعة من المفاهيم التي طرحها الخطاب القومي العربي كمفهوم الهوية والعروبة والوحدة والثقافة العربيتين، ومفهوم الأمة والدولة. في الأيديولوجيا القومية قبل الشروع في نقده للخطاب القومي يحاول بلقزيز الدفاع وتصحيح القول حول بعض المفاهيم التي شاعت ويرى فيها البعض تهمة يوجهها لأي موقف سياسي يطرحه الطرف الآخر، وفي مقدمة تلك المفاهيم مفهوم الأيديولوجيا الذي يدافع عنه باعتباره يمثل شكلا من أشكال الوعي الإنساني والتاريخي المشروع ويعبر عن مصلحة موضوعية لجماعة اجتماعية في مرحلة من مراحل تاريخها، ذلك أن ادعاء العلمية في التفكير ليست أكثر من ممارسة تفكير ايديولوجي. فالأيديولوجيا تكتسب مشروعيتها من خلال نضال عالم اليوم من أجل تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة والبيئة، إذ أن النضال من أجل تحقيق ذلك هو نضال سياسي أيديولوجي قام على تسخير المعرفة لتحقيق تلك الأهداف. ولكي لا يؤول موقف الباحث على أنه دفاع عن الأيديولوجيا يستدرك بالقول إن هذا التوضيح كان القصد منه التشديد على ما يعتقد بأنه قواعد لا يمكن القفز فوقها لفهم الظواهر الاجتماعية التي هي ظواهر سياسية أو اجتماعية، لأن السياسة هي أشدّ ارتباطا بالأيديولوجيا كونها الأوثق صلة بالمصالح الاجتماعية، دون أن يعني ذلك أن كل صلة بالسياسة هي صلة أيديولوجية بالضرورة. وبناء على ما تقدم يؤكد أن الفكرة القومية هي فكرة أيديولوجية نظرا لارتباطها بمصالح جماعة قومية تروم تحقيق الوحدة. لكن شرعية الأيديولوجيا تظل رهنا بالتاريخ والمصالح والمطامح، فالناس لا تفكر في العالم بحثا عن الحقيقة بل بدافع الحاجة والمصلحة. واقع الخطاب القومي أول ملاحظة يسجلها الباحث على الخطاب القومي العربي هي التوقف المديد عن حركة إنتاج الأفكار الكبرى داخل هذا الخطاب في العقود الأخيرة وتراجع التنظير في مسائل الأمة والقومية والوحدة، باعتباره إشارة دالة على واقع الاهتمام بالقضية القومية بعد الفشل الكبير الذي انتهت إليه الأيديولوجيات القومية الحاكمة في عدد من الدول العربية خلال عقود الستينيات والسبعينيات الماضية، بعد أن اختطف العسكر تلك الحركات، إلا أن الباحث يرد هذا التوقف عن إنتاج الأفكار إلى وجود أزمة تستبد بنظام اشتغال الفكر القومي، لذلك يحاول الإجابة عن سؤال يطرحه يتعلق بالبحث عن منشأ تلك الأزمة في إنتاج الأفكار والتي يراها ماثلة في المنظومات الفكرية المغلقة التي قام الوعي القومي العربي بتشييدها ما حال دون تطويرها أو مراجعتها بسبب اليقينيات التي انتهت إليها. وإذا كان المفكرون المؤسسون أمثال الحصري والبيطار وسيف الدولة قد ساهموا في صياغة أطروحات الفكر القومي، فإن مسؤولية الجمود تقع على عاتق من تلاهم من المثقفين القوميين المعاصرين، إذ استدعت الضرورات السياسية والفكرية منهم القيام بنقد ومراجعة الأفكار التي طرحها المنظرون السابقون. ويعود ثانية لتسجيل ملاحظاته على التراث الفكري القومي في إطار الخطاب القومي ضمن دفاعه عن هذا الخطاب الذي يرى طغيان الخطاب السياسي في حين أن الاستثمار السياسي لمعطيات هذا الفكر كانت متواضعة جدا لأن الحركات القومية كانت صلتها ضعيفة بنصوص الفكر الرصينة، وقد أدى ذلك إلى تشكل فجوة بين الخطاب السياسي القومي الحركي ومصادره النظرية المفترضة، ما جعل خطابها القومي خطابا لفظانيا يفتقد إلى الرؤية، نظرا لأن هدف هذا الخطاب كان اكتساب الالتفاف الشعبي حوله أكثر من بحثه عن استيعاب الشروط الموضوعية المتحولة للواقع العربي وتحقيق التلاؤم بين النظرية والواقع. تاريخية الفكر القومي في تناوله لتاريخية هذا الفكر ينتهي من مراجعته للأطروحات الماركسية، وفرضية القول بأن الأمة العربية تكونت في التاريخ ما قبل الحديث، إلى تأكيد أن تاريخية مفهوم الأمة تعود إلى القرن التاسع عشر ما يستدعي منه عدم إسقاط حقيقة الصلة بين تكون الأمم ونشوء سيرورة الاندماج الاجتماعي في المجتمعات الحديثة، وحجته في ذلك أن العودة بهذا المفهوم إلى زمن سابق على هذا التاريخ، إنما هي محاولة اختراع حقيقة لم تكن موجودة لعدم توفر شروط التطور التاريخي التي تسمح بوجودها، فالتاريخ واللغة والثقافة لا تكفي لادعاء وجود استمرارية تاريخية بين الماضي والحاضر. أما ما يخصُّ الخطاب القومي فليس هناك خطاب واحد متجانس، إذ اهتمت تلك الخطابات بالبحث أولا عن وجود علاقة بين العروبة والإسلام لاسيما من قبل جمال الدين الأفغاني، ومن بعده محمد رشيد رضا، على خلاف ساطع الحصري الذي اعتبر أن رابطة العروبة هي غير رابطة الإسلام، وكذلك فعل قسطنين زريق. والقضية الثانية التي شغلت هذا الفكر هي العلاقة بين الأمة والدولة، دون أن يكون هناك رأي واحد. ويرجع الباحث تلك الاختلافات إلى الظرفية التاريخية والسياسية التي كان لها الدور الأساس في صياغة هذا الفكر، لذلك يجمل المراحل التي مرّ بها الفكر القومي منذ مطلع القرن العشرين بأربع مراحل كان للعامل الخارجي المتمثل في التهديد الغربي دور مهم فيها، وقد تميزت المرحلة الأولى بالانشغال بموضوع هوية الأمة، بينما غلب على المرحلة الثانية الاهتمام بموضوع الوحدة العربية إلى جانب الاستقلال الوطني، وتميزت المرحلة الثالثة ببروز مشكلة الأمن القومي العربي نتيجة الاهتمام الكبير بقضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، في حين كان العنوان الأبرز للمرحلة الرابعة هو قضية الديمقراطية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©