الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عمار علي حسن: «واقعيتنا السحرية» ضئيلة ..

عمار علي حسن: «واقعيتنا السحرية» ضئيلة ..
7 سبتمبر 2011 23:52
صوفية الشرق أهدته غرائبية روايته الجديدة «شجرة العابد» لم ينسج عمار علي حسن في روايته الأخيرة “شجرة العابد” على المنوال نفسه الذي نسج عليه أعماله الروائية السابقة “حكاية شمردل” و”جدران المدى” و”زهر الخريف”، ولا حتى قصصه التي حوتها مجموعتي “عرب العطيات” و”أحلام منسية”، فعالم الرواية الأخيرة وأجواؤها مختلفة، حيث حاول فيها أن يعزز الواقعية السحرية العربية المعاصرة عبر غرائبية ظاهرة. وقد رشح الناشر رواية “شجرة العابد” للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية)، والمعروف أن الدكتور عمار علي حسن نال في السابق جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في مجال القصة القصيرة، وجائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع التنمية وبناء الدولة. حول هذه الرواية دار مع مؤلفها الدكتور عمار علي حسن هذا الحوار. ? في تقرير وكالة أنباء رويترز عن الرواية وصفتها بأنها “أجواء غرائبية لثائر أزهري اختلط عليه الواقع بالخيال”... فهل بطل روايتك كان مغيبا لا يدرك ما يعيش فيه؟ ? على العكس، بطل الرواية “عاكف” كان مدركا بشكل جيد لتنقلاته المتتابعة بين الواقع والخيال، أما الاختلاط فيخص أجواء الرواية، التي تراوح بين ما يجري في مصر أواخر العصر المملوكي وما يجري هناك في عالم الجن، وما يحلم به العديد من شخصيات الرواية. والغرائبية في الرواية تخص بالأساس ليس فقط وصف عالم لم يصل إلينا خبره سوى من الكتب المقدسة والأساطير الإنسانية، لكن أيضا من إنتاج أسطورة شرقية حاولت أن تكون جديدة، هي أسطورة الشجرة، التي يختلف الناس في رؤيتهم لها، فهناك من يتصرف على أنها الذات الإلهية، أو الحقيقة المطلقة، وهناك من يعتقد أنها أثمن كنز على الأرض، وهناك من يعتقد أنها ترياق يشفي من أي مرض عضال، وهناك من يراها مجرد شجرة مقدسة، لا مثيل لها “ثمارها من كل طعم وورقها من كل شجر”، وهناك من يراها إحدى أساطير الأولين. أسطورة جديدة ? هل استفدت من تراثنا الأسطوري، لاسيما “ألف ليلة وليلة”؟ ? حاولت في هذه الرواية أن أنتج أسطورة جديدة، لا علاقة لها بما ورد في ألف ليلة وليلة أو غيرها. وما جعلني أقدم على هذه التجربة هو ضيقي من ضآلة أدب “الواقعية السحرية” في إبداعنا العربي المعاصر، رغم أن أساطيرنا ألهمت كتاب أمريكا اللاتينية فنسجوا على منوالها أو تأثرا بها روايات رائعة. يكفي أن نقول إن رواية “الخيميائي” للأديب البرازيلي باولو كويليو والتي وزعت سبعين مليون نسخة مقتبسة من صفحة واحدة في ألف ليلة وليلة، ولنقرأ بورخيس الأرجنتيني العظيم سنجد كم تأثر بأساطير الشرق. ? إذن ما منبع الواقعية السحرية في “شجرة العابد”؟ ? منبعها الأصلي “الصوفية” الشرقية التي حفلت بأساطير غريبة نتجت عن المبالغة في “كرامات الأولياء”. بالطبع يمكن لإنسان أن تكون لديه طاقة روحية أوسع وأعمق من كثيرين، لكن بعض المتصوفة لم يقفوا عند هذا الحد المقبول، بل بالغوا فيه إلى حد أن بات جزءا من أساطيرنا العربية، لكنها مطمورة. ? الرواية على بعدها الفني الواضح فيها “شيء من الفكر” كما وصفها بعض النقاد.. هل هذا يعيبها أم تراه أنت سمة جيدة؟ ? روايتي عمل فني خالص، في لغته وبنيته وأسلوبه وجمالياته الخاصة، لكن أي رواية قد نجد أنها تنطوي على فكرة مركزية أو قيمة محورية، حتى ولو لم يقصد مبدعها ذلك. فالفن لا يخلو من معنى ولا يجب أن يخلو. وكل الروايات الخالدة في تاريخ البشرية كانت تعبر عن معان عميقة فضلا عن فنيتها العميقة. والمعنى في “شجرة العابد” قد يكون فلسفيا، يقوم على قدرة الإنسان على أن يصل إلى ما يريد حين يكتشف الطاقة الفياضة الكامنة بين جوانحه، بالمصالحة بين العرفان والبرهان، والعلم والذوق، بين العقل والنفس، بين الجسد والروح. وكل هذا يمكن أن يصل إليه الصوفي الحق والناسك الحقيقي وكذلك الإنسان المؤمن بأن قدرته بلا حدود وعليه أن يتصرف على هذا الأساس، ويتحدى ذاته. ? على غلاف الرواية هناك تقديم لدار النشر وصفت فيه الرواية بأنها “كونية”... فما حجة هذا الوصف في نظرك؟ ? ربما رأى من أطلق هذا الوصف أن الرواية تنطوي على رؤية معينة للحياة، أو أنها أسطورة يمكن أن تقرأ بكل اللغات، ويفهمها الناس في كل مكان، وتكون جذابة ومحببة إليهم. وربما أطلق لأن أبطال الرواية يسبحون في الكون الفسيح، حيث تجري وقائعها في البر والبحر والفضاء. ورغم أن الرواية تدور في نهاية العصر المملوكي فإن تاريخيتها لم تؤثر سلبا على غرائبيتها، بل ربما أعطتها مزاجا خاصا. الرواية والتاريخ ? هل يمكن أن نطلق على روايتك “رواية تاريخية”؟ ? زمن الرواية هو نهاية العصر المملوكي، لكنها ليست رواية تاريخية بحتة، رغم أنني استفدت في صياغة الأجواء والأحوال ورسم ملامح الأماكن وطقوس الحياة من كتب التاريخ والاجتماع التي تناولت هذه الفترة. البؤرة المركزية للرواية هي “أسطورة الشجرة المقدسة” أكثر من سلاطين العصر المملوكي أو بعض جوانب الصراع بين الشرق والغرب الذي شهدته هذه الفترة. ? رشحت “دار نفرو” روايتك لجائزة البوكر، فهل تتوقع الفوز؟ ? أنا أبذل ما أستطيع من جهد والبقية على الله. ودائما مذهبي فيما أكتب هو ما قاله العماد الأصفهاني: “إني رأيت أنه لا يكتب أحد كتابا في يومه إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر”. وأؤمن أيضا أن “إتقان العمل واجب لكن الأجر رزق” وقد أتقنت عملي بقدر مكنتي، وإذا كان لي رزق في الجائزة سأنالها، وإن تفادتني تكفيني المحاولة. والجوائز عموما لا تصنع كاتبا من عدم وإن كانت تلفت الانتباه إلى إبداعه وتقربه أكثر من القارئ وهذا منتهى مراد أي كاتب حقيقي، وربما هذا هو السبب الأول الذي يدفعني للمشاركة في المسابقات الأدبية، وقد لمست هذا الأمر كلما كنت أحصل على جائزة، لاسيما جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي، التي نلتها في مجال القصة القصيرة، وجائزة الشيخ زايد للكتاب التي حصلت عليها في فرع التنمية وبناء الدولة. الكتابة والعيش ? لك كتابات في علم الاجتماع السياسي، الذي أنت متخصص فيه، فهل تجد أي تناقض بين الباحث المدقق في البراهين والأدلة والأديب الذي لا يلزمه الفن بشيء؟ ? لو كان الأدب يؤكل عيشا في بلادنا ما كتبت غيره، لكن كان يجب أن تكون لي حرفة أتقوت منها. نجيب محفوظ كان موظفا بوزارة الأوقاف طيلة حياته، ومحمد البساطي محاسب، وعلى محمود طه مهندس ويوسف إدريس طبيب ويحي حقي دبلوماسي، وهذه الظاهرة كانت موجودة في أوروبا خلال القرن التاسع عشر، حين كان الأدب لا يقيم الأود. ولدينا حكمة عربية سابغة اسمها “طالته حرفة الأدب” وهي حرفة لا تورث صاحبها سوى الحرمان والفاقة. العبرة في كل الأحوال بالإجادة وليس الادعاء، ولا يجب لأي موهوب أن يكبت موهبته إن تعارض معها أكل عيشه. وعموما فأنا أسير في المسارين، وأحقق فيهما، والحمد لله، نجاحا تلو نجاح. وأقول لنفسي دائما: حليم بركات عالم اجتماع كبير وروائي مهم، وعبد الله العروي فيلسوف وروائي مهم، ويوسف زيدان باحث في المخطوطات وأنتج رواية من أهم الروايات العربية “عزازيل” وخلال أطروحتي للدكتوراه التي دارت حول “القيم السياسية في الرواية العربية” رصدت علاقة روائيين عرب كثر بالسياسة فوجدت من بينهم الدبلوماسي والناشط الحزبي والمناضل والمعارض، وهكذا. المهم أن ندرك جيدا أن الأدب فن وليس أيديولوجيا ولا وعظا ولا منشور. ? هل هناك أعمال أخرى في الطريق؟ ? هناك مجموعة قصصية كتبت قصصها على فترات متباعدة، وأجمعها الآن، وسأدفعها إلى المطبعة قريبا. وهي عبارة عن قصة طويلة وأخرى قصيرة وأقصوصتان. أما عن الكتابة البحثية فهناك دراسة انتهيت منها حول “أساليب المواجهة السلمية وجبهاتها” وستنشر خلال العام المقبل إن شاء الله.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©