الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاختطافات في لبنان... العشيرة ضد الدولة

الاختطافات في لبنان... العشيرة ضد الدولة
26 أغسطس 2012
كان الرهينة حسان المقداد، الذي ينتمي إلى عشيرة آل المقداد، يحمل كدمات على وجهه عندما ظهر على مقطع فيديو نشره ثوار سوريون على موقع "يوتيوب" في الثالث عشر من أغسطس الجاري. وبعد ذلك بيومين، خرج رجال من آل المقداد مدججين بالأسلحة إلى الشوارع وقاموا باختطاف 40 رهينة سوري على الأقل، إضافة إلى رجل أعمال تركي، بعد وقت قصير على وصوله إلى مطار بيروت. وعمليات الاختطاف الانتقامية هذه جددت المخاوف من إمكانية غرق لبنان مرة أخرى في موجات من العنف الخارج عن السيطرة، ومثلت تذكيراً رهيباً بالأيام السوداء للحرب الأهلية اللبنانية في عقد الثمانينيات عندما كان الآلاف من اللبنانيين يختفون فجأة في طول البلاد وعرضها. وعلى غرار الأمس، يبدو أن العداء الطائفي هو الذي يحرك أعمال العنف اليوم. ذلك أن عشيرة آل المقداد تتألف بشكل رئيسي من الشيعة في حين ينتمي أسراهم إلى السنة. وحسان المقداد، المحتجَز في سوريا، معتقل على ما يفترض لدى الجيش السوري الحر، الذي ينتمي معظم أعضائه إلى السنة -وإن كان هذا الأخير قد نفى في بيان باسم المجلس العسكري لدمشق وريفها مسؤوليته عن اختطاف المقداد، مضيفاً أن المجموعة التي تختطف المقداد لا تنتمي إلى الجيش الحر، وإنما هي مجموعة وهمية لا وجود لها في أي من تشكيلاته. هذا وتنعكس الانقسامات الطائفية في الاصطفاف الأوسع للمنطقة في وقت تنحاز فيه الحكومات والمجموعات المسلحة إلى هذا الطرف أو ذاك في الحرب الأهلية السورية. ذلك أن الحكومة السورية، التي تدار من قبل أعضاء فرع من فروع الشيعة، تحظى بدعم إيران، التي تعتبر أكبر بلد شيعي في المنطقة، إضافة إلى "حزب الله"، الذي يعتبر أكبر حزب شيعي في لبنان. هذا في حين يتلقى الثوار السوريون الدعم من السعودية وقطر وتركيا، وجميعها بلدان ذات أغلبيات سنية. وفي هذه الأثناء، يخشى بعض المحللين أن تكون الاختطافات من بين المؤشرات الأولى لحرب إقليمية أوسع وفق خطوط طائفية. غير أن حسان ليس الرهينة اللبناني الوحيد المعتقل في سوريا. ذلك أنه في أواخر مايو الماضي، تم اختطاف 11 لبنانياً في سوريا في طريق عودتهم إلى بلدهم بعد زيارة دينية إلى إيران، وهم ما زالوا محتجزين هناك إلى اليوم. والأسبوع الماضي، وبينما انكب آل المقداد على عمليات الاختطاف، راجت شائعات تفيد بأن بعضاً من اللبنانيين الأحد عشر ربما يكونون قُتلوا في هجوم وقع في سوريا. ونتيجة لذلك، عمد أقارب وأنصار غاضبون إلى سد الطريق السريع المؤدي إلى المطار في بيروت بواسطة الإطارات المحروقة والحطام. وبعد اختطاف السوريين في لبنان هذا الشهر، ظهر أفراد من آل المقداد على التلفزيون مرتدين أقنعة سوداء وحاملين بنادق "إي كيه 47"، وقاموا بعرض بعض رهائنهم السوريين الذين ينتمون إلى الجيش السوري الحر على ما يفترض أمام الكاميرات. وقد تم في وقت لاحق الإفراج عن نحو نصف المختطَفين من قبل آل المقداد على ما يقال؛ غير أن هناك مؤشرات قليلة جداً على أن الحكومة السورية أو قوات الأمن تسعى إلى التدخل من أجل تحرير الآخرين. وفي هذا الإطار، يقول نديم حوري، نائب مدير فرع منظمة "هيومان رايتس ووتش" في الشرق الأوسط: "إن الأمر يتعلق بكل بساطة بتفشي ثقافة الحصانة والإفلات من العقاب -ذلك أن الدولة تنظر إلى نفسها كلاعب من بين عدد من اللاعبين بدلاً من أن تكون الجهة التي تسهر على فرض وتطبيق القوانين". ولئن كانت الحكومة تمارس على ما يبدو سيطرة محدودة أو منعدمة على العشيرة، فكذلك الحال بالنسبة لواحد ممن يقال إنهم حلفاؤها، "حزب الله"، حيث قال حسن نصر الله، زعيم الحزب، في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي إن مجموعته لم تعد تستطيع السيطرة على الاختطافات وإحراق الإطارات في شوارع بيروت. ومن الجدير بالذكر أن العشائر في لبنان لديها جذور عميقة. وفي هذا الإطار، يقول بعض المحللين إن العشيرة يمكن أن تقوم مقام العائلة والكفيل والدولة خلال أوقات النزاعات أو انعدام الأمان. ولم تزدد هذه العلاقات إلا قوة خلال فوضى الحرب الأهلية اللبنانية التي وضعت أوزارها في 1990. غير أن بعض العشائر تدخل في صدام مباشر مع الحكومة اللبنانية. وعلى سبيل المثال، فقد حمِّل آل جعفر، وهم عشيرة من وادي البقاع الذي يقع في شرق لبنان، مسؤولية هجوم أسفر عن مقتل أربعة جنود من الجيش اللبناني عام 2009. كما يُعتقد أنهم هاجموا جنوداً بواسطة قذائف "آر بي جي" وبنادق رشاشة هذا الشهر. أما آل المقداد، فينحدرون من المنطقة المحيطة بجبيل في وسط لبنان، كما يقول أعضاء في العشيرة. غير أنهم انقسموا وتفرقوا، حيث استقر الفرعان السني والمسيحي في الشمال في حين استقر الشيعة، الذين يشكلون الجزء الأكبر من العشيرة، في وادي البقاع وفي جنوب بيروت. هذا ويُعتقد أن العشيرة تضم ما يصل إلى 20 ألف عضو. وتحمِّل قوات الأمن اللبنانية أعضاء العشيرة مسؤولية العنف وتهريب الأسلحة. ولكن ليس كل أفراد العشيرة، التي تضم في عضويتها أطباء ومحامين. ومنذ الاختطافات الجماعية التي حدثت الأسبوع الماضي، صعد إلى الواجهة اسم ماهر المقداد، الذي يبلغ 53 عاماً، كمدير للأزمات ومتحدث رسمي باسم العشيرة. وبعد ظهر يوم الخميس الماضي، عاد المقداد من اجتماع دام نحو ساعتين مع أعضاء الأمن العام اللبناني، الذين أبلغوه رسالة واضحة لا لبس فيها مؤداها: أوقفوا الاختطافات. إلا أنه لا يبدو أنه قد تأثر بها كثيراً حيث قال: "لماذا يحمل أبناء عشيرتي الأسلحة؟ لأنه ليست لدينا حكومة. فنحن نعيش في غابة، وعلينا أن نكافح من أجل البقاء. ولو كانت الحكومة تكترث لأمرنا، لما اضطررتُ لحماية نفسي". وقال ماهر المقداد إن العشيرة قامت بالإفراج عن 22 من الرهائن السوريين الذين لا يبدو أن لديهم علاقة بالثوار السوريين؛ ولكن العشيرة تقول إنها ما زالت تحتجز أكثر من 20 رهينة آخرين من السوريين، إلى جانب رجل الأعمال التركي. وقال المقداد: "إذا كانت هناك نهاية سعيدة لحسان (المقداد)، فإنه ستكون ثمة نهاية سعيدة لهم أيضاً"، مضيفاً "أما إذا كانت ثمة نهاية حزينة لحسان، فإنه ستكون ثمة نهاية حزينة لهم جميعهم كذلك!". باباك ديجانبيشي بيروت ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©