الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اتحاد الكتاب العرب.. إلى أين؟

اتحاد الكتاب العرب.. إلى أين؟
6 يناير 2016 21:14
رضاب نهار جميعنا، هنا.. وفي كلِّ مكان، نطالب الإبداع العربي باتخاذ مواقف حاسمة وسط فاصل تاريخي راهن، وقعنا فيه وبعضنا لم يستطع الخروج بعد، ليس فقط بسبب ما تتوافر عليه الثقافة العربية من مكانة اعتبارية، مقدَّرة، في ذاكرة ووجدان العرب، وإنما أيضاً لما باتت تقوم به مؤسسات المجتمع المدني من دور فاعل على الصعيد المجتمعي. من هنا، ربما، تبرز مشروعية السؤال عن دور الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب باعتباره مؤسسة مدنيَّة رسميَّة أو شبه رسميَّة تحتضن مثقفي الأمة العربية وتجمعهم داخل منظومة واحدة، ومشروعية البحث عن الدور السابق والحالي والمستقبلي، وتقصّي الإمكانيات والنتائج، وكذلك أصول ومرجعيّات المواقف المتخذة، ومدى استقلاليتها عن الأصداء السياسية، وتبنيها بصدق لقضايا الإنسان العربي وحقوقه في حرية التعبير وحرية الإبداع. وما بين الآمال المتوقعة والمعطيات المتحققة، كان لابد من وقفة مع أعضاء ومسؤولين من داخل هذا التجمع الثقافي؛ حيث التقت «الاتحاد» على هامش المؤتمر السادس والعشرين للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب الذي انعقد الأسبوع الفائت في أبوظبي، عدداً منهم مستطلعة آراءهم حول كل ما سبق: التغيير قادم يذهب الشاعر حبيب الصايغ الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، رئيس اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، إلى أن «المرحلة المقبلة ستشهد بناءً على ما بُني من قبل. فالعمل الثقافي عمل تراكمي ولا يمكن أن يكون غير ذلك». ويقول عن تقويم ما قدّمه الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب في فتراته السابقة: «كان هذا على جدول أعمالنا في المؤتمر السادس والعشرين الذي اختتم فعالياته الأسبوع الفائت، وترتّب عليه تكوين لجنة برئاسة الدكتور علاء عبد الهادي رئيس اتحاد أدباء وكتاب مصر لتقديم النتائج للاجتماع القادم وقد تقرر اعتباره مؤتمراً استثنائياً». ويضيف: «الاتحاد، لا سيّما في سنواته الأخيرة مع الروائي محمد سلماوي، شهد الكثير من العمل. لكننا الآن بصدد تغييرات وتعديلات حقيقية في النظام الأساسي في ضوء التجربة الماضية. وفي تقديرنا أن وجود الأمانة العامة في أبوظبي، سيضيف الكثير لعمل الاتحاد مستقبلاً. أما شعار الاتحاد المستقبلي فهو: «وضع خطط معلنة بأسقف زمنية محددة». ويؤكد الصايغ: «لدينا عديد من الأشياء القابلة للقياس التي تتوزّع على الزمن المقبل. وسوف يلمس الأديب والكاتب والمتلقي العربي ذلك في كل مكان. نحن لا نريد المبالغة في الكلام على التغييرات المتوقعة، حيث إن هناك إمكانيات تحدد طبيعة العمل، لكننا في الوقت نفسه، نؤكّد أن التغيير قادم؛ سواء فيما يخصّ ترتيب البيت الداخلي وتفعيل الأدوار القيادية داخل الاتحاد، أو فيما يخصّ تفعيل الثقافة في المجتمعات العربية». ويرى الأمين العام أن الأيام المقبلة «هي مرحلة نتخذ فيها الثقافة كأداة تغيير. وهو هدف لا يمكن تحقيقه إلا بمشاركة الجميع. ومن هنا، أؤكد أن الأمانة العامة سوف تتيح لكلٍّ دوره، خاصة في هذه المرحلة العربية الصعبة التي تضعنا في مواجهة تيارات الفكر المتطرف والتعصب والطائفية. ولعلّ إيجاد مركز «نائب ثالث للأمين العام» متخصص بقضايا وشؤون الحريات، انتُخب له الدكتور وجيه فانوس رئيس اتحاد الكتاب اللبنانيين سيعمل على توطيد الحرية الإبداعية، من خلال مرصد حقيقي للحريات سيكون مستقلاً ويمتلك الموضوعية الكاملة». تفعيل الاتحاد ويعتقد الدكتور علاء عبد الهادي رئيس اتحاد الأدباء والكتّاب المصريين، أن الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب قبل استلام مصر لقيادته «كان يلعب دوراً في مساندة الأدباء والوقوف مع القضايا الوطنية والقومية، بيد أنه منذ العام 2006 انتقل نقلة جديدة برئاسة محمد سلماوي الذي حاول أن يكون للاتحاد دور يتجاوز البيانات والأمسيات الشعرية». ويوضح: «وقفنا مع الكثير من القضايا العربية، واستطعنا إدخال عدد من الاتحادات العربية إلى هذا التجمع الإبداعي. وعلى الرغم من أن الفترة السابقة كانت مضيئة، إلا أن التحدي الكبير اليوم لا يقع على هذه المؤسسة وبقية الاتحادات العربية، إنما يقع على الثقافة العربية برمتها لمواجهة الإرهاب بجميع مستوياته وأشكاله. لذا فالمرحلة القادمة ستكون مرحلة شائكة ستحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل على أرض الواقع، بالانتقال من الاكتفاء بإصدار بيانات الشجب والإدانة وإقامة الأمسيات الشعرية إلى ما هو أهم من ذلك بكثير، وأقصد التأثير المجتمعي. حيث ينبغي على كل اتحاد في قطره أن يكون شريكاً في رسم السياسات الثقافية الجديدة». العلاقة مع صنّاع القرار من جهته، يرى عبد الله السالم المعلا، رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، أن دور الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب اليوم «من المفترض أن يكون أكبر من أي وقت مضى، لأن التحديات القائمة في غاية الخطورة. لذا ينتظره من المهام أكثر مما كان في السنوات الماضية، كما أن الخطط والمطالب الملقاة على عاتقه كثيرة ومتنوعة». ولا ينطبق هذا الكلام على الاتحاد العام فقط، بل ينسحب على بقية اتحادات الكتاب في كل بلد عربي على حدة، بحسب المعلا، ما يعني ضرورة أن تستجيب وفق قدراتها واستراتيجياتها للتحديات التي تطرح نفسها بقوة ليواجهها العالم العربي. وينبغي أن تكثّف من دور المثقف والأديب حتى يستطيع تنوير الطريق وفتح الآفاق أمام الساسة، وبالتالي فإن على أصحاب القرار أن يستعينوا بالمثقفين والمبدعين. ويشدّد رئيس اتحاد الأدباء والكتاب المويتانيين أن على «الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب أن يكون سلطة بحد ذاته، ولا يتْبَعْ لأية سلطة تنفيذية أخرى»، ويشرح ما يرمي إليه بالقول: «بمعنى ثانٍ، يجب أن تكون العلاقة التي تجمع الاتحاد العام مع السلطة علاقة متوازنة، علاقة أخذ وعطاء تسمح له بأن يأخذ منصب المستشار الثقافي في جميع القضايا والتجليات». الحريّات أولاً ويراهن الفريق الدكتور عمر أحمد قدور، رئيس الاتحاد القومي للأدباء والكتاب السودانيين، مساعد الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، والأمين العام المساعد لاتحاد أدباء آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية كثيراً على الدور الذي يمكن أن يقوم به الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، نظراً لكونه «مؤسسة قومية أهلية من منظمات المجتمع المدني في هذا الجزء من العالم. وكثيرون ينبغي أن يدركوا أن تنظيمات المجتمع المدني هي التي تقود العالم الآن. فالمرحلة الحالية تتطلب حراكاً كاملًا للمجتمع بمختلف تخصصاته عبر منظماته المشروعة التي تمثّله في الجوانب الأدبية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ليشاركوا الدولة في إصدار القوانين والتشريعات. هذه السمة تميّز الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، خاصة وأنه أفرز الكثير من الاتحادات المماثلة وتفوّق على اتحاد كتاب أفريقيا وعلى منظمات كثيرة أخرى». إذن بالمقارنة الدولية والإقليمية، ثقافياً وأدبياً وحراكياً، يؤكد قدور أن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب له «بصمة تميّزه، كونه يجمع الأمة العربية ويعبّر عن ضميرها وثقافتها وحضاراتها، ويحمل مشاعل التنوير». أما الدور الحاسم والآني له، فيرى أنه «يتجسّد في مواكبته لكل مستجدات الساحة، وألا يكون بمعزل عن الحراك السياسي العام في المجتمع، وكلٌّ في موقعه، وقد علّمنا التاريخ أن التغييرات التي حصلت في الوطن العربي والعالم قادها مفكرون ومثقفون». ويضيف: «انتهى زمن الأبراج العاجية، على المثقف أن ينظر إلى هموم شعبه وأن يتزعّم قضايا بلده لتحلّ المشاكل بالحوار والتفاعل، وألا يتم الاكتفاء بكتابة قصيدة أو كتابة مقال. وهذا ما نفعله نحن في كافة مؤتمراتنا التي تعقد كل ثلاث سنوات، أو في اجتماع المكاتب التي تنعقد كل ستة أشهر في إحدى العواصم العربية. حيث نحرص على إصدار ثلاثة بيانات أساسية، الأول: ذو طابع سياسي ويتناول القضايا الملحة على الساحة العربية مثل القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المحورية، سوريا، العراق، اليمن الشقيق، السودان وغيرها.. والبيان الثاني ثقافي، يعنى بشؤون الثقافة في الوطن العربي والعالم، بينما يأتي البيان الثالث كبيان الحريّات، وهو الأهم». ويختم: «من الواضح أن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، سلاحه الثقافة. وبالتالي فإن أدواتنا للتغيير هي الإبداع، الندوة، الكتاب، المقال. لكن هذا لا يتم تفعيله إلا في وجود إرادة ومناخ من حرية التعبير لتستطيع إيصال رسالتك». خطاب تنويريّ ويعوّل فاضل ثامر، رئيس اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين على المرحلة الجديدة «لأن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات يمتلك نزعة وسطية ومعتدلة وهو بعيد عن التطرف». وتمنى أن «يضمن للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب موضوعيته واستقلاليته والابتعاد عن المواقف المسيسة وعن مؤثرات سلطة الدول». وبيّن قائلاً: «نحن بوصفنا كتابا وأدباء ومثقفين بحاجة لتشريع خطاب تنويري مستقل بعيدا عن مؤثرات الأنظمة السياسية العربية، بالإضافة إلى أننا نأمل من دولة الإمارات العربية المتحدة أن تقدّم دعمها للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب من أجل تنشيط الحراك الثقافي، كأن يتم نشر الكتاب العربي، وإقامة الندوات والمؤتمرات، وفتح المجال أمام مثقفينا للخروج من عزلتهم والتواصل مع مثقفي العالم». وينبّه ثامر إلى أن الكاتب العربي «يتحمل مسؤولية مباشرة إزاء المواقف والمصائر التاريخية لشعبه. وعليه أن يكون جزءاً من المشروع الوطني والقومي لأمته وأن يسهم في إعادة بناء الوطن العربي وتخليصه من الكثير من المخاطر والمنزلقات والتحديات الراهنة فيما يتعلق بظهور بعض التيارات السلفية والمتعصبة. فنحن لا نريد أن نعطي صورة مشوّهة عن الأمة العربية، ولابد من التأكيد على أن ما تقوم به العصابات الإرهابية والتكفيرية لا يمت بصلة لفكرنا العربي وللدين الإسلامي. لذا يجب تقديم صورة بديلة وتخليص البلدان العربية مثل سوريا والعراق وليبيا من آثام الأنظمة الديكتاتورية وفي مقدمتها منظمات داعش والقاعدة، بالإضافة إلى ضرورة اعتبار القضية الفلسطينية هي القضية المحورية». أين البوصلة؟ نضال صالح رئيس اتحاد الكتّاب العرب في سوريا، يجد أن أشكال الأداء الثقافي تتعدد وتتنوع مع تعدد وتنوع المنعطفات التاريخية الكبرى في الأمة العربية، إذ تفرض كل مرحلة شكلاً محدداً من الأداء ويجب أن يرتقي بنفسه ليكون معبراً تعبيراً حقيقياً عن حقيقة انتماء الفعل الثقافي إلى ضمير الأمة. ويقول: «يخيّل إلي أن هذه المرحلة التي نعيشها منذ 5 سنوات حتى الآن لا تمثل منعطفاً شديد الحدة في التاريخ العربي الحديث فقط، إنما تمثّل منعطفاً في الوعي الجمعي العربي. ولذلك نستطيع أن نتحدث عن علاقة جدل بين الثقافي والسياسي. فكما كان لهذا المنعطف تأثيراته الكبرى في الجغرافيا السياسية العربية تحت ما سمي بـ «الربيع العربي»، كان له أيضاً تأثيره في بلورة وعي الأفراد. ومنه تفرض المرحلة الجديدة على المثقف العربي أداء ثقافياً عالياً وباهراً وباذخ الدلالة، في الحفاظ على ذاكرة الأمة وتحصينها ضد ما يتهددها من أخطار. أما السؤال الذي يطرح نفسه: هل استطاع المثقف العربي أن يرتقي بأدائه إلى هذه الأحداث؟ وأن يعبّر عنها تعبيراً دقيقاً؟.. برأيي أن الوقت لم يحن بعد للإجابة بنعم أو لا...». مع ذلك، لابد من القول، والحديث للصالح، «إن هناك ضرورة لأن يكون للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب دور هام ومحوري، وإن لم يكن فسيحوّل الاتحاد نفسه بنفسه إلى شاهد زور على المرحلة التي ينتمي إليها. لكن أين يتحدد هذا الدور؟ ما هي طبيعته؟ جميعها أسئلة مشروعة وضرورية». ولفت الصالح إلى أن «من الحماقة أن يعتقد المرء بقدرة الثقافة على لجم قوة السياسة. كما أن الأداء الثقافي العربي في السنوات الخمس التي مضت لم يكن لائقاً بالتحولات العاصفة. ولكي يكون فاعلاً ومؤثراً في المستقبل، يجب أن يكون إخلاص المثقف للقضايا الكبرى على حساب القضايا الصغرى. ومن ثم تكون هذه القضايا هي البوصلة الحقيقية التي يستهدي بها من أجل أن يتحول الاتحاد إلى رافعة حقيقية للوعي المقاوم لكل ما يتهدد ذاكرة الأمة». مهمّات المثقَّف بدوره، يذهب نور الدين بوجلبان، عضو اتحاد الأدباء والكتاب التونسيين، إلى استحالة تحقق أي ثورة في الواقع ما لم تتحقق في العقول، وهذا لا يتم إلا بفعل الثقافة، وعليه، كما يقول بوجلبان، «يحتاج المثقف العربي - على وجه التحديد ونظراً للطبيعة التي وجدت عليها المجتمعات العربية في مستوى تفاعلاتها السياسية والاجتماعية؛- إلى تثوير الواقع وصنع واقع بديل يطمح له جميع المواطنين العرب. ومن هنا تأتي خطورة وأهمية دور المثقف العربي. وإذا كان هناك اتحادات كتاب في الوطن العربي وأمانة عامة تجمعها مع بعضها البعض، فلأن هناك إحساساً متعاظماً حول أهمية دور المثقف في الواقع المأمول الذي نطمح إليه. وربما عند هذه النقطة بالذات تأتي خطورة السؤال عن دور اتحادات الكتاب العرب». وعن سؤاله يجيب: «أعتقد أن أهم دور يمكن أن يحمله الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، هو دفع السياسة العربية نحو المزيد من الاهتمام بتفعيل دور المواطن في مجتمعاتنا. حيث إن ما يسمى بالمؤسسات المدنية هي الفاعل الأول نظرياً لتغيير الوطن العربي وجعله ديمقراطياً. وما أحوجنا هنا إلى دور المثقف للبحث في مفهوم الديمقراطية وتبسيطه ونشره بين الناس. ولابد أن ندرك أن كتابة قصيدة أو رواية تتغنى بالحرية أمر غير كافٍ، فمن الضروري أن يصبح المثقف قائداً بالمعنى الفكري للكلمة وليس بالمعنى العسكري أو السياسي، أن يتحول إلى القاطرة التي تقود رتل الأمة، وأن يفعل ما لم يستطع الساسة فعله. وفي المؤتمر السادس والعشرين للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، تمّ طرح موضوع أزمة المفاهيم حول الحريات وحقوق الإنسان للبحث والدراسة، وهذا يعود إلى استشعار المثقفين العرب خطورة دورهم. فنحن حين نتحدث عن الحرية إنما نتحدث عن تلك المدنية المقيدة بقوانين، وعندئذ من يصنع القانون يجب أن يكون مثقفاً أو حقوقياً أو مفكراً أو فيلسوفاً مبادراً في توضيح المفاهيم وتبسيطها للساسة وإبراز خطورة المسألة». ويضرب بوجلبان مثلاً على ما ذكره باتحاد الكتاب والأدباء التونسيين، الذي كان في فترة ما قبل 2011 حلقة من الحلقات التي تعتمدها السلطة في قمع الشعب، وكل من لا يسير في الخط يتم إقصاؤه، فما كان من المثقفين الأحرار إلا الاستقالة. ويقول: «بعد 14 يناير 2011، أستطيع القول إن الثورة التونسية قد حققت مكسباً وحيداً يتجلى في الحريات على مستوى حرية الرأي والتعبير ضمن المؤسسات والجمعيات المدنية والأهلية. والاتحاد الآن في تونس يستعيد موقعه الطليعي. ونذكر أن النسخة الأولى من الدستور التونسي الذي أرادوا أن يمرروه للناس، لا يتحدث في بند واحد عن الثقافة. ولولا اعتراض المجتمع المدني وإعادة الأمور إلى نصابها، لخرج لنا دستور دولة خاليا من الثقافة.. وتبقى المشكلة في المثقف ذاته وفي طبيعة توجهاته. إذ إن الأمة العربية بحاجة إلى كاتب ثوري يهتم بتثوير المفاهيم ولا يحمل البندقية. نسبة الأمية بمفهومها الحقيقي عالية ونسبة الذين لا يفكون الخط تتجاوز الـ 50 ?، بينما قد تصل الأمية العقلية إلى 90?، ومن هنا يأتي السؤال: كيف نعيد بناء الأمة في واقع يعادي الثقافة؟». مستعيداً ماضي الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، يجد الكاتب والأديب الفلسطيني حسن حميد، عضو اتحاد الأدباء والكتاب السوريين، أن الاتحاد «حاول منذ تأسيسه مع الكاتب يوسف السباعي أن يكون صدى للتجربة الناصرية من الناحية الثقافية، فيما يخص تجميع الأمة العربية أو الحديث عن ثقافة عربية واحدة. ولكن، للأسف الشديد، هذا الجانب لم ينجح كثيراً لأن الأمانة العامة آنذاك وعدت بوعود عديدة ولم تنجز شيئاً، لا من حيث الطباعة ولا الكتابة ولا النشر. وكانت تكتفي باجتماعات للدول الأعضاء التي لم يكن عددها يتجاوز عدد اليد الواحدة، وقد حصل واختتمت باجتماع في قبرص حيث تمّ اغتيال السباعي هناك، فأحبط المشروع وتخلله انقطاع تاريخي إلى حين أعيد وجدد بطريقة أخرى». أما المرحلة الذهبية والمهمة بالنسبة للاتحاد، من وجهة نظر حميد، فقد كانت «في عهد الدكتور علي عقلة عرسان الذي تسلّمه لعدة دورات. والذي أسس مجلة باسم الاتحاد وهي «الكاتب العربي»، ثم أسَسَ الاتحاد محولاً إياه إلى مؤسسة لها مهامّها وجعل كل رابطة من الروابط العربية تتسلم إحداها؛ كأن يقوم بعضها بمهمة الإعلام والنشر والسؤال عن الأعضاء من الناحية الاجتماعية، وبعضها الآخر عن الفاعليات والأنشطة من ندوات ومؤتمرات وغيرها». لابد من الإشارة، يعلّق حميد، إلى أن هذه المرحلة «شهدت تقييم لأفضل مئة رواية عربية خلال القرن العشرين في ختامه، وهو في قناعتي أول تحقيب للعمل الروائي الحقيقي بعيداً عن الحقول الخاصة التي اشتغل عليها نقاد السرد الأدبي. خاصة وأن هذا المشروع تطوّر ليشمل ترجمة هذه الروايات إلى اللغات العالمية باعتبارها تتحدث عن الإنسان العربي وتستطيع أن تكون صدى وجوهه الثقافية أمام العالم. إلا أن الترجمة تناولت حوالي 40 رواية فقط، حيث واجهوا إشكالية دفع نفقات النشر والترجمة أيضا». وجاءت المرحلة اللاحقة التي تسلّم الاتحاد العام فيها فخري قعوار، حسب رأي حميد «ضمن ظروف صعبة اعترت بعض الدول العربية وقتها، فكانت ثمة تخبطات سياسية انعكست على الحالة الثقافية. لقد صدرت بعض الكتب لكنها لم تزد على 10 من المغرب إلى الخليج، ولم تكن مؤشراً عن حال المشهد الثقافي ككل». وينظر حسن حميد إلى المرحلة الحالية والقادمة بأنها «المرحلة الأهم في تاريخ الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب لأن أعضاءه بدؤوا يتحدثون عن مؤسسة ثقافية يستشعرون أهميتها، والدليل على ذلك أن الاتحادات والروابط والأسر العربية تتنافس اليوم لاستلام دفة الإدارة والمجلة الشهرية، بالإضافة إلى مشروع جديد ينذر بجريدة ثقافية تصدر عنه». وللمرحلة القادمة، أوضح حميد، أن أهم هدف استراتيجي ينبغي العمل عليه من قبل الكتاب والأدباء «هو ألا يأخذنا الحقل السياسي بخلافاته وتشرذماته والعيوب الفاقعة الموجودة فيه. أن نبقى نتحدث عن رواية عربية، أن نبقى نتحدث شعر عربي، نقد عربي، مسرح عربي، من أجل أن نحقق حلمنا في أن تكون الثقافة العربية هي الأداة أو الوسيلة التي توجهنا جميعاً. علينا أن نرى أنفسنا في مرآتنا الثقافية وأن نجعل الآخر يرانا ثقافياً، فالحالة السياسية حالة مشرذمة ومتعبة». ويختم: «على المثقف أن يتحدث، لكنه يعاني من مشكلة كونه وحيداً يحتاج دوماً إلى تعزيز. فنحن عندما نقطع الصلة بين السياسي والثقافي سنحرم من الكثير وسنعاني من الاختلاطات. ومنه فإن دور الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب أن يحتوي جميع الإبداعات بعيداً عن السياسة وتصنيفاتها». كلمة مسموعة في السياق ذاته يبيّن الدكتور مسعود عمشوش، عضو الأمانة لاتحاد الكتاب والأدباء اليمنيين دور الأدباء والكتاب والمثقفين الهام بقوله: «إذا أردنا أن تصمت البنادق والمدافع وأن نتجنب إزهاق الأرواح، ينبغي أن نفعّل دور الكلمة والمثقفين ضمن إطارهم الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب – مع العلم بأن الاتحاد ليس الناطق الرسمي لجميع الكتاب والأدباء – والذي من المفترض أن تكون له مكانته كممثل للمثقف في الوطن العربي. ومن الأهمية بمكان أن يكون للاتحاد كلمة تقال وأن تكون أكثر قوة من الكلمات التي تُطرح في مجالس النواب والبرلمانات، لأنها كلمة واعية من المفترض أن يمتلك من يقولها الوعي والرؤية المنهجية». وبعد... حاولت الإجابات السابقة أن ترصد الدور الذي لعبه الاتحاد طيلة أعوامه الماضية وأن تقدّم عدداً من النقاط لرصد مهامه الحاضرة والمستقبلية. لكن بعضها ظلّ عاجزاً عن تقديم دلائل تثبت فاعليته على أرض الواقع، وتؤكد استقلاليته المرجوة أيضاً. أما ربط دور الاتحاد بدور المثقف العربي الفرد وقدرة الثقافة على الدخول في القضايا الإنسانية والمجتمعية والسياسية، فهو جانب أساسي من منظومته الكلية، لكنها لا تشكّل كافة التزاماتها. إذ إنّه يعبّر بآرائه وقراراته عن تجمع عربي وأدبي يضمّ الاتحادات والروابط والنوادي الأدبية العربية، لذا فإن مهمته يجب أن تكون أكبر وأكثر قدرة على حماية الوطن وضمان حرية التعبير الإبداعي لجميع أبنائه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©