الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوب شرق آسيا... مؤشرات النفوذ الصيني

جنوب شرق آسيا... مؤشرات النفوذ الصيني
6 سبتمبر 2011 23:16
كان الزمن صيـف 2001؛ وكنت أقوم بتغطية الانتخابات في تيمور الشرقية، الدولة التي نشأت حديثاً في نهاية العالم. وكان ذلك أول مهمة أقوم بها لحساب الصحيفة التي أعمل بها وبداية عشر سنوات من العمل كمراسل صحفي يغطي جنوب شرق آسيا، حيث قمت بإعداد مئات القصص من مختلف أرجاء منطقة تضم نحو 600 مليون نسمة. قبل عامين على ذلك، كانت تيمور الشرقية قد انفصلت عن الاحتلال الإندونيسي وكانت تطمح للانضمام إلى الارتقاء لمصاف ديمقراطيات العالم، ومن ذلك أقوى الديمقراطيات على الإطلاق، الولايات المتحدة المحبة للحرية. وليس مهماً أن واشنطن كانت تدعم ديكتاتور إندونيسيا الجنرال سوهارتو ورجالًا أقوياء آخرين في آسيا. فقد كانت الحرب الباردة قد وضعت أوزارها، وكان "سوهارتو" قد رحل، وكانت نمور جنوب شرق آسيا الاقتصادية بدأت تزأر من جديد، وكل ذلك تحت حماية المظلة الأمنية الأميركية. ولكن بعد وقت قصير، انقلبت الأوضاع الجيوسياسية في العالم. فأولاً، أتت هجمات الحادي عشر من سبتمبر الصادمة التي أعادت تعريف أهداف سياسة الولايات المتحدة الخارجية. وبعد ثلاثة أشهر على ذلك تحديداً انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية في ما مثل محطة اقتصادية بالغة الأهمية؛ فارتفعت وتيرة صادرات الصين وبدأت احتياطياتها من الدولار في الازدياد والتراكم. وفي رأيي، فإننا ما زلنا نعيش في ظل هذين الحدثين التاريخيين المهمين. ذلك أن كلا الحدثين كانت له عواقب دائمة في جنوب شرق آسيا، حيث بدأت الصين الصاعدة من جديد تزيح تدريجياً عقوداً من الهيمنة الأميركية في التجارة والمساعدات والدبلوماسية. ذلك أن بعض البلدان مثل كمبوديا وبورما (ميانمار) تقع ضمن منطقة نفوذ الصين بثبات، في حين بدأت بلدان أخرى معروفة بموقفها الموالي للولايات المتحدة في الجنوح إلى الصين على سبيل الاحتياط مثل تايلاند والفلبين. وعلى ما يبدو، فإن فيتنام هي الوحيدة التي تجدف في الاتجاه المعاكس عبر احتضان واشنطن، عدوها السابق. وبالطبع، فقد جاء صعود الصين الاقتصادي سابقاً على هجمات "القاعدة" على التراب الأميركي. ومن المنطقي أن يقوم زعماء بلدان جنوب شرق آسيا بربط اقتصاداتهم باقتصاد الصين والتعاون بخصوص مواضيع أخرى. وهكذا، أخذت الصين مرة أخرى تتحول إلى مركز الجاذبية في آسيا. ولكن التصور السائد في آسيا كان هو أن واشنطن جد منشغلة بخوض الحروب حتى تسعى إلى تحسين أدائها أمام الصين. فقد كان الرئيس بوش يتغيب عن القمم الإقليمية، ولم يكن مبعوثوه يأتون حاملين اتفاقات تجارة ثنائية أو استثمارات جديدة مثل ما كان يفعل الزعماء الصينيون. بل كانوا يتحدثون حول الإرهاب والأمن والإسلام، وكان يُنظر إليهم بارتياب شديد من قبل المسلمين في المنطقة. وقد أخبرني استراتيجي ماليزي متخصص في قضايا الدفاع في 2005 بأن الصين تريد أن يُنظر إليها على أنها "شريك مفيد وقوي" للمنطقة؛ وقال متسائلاً: "ما هو غير معروف هو كيف ستتصرف الصين عندما تصبح تلك القوة التي يحسب لها ألف حساب وتجلس نداً للند مع الولايات المتحدة مثلاً؟". والواقع أن هذا السؤال مازال يتردد عبر دهاليز السلطة في جنوب شرق آسيا، ولاسيما بعد أن بدأت الصين اختبار أول حاملة طائرات صينية في وقت أخذت تدعي فيه سيادتها على جزر تقع في بحر جنوب الصين. وفي الأثناء، بات الاقتصاد الأميركي المثقل بالديون يغرق تحت الماء؛ وأصبح صعود الصين/تراجع الولايات المتحدة حديثَ الناس في العالم. غير أنه في شوارع بانكوك وسنغافورة، يمكن القول إن المزاج أكثر تفاؤلاً. فالعديد من الناس ينحدرون من أصول صينية وهم فخورون برؤية الصين تنهض من جديد وتقف على قدميها؛ بينما آخرون سعداء فقط بالحصول على نصيب من الأرباح في وقت يمتص فيه الاقتصاد الصيني مزيداً من السلع والخدمات من المنطقة. على أطراف بانكوك، قضيت يوماً مع "فارني روس"، وهي ابنة رجل أعمال تايلاندي- صيني معروف، حيث تقع مدرستها الخاصة التي تلبي احتياجات التايلانديين المنتمين إلى النخبة الذين يرغبون في إعداد أطفالهم لعالم يدور أكثر حول الصين. وسمعتُ أطفالاً صغاراً في قاعة الدرس يغنون باللغة الصينية، ثم ينتقلون إلى اللغة الانجليزية في الدرس التالي. وخلال الاستراحة، يتحدثون بلغتهم التايلاندية. صحيح أن الانجليزية مازالت هي اللغة العالمية، ولكن اللغة الصينية بدأت تتقدم بسرعة، وبخاصة في البلدان التي تربطها علاقات تجارية قوية مع الصين. ويذكر هنا أن الصين اشترت العام الماضي بحوالي 40 مليار دولار سلعاً من تايلاند، أي أكثر مما اشترته من اليابان وأوروبا والولايات المتحدة. وبالتالي، فلا غرو أن ينظر المهنيون التايلانديون إلى تعلم اللغة الصينية باعتباره طريقة للتقدم في حياتهم المهنية. وربما في مجال اللغة والثقافة، إضافة إلى "القوة الصلبة" للقوة العسكرية والنفوذ الاقتصادي، حيث سيتركز التنافس الأميركي- الصيني بجنوب شرق آسيا خلال العقود المقبلة. ولكنني لن أكون موجوداً في المنطقة لرؤية هذا التنافس بين الأفكار في جنوب شرق آسيا؛ ذلك أنني اليوم أنتظر اعتمادي الصحفي من بكين حيث سأعمل مراسلاً صحفياً للشؤون الاقتصادية. والأكيد أنني سأشتاق إلى هذه المنطقة وخليطها المتنوع والمذهل من الناس والثقافات واللغات. أما الآن، فاعذروني لأنني سأعود إلى إكمال واجباتي المدرسية لتعلم اللغة الصينية. سايمون مونتلايك - بانكوك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©